* مساهمة: الأستاذة فاطمة الزهراء بولعراس يعتقد البعض وربما أغلبية المسلمين أن الرسوم الكاريكاتورية التي يرسمها صحفي مغمور في جريدة ما كما حدث قبل أعوام في جريدة دانماركية وكما يحدث الآن مع (شارلي إيبدو) أنها أساءت إلى سيّدنا (محمد) صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو اعتقاد غير صحيح لأن (محمدا) أكبر من أن تسيء إليه هذه الترهّات وأكبر من أن تسيء إليه مجلّدات من الكلام مهما كان نوعه ومصدره ليس، لأن نزاهته وأخلاقه وعظمته شهدت عليها السّماء قبل الأرض فحسب، لكن لأن الكفّار في زمن (محمد) قالوا فيه وله ما لا يتصوّره عقل ولا يقبله منطق حتى عندما كانوا يرون معجزاته تترأى أمام أعينهم الكليلة عن الحقّ والنّور. وليس (محمد) فقط من الأنبياء من تعرّض للاستهزاء والسخرية والنكران، بل الأنبياء والمرسلون كلّهم، وهذا ما زاد من قيمتهم ودلّل على ثباتهم وحقيقة رسالتهم وصحّة ما يدعون إليه. أمّا سيّدنا (محمد) فهو الرّمز الأبدي للإنسانية جمعاء مهما قال القائلون ومهما هذى المرجفون محمد الصادق الأمين في الجاهلية محمد الصادق الأمين في الإسلام ليس ل (محمد) مثيل لا في ذاته ولا في صفاته ولا في بعثته ولا في حياته ولا في جهاده ولا في وفاته لماذا؟ لأن (محمدا) جاء بالرسالة الخاتمة التي نسخت ما قبله وفتحت أبواب الرحمة لكلّ النّاس، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي لم شمل البشرية ودعا إلى الوحدة والتوحيد معا، فلا فرق ولا عرق ولا أبيض ولا أسود فالكلّ سواسية والوزن الحقّ هو التقوى {إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم}. الإسلام أزال أسطورة شعب اللّه المختار وأسطورة الثالوت وابن اللّه الخرافيتين واستعمل لغة العقل والمنطق في الإقناع واستعمل العدل والمساواة في الاتّساع واستعمل التسامح والرحمة في الارتفاع {ولو كنت فظّا غليظا لانفضوا من حولك}. هذا الدين الذي نتشرّف بالانتماء إليه ونحمد اللّه على هدايتنا إليه ماذا فعلنا من أجله؟ غير الإطناب في المديح والمبادرة بالتسبيح بينما تخلّينا عن كلّ القيم الفاضلة والمبادئ القويمة التي دعا إليها. تأمّلوا معي هل ترون من أثر للعدل؟ للرحمة؟ للتسامح؟ للتواضع؟ وهل تستحقّ مجتمعاتنا الموغلة في الجهل والتخلّف أن تكون نموذجا يُقتدى أو ممّن يُفاخر به؟ وللّه إنها محض غثاء تتقاذفها سيول الانقياد والاستلاب والانبهار بالغير وتحطّها أجنحة العولمة فترسيها على مرافئ حقوق الإنسان واحترام الحرّيات الشخصية وحقوق المرأة وغيرها من الشعارات التي ضاعت معانيها من كثرة ما التوت وتباينت أهدافها. وقد صدق الشيخ محمد البشير الإبراهيمي عندما قال: (من لان للأكل فليس من حقّه أن يلوم الأكلة)، ونحن المسلمون لم نلنْ فحسب، بل ذُبنا وتلاشينا في الغرب حتى أصبحنا نعتقد أن لا وجود لنا دونه لأننا أصبحنا نتزيّى بزيّهم ونتبارى من منّا يحرز قصب السبق ويتقن عاداتهم ويرطن بلغاتهم فماذا تظنّهم قائلون: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟ لا واللّه هذا الشعار طبّقه الكريم ابن الكريم الذي أدّبه اللّه فأحسن تأديبه من سماواته العلى، لقد عمل به وهو في عزّ انتصاره تذلّ له الرقاب وتنحني له الرؤوس فما أراد أن تفعل ذلك لغير الخالق تعالى. أمّا الغرب فلم يعد على ما يبدو يجد متعة سوى في إذلالنا وإخضاعنا والسخرية منّا، وإذ يسخر من ديننا ونبيّنا فإمعانا في إذلالنا لأن رسولنا لا يُطال ولا يُنال ليس بفضلنا نحن كمسلمين في هذا الزمن إنما لأنه كرّم وشرّف من الخالق، كُرّم بالأخلاق وشُرّف بالرسالة الخالدة. إننا مجرّد مسلمين بالوراثة لا نفعل شيئا من أجل هذا الدين ولا نلتزم بأخلاقياته وقيّمه حتى إذا ادلهمّ الخطب استفقنا نصرخ كالطيور الجريحة ثمّ نستكين بعدها ونعود إلى عاداتنا القبيحة ولا مبالاتنا المريحة وتواكلنا الواضح وانهزامنا الفاضح. حتى إذا ما حرّك الآذان أحاسيسنا رُحنا نفتخر بعمر وعلي ونتباهى بخالد وصلاح الدين مع أنهم من أمم قد خلت من قبل لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ولم يعد لنا حقّ الافتخار بهم لأننا هدّمنا كلّ ما فعلوه بأنانيتنا واتّكالنا وتواكلنا. هم كتبوا ونحن محوْنا، هم جاهدوا ونحن كبوْنا هم عاندوا وثبتوا ونحن تركْنا وخضعْنا، هم صدقوا ونحن خدعْنا، فلا فائدة تُرجى الآن من الصراخ ولا الشّعار ولا الظّهار، إنما إن كنّا نريد الاحترام فعلينا أن نحترم أنفسنا ونعود إلى ديننا ونتوب إلى رشدنا فلا نتمادى في خوائنا فلعلّ اللّه يتوب علينا. أمّا رسولنا ففي أعلى عليّين بعد أن أدّى الأمانة وبلّغ الرسالة ونصح الأمّة وكما فعل أتباعه من بعده فنهجوا نهجه واهتدوا بهدْيه إلاّ نحن الذين كفرنا بالنعمة فحلّت علينا النقمة، وحتى عندما تحرّكت فينا جذوة النخوة رحنا نصنع دعاية فريدة وشهرة مجّانية لهؤلاء المغمورين الذي رسموا الرسوم المسيئة، فتبّا لنا ثمّ تبا لأننا بجهلنا لم نعرف حتى كيف ننتصر لديننا الذي فيه عصمة أمرنا وأمّا رسولنا ففي سدرة المنتهى ممّا يهرفون.