عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون( فقالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: (المتكبرون). (الثرثار) هو كثير الكلام تكلُّفاً، و (المتشدِّق) هو المتطاول على الناس بكلامه ويتكلّم بملء فيهِ تَفاصُحاً وتعظيماً لكلامه، و(المتفيهق) أصله من الفَهْقِ، وهو الامتلاء، وهو الذى يملأ فمه بالكلام، ويتوسّع فيه ويُغْرِبُ بهِ تكبُّراً وارتفاعاً وإظهاراً للفضيلةِ على غيره. ومن ذلك الذين ينحتون المصطلحات دون داعٍ لذلك ويتفاصحون بغريب الألفاظ ويُكثرون من التراكيب التى لا استعمال لها في لغة العرب ويُشعرون غيرهم بغزارة علمهم أو علو كعبهِم وواسع ثقافتهم. وفى شرح الطيبي للمشكاة: كُرِه التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة، والتصنع بالمقدمات التي يعتادها المتفاصحون، وزخارف القول، فكل ذلك من التكلف المذموم، وكذلك التحري في دقائق الإعراب، ووحشي اللغة في حال مخاطبة العوام، بل ينبغي أن يقصد في مخاطبته إياهم لفظا يفهمونه فهما جليا. ولا يدخل في الذم تحسين ألفاظ الخطب والمواعظ، إذا لم يكن فيها إفراط أو إغراب؛ لأن المقصود منها تهييج القلوب إلى طاعة الله تعالى، ولحسن اللفظ في هذا أثر ظاهر. وكما قال الإمام الغزالي رحمه الله: (ومقصود الكلام التفهيم للغرض وما وراء ذلك من تصنع مذموم). ومن أراد أن ينظر إلى العلماء الكبار كابن تيمية سيجد أنه كان متبحّراً في العلم وكان قلمه لا يعرف مثل هذا التشدُّق الحادث الآن. ملحوظة: لا يعني ذلك أن كل من فعل ذلك فهو متكبِّر أو قاصد للتشدَّق، فمثل هذا يحتاج إلى نية، ولكن هذا الأسلوب هو أحد العلامات على ذلك ، فيجب الحذر من التشدّق وإحسان الظن بمن كان هذا أسلوبه. والله أعلم.