تعيش قطاعات واسعة من مجتمعاتنا الإسلامية أسيرة لظواهر غريبة تأبى الاندثار رغم تقدم العقل البشري وتطور العلوم التجريبية والاكتشافات الحديثة في الوصول بعقول أمم شتى إلى التفكير في ما وراء الخيال والخرافة، بينما تتراجع عقول شرائح واسعة من الأمة إلى الوراء وكأن سلسلة قوية تشدها للخلف للتفكير في أمور حسمها علم النفس حديثا، وحسمها الإسلام قديما، ورغم كل هذا التناقض الحاصل بين عقليات المجتمعات الإسلامية وعقول العالم المتقدم، إلا أنه يجب علينا الاعتراف بأن ظاهرة _الخرافة_ موجودة لدى كل الشعوب وفي كل الأديان، لكن الارتهان لها يتفاوت من مجتمع إلى آخر. فمع انتشار وسائل الاتصال وتنوعها وسرعة نقل المعلومة، والتحليق بالعقل البشري إلى فضاءات أرحب وأكثر واقعية، يزداد هوس الإنسان المسلم بالخرافة والتمسك بأمور جانبية وجعلها الشغل الشاغل لحياة الكثيرين، وإذا كانت التجارة الدولية قد اتخذت مسارات حديثة وشهدت تطورا هائلا بفضل وسائل الإعلام، فإن تفسير الأحلام خرج من إطاره النفسي واستشراف المستقبل، إلى المحاولة المحمومة لمعرفة علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، أو من أطلعه من عباده على جزء يسير منه وهيهات. تجارة رائجة فتفسير الأحلام أصبح في العصر الحديث تجارة رائجة تدر على أصحابها أموالا طائلة بفضل جهل ضعاف النفوس من المسلمين بحقيقة دينهم أولا، وحقيقة الأحلام ثانيا، فتفسير الأحلام ينبغي أن نخضعه إلى ديني ونفسي، فعلى المستوى الديني نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم نبّه أمته إلى أن المرائي والأحلام ليست حقائق أو مسلمات ولا تنبني عليها الأحكام إطلاقا، حتى لو كانت رؤيا صادقة، وقد أخبر أن الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان، والمتأمل في حديثه صلى الله عليه وسلم سيكتشف من خلاله هذا المفهوم، فقد قال (الرؤيا الصادقة جزء من ست وأربعين جزءا من النبوة)_ ولو انتبهنا إلى كلمة _ الصادقة_ لاكتشفنا أن أكثر المرائي هي أحلام غير صادقة لا ينبغي التفكير فيها كثيرا ما دامت من الشيطان، لكن ما يشغل بال ضعاف النفوس أكثر هي الأحلام أو الكوابيس المزعجة، فهذا النوع هو ما يجعل صاحبه يعيش في قلق دائم ما لم يلجأ إلى أحد مشائخ الفضائيات ليسأله عن تفسير ما رآه، ظنا منه أن ما يقوله هذا الشيخ الفضائي وحيا منزلا، وقليل من مفسري الأحلام اليوم يخالف نهج السلف الصالح الذين كانوا يبتعدون بالناس عن الاهتمام بهذه التفاهات حفاظا على عقيدة المسلمين من الانحراف والارتهان لقول البشر، فالإمام محمد بن سيرين رحمه الله كان إذا سئل عن تفسير حلم مزعج يقول لصاحبه _ اتق الله في اليقظة ولا يضرك ما رأيته في المنام. أما الشق النفسي للأحلام، مزعجة كانت أو غير ذلك، فيعود إلى أن الكثير من هذه الأحلام هي نتاج الحالة النفسية لصاحبها قبل خلوده للنوم، فكلما أكثر الإنسان التفكيرَ في أمر ما سيجد نفسه يعيش وقائعه عند نومه، لكن مشكلتنا أن البعض يحاول ربط ما يعيشه في نومه بالواقع المعاش، وبالمستقبل الذي يتحدد جزء منه بتخطيط الإنسان، بينما يعتبر الجزء الثاني غيبا لا يعلمه إلا علام الغيوب. ولأننا أمة استمرأت الانشغال بسفاسف الأمور، فقد انتهز المشعوذون هذا الوضع وأنشأوا فضائيات -لا تختلف عن القنوات من حيث القدرة على الاستمرار ووجود طاقم يتناوب على تسييرها- مهمتها الأولى تتمثّل في زيادة تدجين عقول ضعاف النفوس من الأمة والتربّح على حسابهم، والأخطر في الأمر أن هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم _ مشايخ تفسير الأحلام_ يتدثّرون بعباءة الدين والعلم، ويوهمون الناس أن هذا جزء من العقيدة يجب الإيمان به، كل ذلك محاولة منهم لربط العقول بهم أكثر ليظل المال متدفقا نحو هذه القنوات والمواقع، ولتظل طاقات عقول الأمة معطلة في البحث عن الأوهام. فلنتق الله في اليقظة ولن يضرنا ما نراه في المنام.