لم تفوّت صحيفة "شارلي إيبدو" الفرصة للتعليق بسخرية فظّة على توافد اللاجئين السوريين والمهاجرين إلى الحدود الأوروبية فكان عدد شهر سبتمبر مليئاً بالرسوم التي حملت لبساً عنصريا لا يقيم وزناً ولا اعتبارا للمأساة الإنسانية التي يعاني منها القادمون قسراً إلى أوروبا والهاربون من ظروف اقتصادية واجتماعية كارثية. ثمانية أشهر مرت على الأحداث الدرامية التي عصفت بمكاتب الجريدة وحصدت أرواح خمسة من أقلامها التاريخية، لكنها كانت كافية لتعود شارلي إلى نسقها الطبيعي الذي لا يراعي مشاعر الفئات المستهدفة في السخرية والنقد. هذه المرة شكّلت مأساة اللاجئين الحدث-السخرية في صفحات العدد 1207، وركّز رسامو الصحيفة على استغلال صورة الطفل السوري عيلان عبدالله الكردي، في انعكاس لا يتماشى إلا مع المقطع الذي ينشده صوت أوروبي يميني وفرنسي بشكل خاص للتدليل على أزمة اقتصادية وسوسيو- ثقافية ستنتجها قوافل اللاجئين العابرين للحدود الأوروبية. لوران سوريسو المعروف ب"ريس" والذي خلف شارب منذ فيفري الماضي في إدارة الخط التحريري للصحيفة ترك بصمته على العدد الحالي، فظهرت صورة الطفل الذي يطفو على سطح الماء وقد كتب "ريس" بجانب الكاريكاتور "عرض خاص: وجبتين للأطفال بسعر وجبة واحدة" وفي أعلى الرسم عبارة "قريبا جدا من الهدف..". لم يكتف "ريس" بهذا المقدار من السقوط الأخلاقي ليخرج برسم آخر يكتنز عنصرية فاقعة ضد المسلمين، ولا يعبّر سوى عن فئة موجودة في المجتمع الفرنسي لا تتوانى عن تصويب "المسألة الأخلاقية" في "ميزانها الحضاري" لتقيم مقارنة بين المسيحي الذي يستحق الحياة والمسلم الذي يموت غرقاً. في الرسم الذي حمل عنوان "الدليل على أنّ أوروبا مسيحية" نجد صورة رجل يمشي على الماء قال "ريس" إنّه مسيحي وصورة طفل يغرق قال عنه إنّه مسلم. كاريكاتور ثالث ختم به "ريس" مهزلته الفنية يظهر فيه أحد الحيوانات المائية (تمساح صغير على الأرجح) وهو يقول على الشاطئ أمام إيلان الغريق " أهلا بكم في جزيرة الأطفال". على خط مواز كان الرسام الساخر ايمانويل شونو قد نشر رسماً في الصحيفة ولاقى ضجة واسعة وانتقادات لاذعة وصل بعضها إلى حد التهديد بالقتل على وسائل التواصل الاجتماعي. شونو الذي رسم صورة الطفل الغريق وهو يلامس الشاطئ مع محفظة على ظهره وكتب أعلاها "بدء العام الدراسي"، خرج ليدافع عن نفسه في اليوم التالي في صحيفة ليبراسيون: "هذا ليس كاريكاتيراً، ولا رسما ساخراً، وددت توجيه تحية لهذا الطفل الذي رحل غرقاً فيما أطفال آخرون يجلسون على مقاعد الدراسة". على أنّ الصحيفة التي لم تخفص صوتها بعد الاعتداء ا على مكاتبها مطلع جانفي الماضي عادت لتكرّس مفهوم السقطات الأخلاقية التي لا تبرّرها حرية الصحافة، وغدت الرسومات الشهرية التي تنشرها تصويراً فضائحياً لحجم الفجوة بين العمل الصحافي والشعور الإنساني، وباتت أعدادها لا تصلح إلا كمناشير توزّع في حملات انتخابية دعائية للأحزاب الفاشية