اعتذار بريطانيا للطيار الجزائري لطفي رايسي، وإقرارها بحقه في الحصول على تعويضات نظير ما لحقه من ضرر معنوي ومادي ليس درسا في النضال المستمر والمستميت الذي يعيد الحق لصحابه، طال الزمن أو قصر، فقط، وليس فقط درسا من بريطانيا التي اعتذرت لجزائري أخطأت في حقه لفرنسا التي ترفض الاعتذار لشعب كامل حاولت إبادته، وإنما أيضا درس من المجتمع البريطاني للمجتمع الجزائري.. فالمجتمع البريطاني، بمؤسساته المختلفة، لا يجد أي حرج في الاعتراف بالخطأ، والاعتذار عنه، بينما تكاد فضيلة الاعتراف بالخطأ أن تغيب في مجتمعنا بمؤسساته المختلفة، فكم من بريء أدين عن طريق الخطأ، وقضى في السجن ردحا من الزمن، قبل أن تثبت إدانته ليغادر أخيرا السجن، من غير أن يسمع كلمة اعتذار واحدة من القاضي الذي زج به خلف القضبان أو غيره، وكم من عامل طُرد من المؤسسة التي يشتغل بها دون وجه حق، وحين اكتشف القائمون على المؤسسة خطأهم في حقه، لم يعتذر له أحد.. وكم من أستاذ يخطئ في حق تلميذه، فيضربه أو يخصم منه نقاطا، ولكن كم من أستاذ اعتذر على خطئه في حق تلميذه؟ وكم من مدير اعترف بخطئه في حق أستاذ بمدرسته واعتذر منه؟ وكم من مدير تربية اعترف بخطئه في حق مدير مدرسة أو ثانوية واعتذر منه وأعاده إلى منصبه؟ وكم من تلميذ اعتذر للأستاذ عن خطئه، وكم من أستاذ اعتذر لمدير مدرسة، وكم من مدير مدرسة اعتذر لمدير تربية، وكم من مدير تربية اعتذر لوزير، وكم من وزير اعتذر للشعب عن خطإ من الأخطاء؟! إننا أمام عقدة حقيقية اسمها عقدة الاعتراف بالخطأ، وعقدة أخرى اسمها الاعتذار، وإذا كان الخطأ صفة بشرية مشتركة، لا أحد معصوم منها، فإننا تفتقد للأسف الشديد لشجاعة تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، لأن منظومة القيم عندنا تصور لنا الاعتراف بالخطأ ضعفا، والاعتذار عنه مهانة، تماما مثلما تعتقد فرنسا أن اعترافها بجرائمها الاستعمارية في الجزائر ضعف ومهانة!.