بقلم: حسين مجدوبي* الجبهة الوطنية ذات التوجه المتطرف والطروحات السياسية والثقافية العنصرية هي القوة السياسية الأولى في فرنسا هذه هي نتيجة الدور الأول من الانتخابات الإقليمية التي شهدتها البلاد. وبغض النظر عن كل التحاليل التي تشير إلى احتمال اتفاق بين اليمين الكلاسيكي واليسار بكل مكوناته لمنع وصول هذا الحزب إلى رئاسة الهيئات المسيرة للأقاليم فهناك واقع جديد وهو: جزء مهم من الشعب الفرنسي الذي أعطى فولتير ومونتسكيو يصوت على العنصرية من باب الدفاع عن الهوية. وفازت الجبهة الوطنية بزعامة ماري لوبين في الدور الأول في ستة أقاليم من أصل 13 وتصدرت المشهد السياسي ب 30 متبوعة بتحالف اليمين المحافظ بزعامة حركة الجمهوريين التي يقودها نيكولا ساركوزي وفي المركز الثالث الحزب الاشتراكي وعدد من الهيئات الأخرى. التطرف الأعمى واليمين المتطرف ليس بالحركة السياسية الجديدة في أوروبا فقد وصل إلى الحكم عبر ائتلافات في النمسا وهولندا وإيطاليا سابقا مع عصبة الشمال ولكن تحوله إلى القوة السياسية الأولى في فرنسا أمر مختلف للغاية ويؤكد على منعطف حقيقي في القارة الأوروبية وذلك لأسباب متعددة منها: - فوز صادم في بلد مثل فرنسا الذي يفتخر بإنجاب كبار مفكري القرون الوسطى الذين حملوا وأرسوا طروحات فكرية ذات طابع إنساني تدفع نحو تقدم البشرية والآن تتحول فرنسا إلى مهد الطروحات السياسية العنصرية المتشددة في الهوية والانغلاق. - فوز يأتي ضد التوجهات في أوروبا الجنوبية والمتوسطية التي تقول فرنسا بزعامتها. فقد ظهرت في دول مثل البرتغال وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال حركات سياسية جديدة في المعسكر الليبرالي واليساري تنهل من كبار المفكرين الفرنسيين في عصر النهضة وعصر الأنوار بينما تسقط فرنسا في التطرف بعد القوة التي اكتسبتها الجبهة الوطنية. - فوز يؤكد ارتفاع الأسهم السياسية للطروحات القومية المتطرفة التي تنشرها الجبهة الوطنية وسط المجتمع الفرنسي. ولا تصلح التفسيرات السهلة لشرح وتأويل هذا الفوز فالاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا يوم 13 نوفمبر قد تكون ساهمت في حصد الحزب لنقطة أو نقطتين. في الوقت ذاته لا يمكن ترديد الأسطوانة القديمة القائلة بتصويت المهمشين والطبقات المسحوقة والمتطرفين للحزب فهذه المرة يتعلق الأمر بقرابة 30 من الناخبين اختاروا وصوتوا لهذا الحزب المتطرف. الأمر يتعلق بعمل سياسي للجبهة الوطنية يتجاوز ثلاثة عقود بدأ مع الأب المؤسس لهذا الحزب جان ماري لوبين ويستمر مع ابنته ماري لوبين الأكثر ذكاء وبراغماتية من أبيها. أرقام النتائج في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية تشرح التقدم المتواصل لهذا الحزب في غزو الصوت الانتخابي الفرنسي. - فوز سيدفع قادة الأحزاب المعتدلة إلى تبني طروحات متطرفة وإن كانت بغلاف مختلف فزعيم الجمهوريين نيكولا ساركوزي يقترب من الجبهة الوطنية فكريا والحزب الاشتراكي بدأ يسقط في طروحات شعبوية. وهذا التوجه ليس بالهين في بلد يعتبر محوريا في البحر المتوسط والاتحاد الأوروبي والمسرح الدولي. صعود الجبهة الوطنية المتطرفة يعود إلى استغلالها الذكي للمواضيع الشائكة التي تؤرق الرأي العام الفرنسي أو الناخبين عموما وهي: إشكالية الهوية الفرنسية في ظل ارتفاع الهجرة إشكالية الإسلام في ظل ارتفاع الإرهاب وإشكالية البطالة وتراجع فرنسا دوليا وتبعيتها للولايات المتحدة. لقد صاغت الجبهة الفرنسية خطابا متينا وعملت على تطويره باستمرار وهو خطاب متطرف بينما فشلت الأحزاب الأخرى في إيجاد خطاب مستقر وأصبح الحزب الاشتراكي ليبراليا وأصبح اليمين الكلاسيكي شعبويا وبذلك تاه الناخب الفرنسي ووجد في الجبهة الوطنية الخلاص . واستفادت الجبهة الوطنية من مناخ فكري يدعم ثقافيا وفكريا طروحات التطرف. مناخ فكري بزعامة مفكرين جدد من أمثال إريك زمور الذي ألف كتاب الانتحار الفرنسي حول ما يعتبره انحطاط فرنسا بسبب التلاقح الثقافي وهيمنة اليسار وتعيش على روايات ميشيل هولبيك مثل خضوع التي تحكي عن وصول مسلم إلى رئاسة فرنسا سنة 2018. لقد اعتقد المفكر العسكري الأمريكي صامويل هنتنغتون في كتابه صدام الحضارات بإقبال العالم على مواجهة بسبب استيقاظ ثقافات وحضارات في الشرق ومنها الصينية والإسلامية وقال إن هذا المسلسل الجديد يعتمد الهوى. لكن ما لم ينتبه له جيدا أن الأحداث والتطورات بدأت تشير إلى عدم انفلات الغرب من هذه الظاهرة ظاهرة عودة الهوية التي تقود إلى التطرف والمآسي. فرنسا تعيش على إيقاع ماري لوبين والولايات المتحدة تعيش على إيقاع دونالد ترامب المرشح المتزعم للحزب الجمهوري حاليا. الجريدة العريقة ليبراسيون نشرت في صفحتها الأولى هذا الاثنين 8 ديسمبر الجاري صورة معبرة رمزيا عن تقدم هذا الحدث الذي يصفه البعض بالزلزال السياسي نعم زلزال ولكنه كان منتظرا كما هي منتظرة الزلازل في اليابان صورة ماري لوبين ضبابية نسبيا وتحتها جملة قصيرة إنها تقترب . في إشارة ذكية وتعبير سياسي عن اقتراب لوبين من رئاسة فرنسا. يجري الحديث عن تفاهمات لمنع وصول الجبهة الوطنية إلى الحكم في الأقاليم نعتقد أنها حلول ترقيعية فهذا الحزب يغزو الناخب الفرنسي ويؤكد ارتفاع التطرف وسط الشعب الفرنسي وليس الدولة وهياكلها. وهكذا فعلاوة على حالة الاستثناء التي تعيشها فرنسا بسبب تفجيرات 13 نوفمبر وهي حالة مؤقتة ستزول بفضل مكافحة إرهاب داعش ففرنسا دخلت مرحلة استثناء جديدة ويبدو أنها طويلة إنه مرحلة التطرف من نوع آخر. وتحول الجبهة الوطنية إلى القوى السياسية الأولى يرادفه في القاموس السياسي جملة تعريفية بسيطة فرنسا أصبحت أمة متطرفة .