بقلم: ماهر أبو طير* نسكت على خبر تصدير أربعة آلاف طن من الزيتون إلى إسرائيل برغم الكارثة فيه والإهانة المستمرة سنويا غدرا لزيتونة لاشرقية ولاغربية وننشغل بجلباب مغنية وموقف والدها منها. نسكت على تعديلات بيع الأراضي في البترا التي تهدد المنطقة بتسلل اليهود للشراء بجنسيات أخرى ونغضب من سعر الغرفة الفندقية في تلك المنطقة الجميلة وأجرة الحصان!. نتعامى عن حروب شرقا وشمالا وجنوبا في العراق وسورية واليمن وننشغل بقبلة السفيرة وضيافتها. نسكت على حكومات تفكر بفرض الضرائب على المغتربين في فترة ما ونغضب على سعر القهوة في مطار الملكة علياء الدولي ونسكت على الفاسد إذا كان من نفس العائلة ونغضب عليه إذا كان من عائلة أخرى. نقيم الدنيا على نصف دينار زيدت على أسطوانة الغاز ثم نصفق لما نعتبره تراجعا حكوميا ونتعامى عن رفع الماء برغم أن كلفتها أكثر. هذه نماذج بسيطة من سيطرة التفاهات علينا واحدا واحدا وعلى بوصلة الرأي العام في الأردن وليعذرنا الناس إذ لانضع أنفسنا فوق أحد ولا في موقع الذي يحدد البوصلة لكننا نتحدث عن استدراجنا للتفاهات. يتم استدراجنا للتفاهات يوميا على حساب القضايا الأساس فتغيب القضايا الأكبر والأخطر لصالح التراشق وشد الشعر وتوزيع الاتهامات فيما بيننا أو في أحسن الحالات تغيير الأولويات. تقوم قيامتنا أيضا من أجل قرار بجعل امتحان الثانوية العامة مرة واحدة ويسكتون عن مستوى التعليم السيئ مدرسيا وجامعيا ويتعامون عن رسوم الجامعات التي تحرق الوجوه وفائض البطالة في الشوارع. يقصفون رئيس حكومة لأنه أكل منسفا في بيت أحدهم ومقابله يسكتون على رئيس حكومة آخر حين يكون ضيفا في مضارب الذين كانوا ينتقدون الأول إذ في الثانية عيب أن يتم نقد ضيفهم وحلال نقد ضيف غيرهم. يخرج خطيب سوري ليشتم الأردن في مخيم الزعتري على سياساته بشأن اللاجئين فتصير هي كل القصة وبرغم البذاءة في كلامه إلا أنه لايجوز أن تغطي على مليون سوري يقولون للأردن شكرا ولله أولا ولايجوز أن تتسبب باستثارة لأن بيننا أيضا متطرفين يتحدثون بذات منطقه المرفوض ويعتبرون دولتنا كافرة ولابد من تقويض أركانها فالعقل يجب أن يقف في وجه الانفعال في كل الحالات. لماذا تطغى التفاهات على القضايا الأهم ولماذا تسود الاختلالات والانفعالات في المعالجات الإعلامية وفي مواقع التواصل الاجتماعي وهل يمكن أن نقول إننا نساهم بطريقة غير مباشرة في تخفيف الضغط عن الحكومات ومساوئ الأداء عبر استبدال القضايا الأهم بالقضايا الأكثر تفاهة هنا؟!. لاأحد فينا يحجر على الناس رأيهم لكننا نقول بصراحة إن القضايا الكبرى غابت عن الشاشات لصالح التوافه التي يمكن تجاهلها أو حتى في حالات أخرى منحها المساحة التي تستحقها وليس أكثر حتى ننبه الناس إلى حالة الاستدراج الإعلامي نحو الوديان حيث التفاهات التي يراد أن نتراشق بها بحيث تمر القضايا الكبرى دون أن يأبه لها أحد من المتابعين أو المراقبين. هي دعوة بصراحة لتجنب فخ التفاهات الذي يراد أن نبقى فيه وأن نعود إلى تحديد الأولويات في هذا الظرف الصعب الذي يعبره البلد وتعبره المنطقة فنحن أمام عام جديد فاصل تنهار فيه دول وتتأسس فيه دول عام يعاد فيه رسم كل شيء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. برغم ذلك مازلنا نجد الوقت لننفخ في الرماد مكبرين قضايا تافهة متناسين أن إطفاءها ممكن بتجاهلها أو تذكر نقيضها الذي يقول العكس في حالات كثيرة. فرق كبير بين صناعة الرأي العام والشراكة في زفة لانهاية لها.