محاربة المتقين من المهد إلى اللحد هذه أمنية الشيطان للبشر يدأب الشيطان محاولًا صرف المؤمن عن سبيل ربه ويستحدث له الطرق والأساليب والوسائل والأفكار التي تلهيه عن الصراط السوي وأكثر ذلك أن يلهيه عن التوبة والاستغفار. فتارة يثقلها عليه ويوسوس له بأنها عمل صعب ثقيل وأنه لن يقدر عليه لأنه يحتاج جهدًا واجتهادًا. وتارة يصعب التوبة عليه من باب أن ذنوبه أثقل من أن تغفر وأن معاصيه أكثر من أن يتوب منها! وتارة أخرى ييئسه من قبول تلك التوبة لأنها غير مخلصة وغير نقية وأنه مدنس بالآثام. ولو لم تجد أمامه تلك الطرق وسوس له صارفًا له عن الاستغفار والتوبة بكونه كثيرًا ما يستغفر ثم يعود وأنه بذلك يخادع ربه وأنه يجب أن يتوقف عن ذلك!. كيد إلى يوم القيامة كل ذلك من كيد الشيطان وكل ذلك ينبغي ألا يفت في عضد المؤمن ويجب أن يتفطن المؤمن إليه فطريق التائبين ليس مجرد كلمة تقال بل إيجابية وعمل ونية صالحة وإرادة قوية وعزم أكيد يصحب تلك التوبة وذلك الاستغفار. قيل للحسن بن علي: ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يكرر الذنب؟! فقال: (ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا فلا تملوا من الاستغفار). إنها أمنية الشيطان أن يظفر من المؤمن بذلك فيقنعه بأن يتوقف عن الاستغفار بحجة أو بأخرى خصوصًا تلك الحجة التي هي من طبيعة بني آدم كونهم يعاودون الذنوب بعد الاستغفار منها. هي أمنية الشيطان ويجب علينا أن نعمل على دحض تلك الأمنية بكل سبيل. كثير من المؤمنين يقعون في تلك المصيدة الشيطانية مصيدة اليأس فيقعون صيدًا سهلًا للشيطان وعندئذ تتضاعف معاصيهم وتهون عليهم الكبائر خطوة خطوة وكلما سقطوا سقطة زاد ولوغهم في الإثم وزاد بعدهم عن التوبة ذلك لأنهم اقتنعوا بأن الاستغفار لا ينبغي لمن عاد للذنب بعد التوبة منه فكرره وأدمنه. النفس الإنسانية صعبة المراس نعم لكنها ممكنة القياد أيضًا إذا عرفنا دواءها ودواؤها ها هنا أن نربيها على الثوابت ونرسخ بداخلها المعاني باعتبارها رواسخ لا تتزعزع ثم ندفعها للبدء في التطبيق ولا نتركها لتتراخى في التنفيذ. أما الثابت ها هنا فهو أن من طبيعة الإنسان الخطأ والضعف والسقوط في الإثم وأن الله سبحانه علم ذلك من بني آدم فقبل منهم التوبة مرارًا وتكرارًا ووعدهم بألا يقنطوا ولا ييأسوا ما دامت فيهم حياة. قال الله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. وفي الحديث القدسي الصحيح: (من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئًا) (الطبراني صحيح الجامع). وانظر إلى جميل عفوه سبحانه وواسع مغفرته سبحانه كما في الحديث القدسي العظيم: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة) (أخرجه الترمذي). وانظر إلى فعل التوبة الصادقة في الذنوب كما يقوله صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (أخرجه ابن ماجه وحسّنه الألباني). وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يذنب ذنبًا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) (أخرجه أصحاب السنن). وقال صلى الله عليه وسلم: (إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل أخرى فانفكت الأخرى حتى يخرج إلى الأرض) (صحيح الجامع). وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم) (رواه مسلم).