بقلم: عبد العزيز كحيل* الأمازيغيّة - في أعين رموزها المعروفين بالغلوّ + بديل عن الانتماء العربيّ الإسلاميّ وخصم لدود له باعتبار أنّ الفتح الإسلامي مجرّد احتلال أجنبي لشمال أفريقيا وليس العرب المسلمون سوى محتلّين تمامًا مثل الرومان والوندال والبيزنطيّين والأتراك ولا يفتأ دعاة الأمازيغيّة يتنادَون بالهويّة البربريّة ويرفضون البُعد العربيّ الإسلاميّ ويطالبون بالقطيعة معه ويسهل فهم هذا الموقف إذا علمنا أنّ الحزب الشيوعيّ الجزائري وقد أسّسه الفرنسيُون - هو الّذي كان يروّج له أثناء فترة الاستعمار بناء على نظريّة (الأمّة الجزائريّة في إطار التّكوين) الّتي تشمل طوائف العرب والبربر واليهود الفرنسيّين والإسبان لأنّ الانتماء يكون لأرض هي الجزائر فيُستبعَد بالتالي عنصر الدين واللغة وقد ترك هذا المسعى الاستعماريّ بصمات واضحةً حيث أنّ الأغلبيّة الساحقة من دعاة الأمازيغيّة منذ الأربعينيات إلى اليوم يتميّزون بأمرين: o تكوينهم تكوين فرنسيّ خالص إلى درجة أنّهم لا يتكلّمون حتّى القبائليّة التي يدعون إلى ترسيمها لغة رسمية _ إن تكلّموها _ إلاّ في الأوساط العائليّة فألسنتُهم فرنسية قحّة رغم تخرّجهم من المدرسة الجزائرية المعرّبة ! o جهلهم _ أو تجاهلهم المقصود؟ - الكامل بالثقافة العربيّة والإسلاميّة الّذي وصل إلى حدّ معاداتها بقوّة وصراحة والسخرية منها ومن أتباعها ورموزها في كلّ مناسبة والدعوة الصريحة إلى نبذها. وهم يشكّلون تيارا عدوانيا دائم الاستهزاء بما يُسمّونه (خرافة الجزائر العربيّة الإسلاميّة) يرفع شعار (الجزائر جزائريّة) كبديل عن (الجزائر عربيّة إسلاميّة) الذي يؤمن به الشعب وهذا مكر وتحايل واتباع سياسة متدرّجة من أجل الأهداف التّقسيميّة الخطيرة الّتي لا يمكن لدعاتها الإفصاح عنها جملةً واحدةً في بلد شديد التمسّك بمقوّمات الدّين واللغة وشديد الحساسيّة من دعوات التّجزئة والردّة مع إقراره بوجود خصوصيّات محلّيّة أو جهويّة تقتصر على اللّهجات والأعراف ومع ذلك تدرّجت الحركة الثقافية البربرية إلى حين أسّس أحد أطرافها الأكثر جرأة (الحركة من أجل استقلالية منطقة القبائل) في السنوات الأخيرة وهي نسخة مكرّرة من فكرة (حزب الشعب القبائلي) فتلاشت دعاوى البُعد الوطني للنزعة البربرية وبرز للعيان الانتماء الجهوي العنصري الانفصالي تمامًا كما خطّطت فرنسا. o معقل هذه النزعة o هناك حقيقة في غاية الأهميّة لا يجوز التغافل عنها تتمثّل في انحصار النزعة البربريّة منذ نشأتها إلى اليوم في منطقة معيّنة هي منطقة (القبائل) وقد كان للاستعمار تركيز خاصّ عليها طيلة عهد الاحتلال حتّى وهنت بعض حصونها إلى حدّ ما من جرّاء هجومات الغزو الفكريّ ومازالت آثار الحملات التنصيريّة المكثّفة باديةً وقد كان لتنظيم (الآباء البيض) التنصيري حضور كثيف ونشاط متواصل هناك تحت غطاء العمل الخيري ومن المفارقات أن منطقة القبائل لم تخل طيلة الاحتلال الفرنسي من ثورات مسلّحة تنطلق من المساجد والزوايا بقيادة علماء الدين لكنّ الإرساليات الفرنسية تمكّنت من تنصير بعض العائلات القبائلية منها أسرة عمروش التي أنجبت الكاتب الفرنكوفوني جان (كان اسمه موهوب فتركه بعد تنصّره) وأخته المغنية طاوس ودعاة البربرية ومعهم كلّ التغريبيّين يحتفون بهما إلى اليوم أشدّ الاحتفاء ويقيمون لهما مهرجانات لشجاعتهما في تحدّي الواقع والارتداد عن الاسلام !!!ويعتبرونهما نموذجا للقبائلي الحرّ الأبيّ !!! إنّ الدراسة الموضوعيّة تفضي إلى نتيجة واضحة هي أنّه ليس كلّ الشعب الجزائريّ ذا نزعة بربريّة ولا السكان ذوو الأصل البربري ولا حتّى القبائل كلّهم وإن كان الكثير منهم مادّة هذه النزعة متأثّرين بها أكثر من غيرهم بسبب الضغط الإعلاميّ للتيار البربريّ وإرهابه الفكري ومكره وتزيينه للدعوة العرقيّة لهذا وُجدت طائفة من الشعب يعتبرون أنفسهم قبائل قبل أن يكونوا جزائريّين وبالغ بعضهم في ذلك حتّى سقط في شوفينيّة مقيتة تستبعد الانتماء الدينيّ واللغويّ والحضاريّ والجغرافيّ ! لتصنع مكانه انتماءً مشبوهاً مداره على لغة أو بالأحرى لهجة هي محترمة كغيرها من الألسنة لكنّها أبعد من أن تشكّل محور انبعاث شخصيّة حضاريّة متميّزة لأنّ الأمازيغيّة _ إذا تساهلنا في الطرح وعددناها لغةً حيّةً _ أداة احتضنها الإسلام واحتضنته منذ قرون خلت فإذا انفصلت عنه لم تعد وسيلة تعبير وإنّما تصبح آلة تشويش إيديولوجيّ ثقافيّ وسيّاسيّ وذلك ما عليه النزعة البربريّة الآن: الأمازيغيّة غطاء سياسيّ يخفي اسمه حيناً ويصرّح به حيناً آخر خاصّةً مذ حدثت الردّة في الحياة الديمقراطيّة. فبعد أن كانت الأمازيغيّة لغةً جهويّةً محلية أصبحت لغةً يُراد لها أن تكون اللغة الوطنيّة والرسميّة (إلى جانب العربيّة أو في مكان العربيّة) ثم أصبحت هويّةً متميّزةً عن الهويّة الّتي عرفها أبناء الجزائر منذ الفتح الإسلاميّ المبارك... ما هذه الهويّة الجديدة؟ يقولون إنّها الهويّة الجزائريّة المتوسطيّة المتّسمة بالتسامح (يقصدون تعدّد الأديان) وفصل الدين عن الدولة (العلمانية) والأخذ بأسباب العصرنة (أي التمسّك بذيل فرنسا) وهكذا نجد العرقيّين يبغضون كلّ ما هو عربيّ وإسلاميّ ولا يلتزمون بأبسط الواجبات الدينيّة (أذكر على سبيل المثال أنّ رموزهم الحزبية والثقافية دأبوا على عقد ندواتهم الصحفيّة ولقاءاتهم الكبرى في منتصف يوم الجمعة أي وقت الصلاة تماما) ويدعون إلى الأمازيغيّة باللغة الفرنسيّة ومن باريس بالتحديد ! وباسم هذه النزعة كاد النسيان يطوي العهود الزاهرة الّتي عرفتها هذه الربوع كدولة المرابطين ودولة الموحدين وكادت معالم كبيرة تطمس كانطلاق فتح الأندلس من هنا وكادت أسماء العظماء تُمحى من الذاكرة الجماعية كعقبة بن نافع وطارق بن زياد لتعلو على أنقاضها أسماء يوغرطا و ماسينيسا والكاهنة أي تُغيَّبُ رموز الإسلام برموز الجاهليّة ويعلم الجميع أنّ دعاة البربرية يكتبون (لغتهم) هذه بالحروف اللاتينية ويرفضون بشدّة رأي عقلائهم في اعتماد الحروف العربية. وينبغي التأكيد مرّة بعد مرّة أنّ منطقة القبائل ليست منساقة كلّها وراء النزعة البربرية رغم تمسّكها بلهجتها وأعرافها وأثبتت أكثر من مرّة وبأكثر من شكل انصهارها في الجسم الوطني وانحيازها للإسلام فولاية تيزي وزو تحتضن أكبر عدد من المساجد في الجزائر أمّا بجاية فقد كانت عاصمة للدولة الحمادية ذات الصبغة العربية الإسلامية وللصحوة الإسلامية وقع كبير وحضور لافت في الولايتين لكنّ التعتيم الإعلامي يطمس الحقائق لأن غلاة الفركوفونيين متسلّطون على المنطقة بتواطؤ من أطراف فاعلة في السلطة ويُرهبون السكّان فكريّا وماديّا لينساقوا وراء أطروحاتهم. o مستقبل هذه النزعة بعد هذا نسأل: ما مصير هذه النزعة العرقيّة التي توظّف الثقافة والسياسة وأشياء أخرى للحصول على مزيد من المكاسب؟ لقد تنازلت لها السلطة مجانيا فرسّمت الأمازيغية لغة وطنية رغم أنف الأغلبية الساحقة من الجزائرييّن فأخذت تصبو إلى المزيد وقد غدت ورقةً سياسيّةً يلعبها عند الحاجة أكثر من طرف في الداخل والخارج لكنّها وإن حقّقت بعض المكاسب إلاّ أنّ تمسّك الشعب بثوابته وبشخصيّته كفيل بدحضها ففي منطقة القبائل صحوة إسلاميّة نشيطة تتحدّى العنت وتجتاز الحواجز وتمكّن للإسلام والعربيّة وفيها علماء ودعاة ومثقّفون يستبسلون في مقاومة الفرنكوفيليّة والعلمانيّة والتنصير ومختلف الأنشطة الهدّامة وهذا مؤشّر خير ولولا التعتيم الإعلامي والإرهاب الفكري المسلّط على المنطقة لرأى الناس تمسّك أغلبية القبائل بالمرجعية الوطنية ولاستمعوا بدهشة إلى الأناشيد الإسلاميّة بالقبائليّة ولتأكّدوا من اعتزاز القبائل بأصالتهم.