الباحث خالد شلبي ل أخبار اليوم : هذا ما سيقدّمه التعديل الدستوري للجزائر.. نحن أمام تعديل دستوري وليس دستورا جديدا * النص الجديد سيُطبق مباشرة بعد نشره في الجريدة الرسمية هناك أزيد من 20 قانونا بحاجة إلى إعادة نظر قال الأستاذ خالد شبلي الباحث المتخصص في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية في حوار أجرته معه (أخبار اليوم) أن التعديل الدستوري الجديد سيُشرع في العمل به مباشرة بعد نشره في الجريدة الرسمية للجمهورية من قبل رئيس الجمهورية. وبرأي شبلي وهو أستاذ عضو بمخبر القانون العمران والمحيط حاصل على عدة شهادات عليا في القانون العام وباحث دكتوراه في القانون بدراسة حول الرقابة البرلمانية على الدفاع والأمن في النظم الدستورية المعاصرة ومؤلف لكتب في القانون الدستوري حاليًا بصدد إعداد كتاب حول التعديل الدستوري لعام 2016 قراءة في التحولات والمآلات فإنه (لا يمكن القول بأن هناك أزمة عدم تطبيق النصوص الدستورية في الجزائر). حاورته: عبلة عيساتي أخبار اليوم : ماذا سيقدم التعديل الدستوري الجديد من جديد للجزائر في تقديركم..؟ يجب التأكيد بدايةً بأنّ الدستور مرآة المجتمع ففي مفهومه المبسط عبارة عن بطاقة تعريف لدولة ما من خلاله يمكن التعرف على طبيعة نظام الحكم وشكل الدولة ومركز الحقوق والحريات العامة لذا يُعد عقد أو اتفاق بين الحرية والسلطة. بخصوص ماذا سيقدم الدستور الجزائري في ثوبه الجديد للجزائر؟ فيمكن أن يقدم الكثير إذا ما تم احترامه وتطبيقه فعلاً على أرض الواقع فقد جاء بضمانات جديدة تكرّس لتداول سلس للسلطة من بين أهمها توسيع مجال إخطار المجلس الدستوري ومنح الأفراد الحق في الدفع بعدم الدستورية في أي نص تشريعي يخالف الدستور وهذه نقلة نوعية كما منح أدوات جديدة للمعارضة للتعبير عن آرائها بحرية ونزاهة كما تم دسترة العديد من الحقوق من بينها حق التقاضي على درجتين وحق المواطن في بيئة سلمية وحقوق الشباب ذات الطابع الاجتماعي واستحدث هيئات استشارية جديدة ولجنة لمراقبة الانتخابات ومن السلبيات التراجع عن الضمانة الدستورية التي كانت مكرّسة في المادة 20 من الدستور سابقًا والتي كانت تُشير إلى ضرورة أن يتم تقديم تعويض (قبلي) عادل ومُنصف قبل أي نزع للملكية الخاصة من أجل المنفعة العامة. * يقول البعض أن الجزائر في حياتها لم تعش أزمة دستورية بل أزمة تطبيق هذه النصوص ما هو تعليقك على هذا الرأي؟ ** هذا الرأي يُجانب الصواب من وجهين أولاً يجب الإقرار بأن الجزائر عاشت من قبل أزمة دستورية ب(شغور منصب رئيس الجمهورية) وذلك بتزامن استقالة رئيس الجمهورية وحلّ البرلمان في بداية التسعينات وقد تم تدارك هذه الثغرات القانونية في التعديل الدستوري لعام 1996 من جهة. كما لا يمكن القول بأن هناك أزمة عدم تطبيق النصوص الدستورية في الجزائر ذلك أنه إذا أخذنا بهذا الطرح جدلاً فإننا نصل إلى القول بأنه لا يوجد نظام دستوري في الجزائر أصلاً لعدم احترام هذه الوثيقة التي تنظم الحياة السياسية داخل الدولة وهذا الكلام لا يُستساغ فالمنطق يجرنا إلى القول بأن هناك منظومة دستورية يصطلح عليها لذا رجال القانون بالكتلة الدستورية قائمة تسير عليها الدول بالرغم من وجود بعض النقائص وهذا موجود في جميع الدول فالحياة السياسية لا تسير بالقوانين فقط بل هناك الأعراف الدستورية وحتى الأعراف السياسية التي جرى العمل بها. * جرى تداول مصطلح الدولة المدنية والجمهورية الثانية هل حقيقة هذا الدستور يرسّخ لهذين المفهومين؟ ** لكي نحكم على أي دستور بأنه يرسّخ لمفهوم الدولة المدنية أو الجمهورية الثانية لابد أولاً أن نحدد المقصود بالدولة المدنية وكذا المقصود بالجمهورية الثانية. أولا: فيما يخص الدولة المدنية والتعديل الدستوري الجديد يجب إشارة إلى أن مصطلح الدولة المدنية والذي جرى الحديث عنه كثيرا في البلدان العربية في الآونة الأخيرة ومنها الجزائر بمناسبة التعديل الدستوري هو مصطلح غربي بالأساس والذي يقصد به الدولة اللائكية على نقيض الدولة الدينية التي كانت مسيطرة على مقاليد الحياة العامة في أوروبا في عصر الظلام الذي عرفته أوروبا والذي تزامن مع عصر النهضة الإسلامية في الشرق أما توظيف هذا المصطلح في الجزائر فجاء في سياق الإشارة إلى أن الجزائر حاليًا في مرحلة جديدة تهدف إلى تجديد الأطر الناظمة للحكم بما يتماشى مع مشروع مجتمع يتبنى طرح تعزيز دولة القانون والمؤسسات. وبصراحة هو طرح سياسي أكثر منه قانوني لأنه دستوريا في الجزائر الإسلام هو دين الدولة هذا إذا كان المقصود بمشروع (الدولة المدنية) الدولة اللائكية أما إذا كان المقصود بالدولة المدنية هو الفصل بين السلطة المدنية والعسكرية فهذا طرح آخر. أما بخصوص إذا كان التعديل الدستوري الجديد يكرّس لبناء جمهورية ثانية في الجزائر يجب الإشارة هنا بأن مصطلح الجمهورية أولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة... هو مصطلح مأخوذ من التجربة الفرنسية التي كرّست لهذا المفهوم حيث ربطت بين التجديد الدستوري للدولة وقيام الجمهوريات المتعاقبة وضمن هذا الطرح فإننا نقول بأننا لسنا أمام الجمهورية الثانية بل أمام بناء الجمهورية الخامسة منذ دستور 1963 إذا ما تم الربط بين إقرار الدستور والتجديد الجمهوري فالجمهورية الأولى مع دستور 1963 والثانية مع دستور 1976 والثالثة مع دستور 1989 والرابعة مع دستور 1996 والخامسة حاليا. إذا ما تم الأخذ بهذا (الطرح الفقهي). * بخصوص المادة 51 من الدستور الجديد التي تمنع التداول على السلطة لمزدوجي الجنسية الكل يعلم بأن هناك وزراء ومسؤولين سامين في الدولة لديهم ازدواجية الجنسيات كيف سيكون مصيرهم؟ كما أن بعض مزدوجي الجنسية يعتبرون المادة (تمييزا) في حقهم؟ ** استقراءً لما جاء في منطوق الفقرة الجديدة من المادة 51 من الدستور فإنه يستوجب التمتع بالجنسية الجزائرية وحدها لتقلد المناصب السياسية أو الوظائف السيادية في الدولة وهذا لا يشكل أي عائقًا أمام استرجاع الكفاءات الجزائرية المتميزة نوعًا وكمًا من الخارج ذلك أنه يمكن استقدامهم وعملهم في جميع القطاعات أما المجال السياسي أو العمل السيادي فيمكن أن يمارسوه بشرط التخلي عن جنسياتهم الأخرى المكتسبة. أما بخصوص الإطارات السامية حاليًا مزدوجي الجنسية في الدولة فلن يؤثر هذا النص كثيرًا على مستقبلهم المهني فيمكن لهم الاستغناء والتخلي عن الجنسية المكتسبة والبقاء بالجنسية الجزائرية الأصلية من جهة ومن جهة أخرى فهناك إحالة على القانون في هذه المسألة ولن يتم تطبيق هذا النص الدستوري إلا عند صدور القانون المحال عليه والذي يحدد الإجراءات بدقة ويجب الإشارة هنا بأن الإشكالية ليست في ازدواجية الجنسية لأن الجنسية جنسية الولاء وليست جنسية الانتساب بل الإشكالية في مزدوجي الهوية أو من لهم انفصام في الهوية. * وبخصوص المادة التي أصبحت من خلالها اللغة الأمازيغية لغة وطنية رسمية كيف سيكون ذلك قانونيا علما أن الجزائر لديها اختلاف في اللهجات الأمازيغية وليس هناك اتفاق أكاديمي يضبط قواعد اللغو الأمازيغية؟ ** إن دسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية من قبل وبعد حوالي 15 سنة كلغة رسمية هو مكسب للجميع فالأمازيغية رافد من روافد الهوية الوطنية وثابت من ثوابت الدولة الجزائرية أما بخصوص إشكالية تعدد واختلاف اللهجات الأمازيغية فقد تم التنصيص في الدستور على إستحداث هيئة دستورية تضم خبراء مختصون يناط لها دور العمل على تطوير وترقية اللغة الأمازيغية لتصبح فيما بعد لغة رسمية فالرسمية دستوريًا مشروطة بقيد موضوعي وقيد زمني يتمثل القيد الموضوعي في العمل على ترقيتها أولا وتوحيدها ومن ثم العمل على نشرها في مختلف ربوع الوطن أما القيد الزمني فهو بديهي ناتج عن تطور وتوحيد اللغة الأمازيغية لكي لا يحدث إلتباس أو صعوبات في تطبيقها حيث يجب الإشارة هنا لمسألة مهمة في هذا الخصوص وهي إن اللغة الرسمية في أي دولة لابد أن تكون سهلة التواصل بين غالبية الشعب فلا يمكن فرض لهجة على حساب لهجة بل يجب ترقيتها أولاً لكي تكون عاملاً مهم في لم اللحمة الجزائرية وليس العكس . * وماذا عن آليات الرقابة البرلمانية على الحكومة التي أقرها الدستور الجديد؟ ** عفوا هذا تعديل دستوري وليس دستورا جديدا أما بخصوص الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة فهناك إضافات نوعية منها تحديد آجال الرد على الأسئلة الشفوية والكتابية بدقة كما يستوجب على الوزير الأول أن يقدم سنويا إلى البرلمان بيان السياسة العامة لحكومته بالإضافة إلى لجان التحقيق إن للبرلمان وضع لجان إعلامية والموافقة المسبقة للبرلمان تصبح إجبارية قبل تصديق رئيس الجمهورية على الاتفاقيات الاقتصادية المتعلقة بالدخول إلى مناطق التبادل الحر والتجمعات الاقتصادية كما يتسلم البرلمان سنويا تقريرا من مجلس المحاسبة. بالإضافة إلى تقييد اللجوء إلى الأمريات الرئاسية وكذا أن الأغلبية البرلمانية يستوجب استشارتها من قبل رئيس الجمهورية من أجل تعيين الوزير الأول. * نعلم أنه عقب كل تعديل دستوري هنالك تعديل وزاري ما هو تصوركم للحكومة الجديدة؟ ** إن تعديل الحكومة من صلاحيات رئيس الجمهورية وفي هذا الإطار يجب الإشارة بأن ليس هناك نص يلزم رئيس الجمهورية بتعديل الحكومة بعد كل تعديل دستوري بل هو مجرد عرف سياسي وفي هذا أتصور أن تكون هناك حكومة توازن بين السياسي والتقنوقراطي ذلك أننا في مرحلة تعرف فيها بلادنا أزمة ناتجة عن انخفاض أسعار المحروقات وضمن سياسة التقشف المنتهجة من قبل الدولة أتوقع تقليص في عدد الوزراء ودمج لبعض الوزارات. * من المعروف بأن الدستور هو أب القوانين ما هي أبرز القوانين التي من المفترض أن يتم الشروع في تعديلها بما تنسجم مع التعديل الدستوري الجديد؟ ** هناك أزيد من 20 قانونا مابين قانون عضوي وقانون عادي يستوجب إعادة النظر فيه وتحيينه بما يتماشى مع النصوص الدستورية الجديدة ومن أبرزها النصوص المتعلقة بالحياة السياسية على غرار القانون العضوي رقم 99-02 الذي يحدد العلاقات مابين كلا من غرفتي البرلمان والحكومة بالإضافة إلى القوانين الإجرائية والمتعلقة مثلا بالتقاضي على درجتين وإقرار حق المواطن في إخطار المجلس الدستوري. * متى وكيف يشرع في العمل بالدستور الجديد؟ ** يشرع في العمل بهذا التعديل الدستوري بعد يوم من نشره في الجريدة الرسمية للجمهورية من قبل رئيس الجمهورية. * كلمتكم الأخيرة بخصوص الدستور؟ ** وفي الأخير يجب التأكيد بأن الدستور ما هو إلا اجتهاد بشري يتطور بإستمرار من أجل تكريس نظام حكم أكثر فعالية بما يساهم في تفعيل العقد الاجتماعي القائم بين الحرية والسلطة لذا يجب على الجميع احترامه وتقيد به مهما يعتريه من نقائص أو سلبيات.