مواجهة شاملة مع داعش ** تواجه دولة تونس الشقيقة حالة استنفار قصوى جراء تنامي موجة الإرهاب التي تشتعل بشكل متسارع بالنظر إلى ظروف الحدود الاستثنائية خاصة من جهة ليبيا التي تغرق هي الأخرى في الفوضى والى ذلك فإن المستقبل يبدو حساسا في ظل استمرار الظروف الحالية ! ق.د/وكالات تقع مدينة بنقردان في أقصى الجنوب الشرقي من تونس على خطّ التماسّ مباشرةً مع ليبيا وبالقرب من معبر رأس جدير الحدودي الذي يُعدّ شريان الحياة للمنطقة الجنوبية من الجمهورية التونسية. وهي جزء من محافظة مدنين. يحدّها من الشمال ساحل بحر بوغرارة وجرجيس وبحيرة البيبان ومن الشرق والجنوب الحدود التونسية الليبية على امتداد 97 كيلومتراً ومن الغرب مدينتَا مدنين وتطاوين. ويبلغ عدد سكّان المدينة نحو 80 ألف نسمة وهي تتميز بمناخها الحارّ والجافّ. وعلى الرغم ممّا تشتمل عليه المنطقة من ثراء طبيعي وبيئي وتراثي فإنّها ظلّت بعيدةً عن اهتمام الدولة طوال تاريخها الحديث إذ عُدمت فيها الاستثمارات الصناعية والزراعية فاتجه السكان إلى ممارسة التجارة الموازية (التهريب) الذي لم يعُد يقتصر على تهريب السلع والنفط بل اتسع ليشمل تهريب البشر والسلاح من ليبيا نحو تونس بعد إطاحة حكم القذافي غير أنّ هذه التجارة الموازية تضرّرت كثيراً بعد أن تصاعدت حدّة الأزمة السياسية والأمنية والعسكرية في ليبيا في عقب اندلاع الاقتتال بين الفصائل المسلّحة المتنازعة في فرض السيطرة بقوة السلاح على مناطق إستراتيجية من البلاد ما أدّى إلى انعكاس سلبيّ على التجار والمهربين وإلى تهديد البطالة آلافاً من العمّال. أهداف العملية يبدو من طريقة التنفيذ أنّه جرى التخطيط للعملية بدقة وهو أمرٌ تؤكده عدّة مؤشرات منها: العثور على مخازن للسلاح في المنطقة وتحرّك بعض الخلايا النائمة لإسناد الجماعات المسلّحة المهاجمة. اعتماد المهاجمين تكتيك المباغتة والتّرهيب عبر الانتشار في شوارع المدينة وتنفيذ عمليّات قتل وإعدام استعراضيّة في حقّ مدنيّين ورجال أمن. محاولة كسب تعاطف السكان عبر التحريض ضدّ السلطة التي أخفقت في تنمية المدينة وفي إيجاد حلول لمشكلاتها الاقتصادية والمعيشية. أمّا بشأن هدف العملية فتوجد قراءتان تذهب إحداهما إلى أنّ هدفها كان جسّ نبض الأجهزة الأمنية والعسكرية التونسية ومعرفة مدى قدراتها على المواجهة واستعدادها لها. ومن ثمّ فإنّ العملية بحسب هذه القراءة لا تتعدّى أن تكون تمرينًا يهدف إلى بثّ الرعب في نفوس العسكريين ورجال الأمن التونسيين والتهيئة لعمليات أخرى أكثر أهمّيةً منها استعدادًا لبسط السيطرة على المنطقة في المستقبل. أمّا القراءة الثانية فترى أنّ الهدف المباشر للعملية كان متمثّلاً بالسيطرة على المدينة وتحويلها إلى قاعدة آمنة للتنظيم في حال التضييق عليه في ليبيا أو في حال توجيه ضربة عسكرية ضدّ معاقله فيها. وفضلاً عن ذلك يمكن للتنظيم عبر السيطرة على هذه المدينة الانتشار والتمدّد في اتجاه الجنوب التونسي علماً أنّ عددًا كبيراً من مقاتليه يستقرون في الغرب الليبي. ويؤيد هذه القراءة توجّه المهاجمين المسلّحين في وقت متزامن إلى الثكنة العسكرية وثكنات الحرس والشرطة من أجل القضاء على وجود القوى الأمنية الرسمية وانتزاع أسلحتهم ثمّ الاتجاه نحو المعتمدية (مقر الإدارة المحلّية) لرفع العلم الأسود (العُقاب) فوقها وإعلان الإمارة. أمّا الخطوة الثالثة فكانت محاولة السيطرة على المحكمة الابتدائية وإعلانها مقرّاً للمحكمة الشرعية وهو أمرٌ أكّدته حيثيات العملية واعترافات العناصر التي تمّ القبض عليها في تونس. عمق اختراق التنظيم لتونس وبحسب مصادر عديدة يحتل التونسيون المرتبة الثانية من حيث العدد في صفوف تنظيم الدولة وهم يقاتلون مع التنظيم في العراق والشام. وفي منتصف ديسمبر/2014 وجّه التنظيم أوّل رسالة مباشرة له إلى السلطات والشعب في تونس. وقد أعلن التنظيم في شريط فيديو مسؤوليته عن اغتيال المعارضيْن شكري بلعيد ومحمد براهمي داعياً التونسيين إلى مبايعة الخليفة أبو بكر البغدادي . وفي السابع من افريل 2015 دعا أبو يحيى التونسي من ولاية طرابلسالتونسيين إلى التوجه إلى ليبيا للتدرب من أجل إقامة الخلافة الإسلامية في تونس. وبعد التدخل الروسي في سورية انتقل عدد كبير من مناصري التنظيم التونسيين إلى ليبيا والتحقوا بمجموعات تونسية أخرى أقامت معسكرات في عدّة مناطق ليبية يسيطر عليها داعش . كما تبنى داعش لاحقاً عبر ذراعه الإعلامية أجناد الخلافة في إفريقيا عدّة هجمات ضدّ الجيش التونسي في جبل السلوم فضلاً عن تبنّيه في 18 مارس 2015 هجمات على متحف باردو (أسفرت عن مقتل 22 شخصًا بينهم 21 سائحًا أجنبيًّا) وأحد الفنادق السياحية في مدينة سوسة الساحلية (أسفرت عن مقتل 38 شخصًا معظمهم من السياح البريطانيين) وتفجير حافلة الأمن الرئاسي في 24 نوفمبر 2015 (أسفرت عن مقتل 12 من عناصر الحرس الرئاسي). خصوصية العملية تختلف عملية بنقردان عن العمليات السابقة التي قام بها التنظيم بالنظر إلى أنّ تلك العمليات كانت إمّا اغتيالات أو تفجيرات أو استهدافًا لمناطق سياحية في حين كانت هذه العملية محاولةً للسيطرة على مقارّ السيادة في المدينة الحدودية. وتمثّل هذه العملية في ما يبدو امتدادًا لمحاولات سابقة كان مصيرها الإخفاق وكانت واشنطن قد أعلنت أنّ القصف الجوي الأميركي الذي استهدف في 19 فيفري الماضي مقارّ لتنظيم الدولة الإسلامية في صبراتة (غرب ليبيا نحو 70 كيلومتراً عن الحدود التونسية) قد أدّى إلى مقتل نحو 50 شخصاً أغلبهم تونسيون. وذكرت أنّ هذه الضربة حالت دون وقوع هجوم كان يجري العمل على الأرجح لتنفيذه في تونس وهو ما جعل بعضهم يرى أنّ عملية بقردان تمثّل انتقاماً لتونسيّي صبراتة وربما تنفيذ ما حاولت الضربة الأميركية أن تحول دونه. التداعيات المحتملة من المؤكد أنّ هذه الهجمات تمثّل تهديدًا كبيراً للديمقراطية التونسية الوليدة فهي تعزّز تقوية مكانة الأجهزة الأمنية التي قد تصبح بالتدريج فوق النقد وربما تعود لتكون فوق القانون. ومن المحتمل أن تسعى الأجهزة الأمنية المستاءة إلى الاستفادة من هذه الهجمات إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وكانت النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي قد دعت أعضاءها إلى إعلان يوم الغضب الأمني المفتوح للتعبير عن استيائهم من عدم نزول الحكومة عند رغبتهم بشأن زيادة رواتبهم. وإنفاذًا لهذه الدعوة اقتحم المحتجون من عناصر الأمن قصر الحكومة في القصبة وسط العاصمة تونس يوم 25 فيفري 2016 مردّدين شعارات مناهضةً للحكومة ورئيسها. ومن ناحية أخرى تترقب قوى الدولة العميقة وأركان النظام القديم في تونس تداعيات هذه الهجمات وتطمح إلى إعادة تقديم نفسها بوصفها الأقدر على التعامل مع هذه التهديدات الأمنية من جهة أنّ الحكومة الحالية غير قادرة على ممارسة دورها في حفظ أمن الدولة والمجتمع. أمّا من الناحية الإقليمية قد تؤدي هذه الهجمات إلى تغيير موقف تونس الرافض أيّ تدخل عسكري خارجي في ليبيا ذلك أنّ الهجمات الأخيرة ضاعفت مخاوف التونسيون من الخطر الذي قد ينتظرهم في حال استفحال نفوذ تنظيم الدولة في ليبيا من دون اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهته. على أنّ ذلك لا يُعفي الحكومة التونسية من مسؤولية وضع إستراتيجية متكاملة قابلة للتنفيذ للحدّ من قدرة تنظيم الدولة وغيره من التنظيمات المتطرفة على التجنيد بين أبناء الفئات الفقيرة والمهمشة في بنقردان وغيرها ولا يكون مثل هذا الأمر من خلال اليقظة الأمنية فحسب بل من خلال مزيد من التنمية ومزيد من الحريات والممارسة الديمقراطية أيضاً. ما بين 50 و 60 مسجداً خارج السيطرة وفي السياق كشف وزير الشؤون الدينية التونسي محمد خليل خلال مؤتمر صحفي اليوم الخميس 17 مارس 2016 أن عدد المساجد الخارجة عن سيطرة الدولة التونسية يتراوح بين 50 و 60 مسجدا موضحا أن هذا العدد يبقى غير دقيق نظرا لأنه يتغير بصفة يومية بين استرجاع الوزارة لبعض المساجد و بين افتكاك أخرى. و أضاف وزير الشؤون الدينية التونسي أن وزارته دعت بعض الأيمة المتشددين إلى الإنضباط مؤكدا أن من لا يلتزم بذلك يتعرض إلى التتبع الإداري و القانوني معقبا بأن وجود مساجد خارجة عن سيطرة الوزارة لا يعني بالضرورة ارتباطها مباشرة بالجانب الأمني. كما اعتبر وزير الشؤون الدينية التونسية أنه من الضروري قراءة و فهم القران لأنه يشكل الدرع المنيع أمام التطرف و الإرهاب مبينا أنه لو تم تفعيل عملية استقصاء لعدد من التونسيين المحسوبين على الطبقة المثقفة حول حفظ القران لكانت النتائج مخيبة للآمال. و تحت شعار غدوة خير أطلقت وزارة الشؤون الدينية التونسية حملتها الوطنية للتصدي للإرهاب و التطرف في صفوف الشباب عبر إحداث بوابة إلكترونية لنشر قيم الإسلام المعتدل و تخصيص خطب جمعية في الجوامع و تكثيف الدروس الدينية للإسلام السمح الذي يرفض العنف و التطرف و تنظيم ندوات و حملات تحسيسية دينية تجوب كل جهات البلاد و أيضا حلقات حوارية في هذا الخصوص مع إنتاج برامج دينية توعوية على القناتين الرسميتين الأولى و الثانية موجهة لفئتي الشباب و الأطفال إضافة إلى تنظيم مسابقات لأفضل برامج دينية تلفزية و إذاعية و أيضا مسابقات لأفضل أفلام قصيرة حول قيم التسامح و الإعتدال التي نص عليها الإسلام.