المسيرة التي يعتزم حزب سياسي معتمد تنظيمها اليوم في قلب الجزائر العاصمة تبدو محاولة جديدة من بعض الذين يضعون أنفسهم في مقام الوصي على الشعب الجزائري للصيد في المياه العكرة والتشويش على نداءات التعقّل والتهدئة التي رفعها عقلاء وحكماء البلاد كلّها وأصغى إليها الشباب بشكل عام، لذلك فقد أحسنت السلطات صنعا حين ذكّرت بقرار حظر المسيرات في الجزائر العاصمة، وهو قرار صدر قبل عشرية كاملة، ولو كان قرارا حديثا لاعتبرت تلك التشكيلة السياسية أنه صدر من أجلها وبغرض التضييق عليها· لو أن محاولة الحزب السياسي المذكور تنظيم مسيرة للتعبير عن رفضها للأوضاع القائمة جاءت في ظرف غير الظرف الحالي، بعد نحو نصف شهر من أعمال الشغب التي مسّت بعض مدن البلاد ربما عُدّت محاولة للتعبير عن رأي ومسعى لإبراز موقف وجهد لتغيير أوضاع يرى الحزب أنها غير طيّبة، لكن محاولة تنظيم تلك المسيرة في الوقت الحالي لا يمكن وضعها سوى في خانة التخلاط غير المحمودة عواقبه· ومن الغريب أن يدعو إلى تغيير الأوضاع في الجزائر على الطريقة التونسية حزب قضى زعيمه جزءا كبيرا من عمره السياسي في التعبير عن الإعجاب بنظام زين العابدين بن علي، ومن العجيب أن يطالب بالتداول على السلطة حزب لم يعرف طيلة عقدين من وجوده شيئا اسمه التداول على السلطة· من سوء حظّ الجزائر أن بها بعض الذين يسعون إلى خرابها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومن حسن حظّها أن غالبية أبنائها سمحت لهم المحن التي عاشتها بلادهم بالحصول على مناعة ضد التخلاط، وبالوصول إلى مستوى من الوعي يسمح لهم بالتمييز بين الزبد الذي يذهب جفاء وبين ما ينفع النّاس، وبالتفرقة بين نداءات تهور يطلقها حزب سياسي لا يظهر له وجود إلاّ في الانتخابات ومناسبات التخلاط وبين نداءات تعقّل وحكمة تخرج من أفواه الحكماء والعقلاء ومن سار على نهجهم