بقلم: علي أنوزلا* يستبعد كثيرون ويستغربون أن يمنح الأمريكيون ثقتهم لشخص مثل دونالد ترامب لرئاسة أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية في العالم. وينطلقون في حكمهم هذا على أداء الرجل حتى الآن في حملته الانتخابية وما أثاره ضده من انتقادات وامتعاض بسبب تصريحاته الصادمة ومواقفه المتطرفة ونياته الخطيرة التي تهدد السلم والأمن العالميين. كل هذه الأمور حقيقية ولا تحتاج إلى تأكيد لأن صاحبها يكرّرها بلغة فجة ومستفزة ومقززة أحياناً أينما حلت وارتحلت حملته الانتخابية. وقد أكسبته تصريحاته هذه شعبية كبيرة على الرغم من كل الخصوم والأعداء الذين ألّبهم ضده وجعلته على مقربة من أن ينال تزكية حزبه الجمهوري مرشحاً للرئاسة في انتخابات نوفمبر المقبل. وينطلق الذين يستبعدون فوز ترامب بمنصب الرئاسة في الانتخابات المقبلة في ذلك من خلال الحكم على أدائه طوال الحملة الانتخابية وما تخللها من مواقف وتصريحات وإعلان عن نيات تجعل كثيرين يفزعون من نومهم عندما يتخيلون شخصاً أهوج مثل ترامب رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية. لكن مهلا. لا يجب التسرع في الحكم على نتائج الانتخابات الأمريكية ومن يعلنون ذلك ربما لم يقرأوا أو لم يسمعوا أو لم يعودوا يتذكّرون رونالد ريغان _الذي تولى رئاسة أمريكا من 1981 إلى 1989. فما بين الرجلين أو بالأحرى شخصيتيهما تقاطعاتٌ كثيرة تجعل تصور وصول ترامب إلى سدة الحكم في أمريكا أمراً غير مستحيل. فريغان وترامب ينتميان إلى حزب الجمهوريين وينطلقان من عقيدة محافظة تدعي الدفاع عن قيم العائلة الأمريكية التقليدية. وكلاهما يمثل ما يرمز إليه أسلوب الحياة الأمريكية: ريغان كان ممثلاً وسيماً ومشهوراً يرمز إلى القوة الأمريكية. وترامب رجل أعمال غني ومشهور يمثل نجاح الحلم الأمريكي. كلاهما أيضا خبر مجال التمثيل الأول كان ممثلا مشهوراً والثاني كان شخصية تلفزيونية مشهورة في برنامج الواقع الذي اشتهر في العالم ب (تلفزيون الواقع). ويتشابه ريغان وترامب في أن كلاً منهما ترشح للرئاسة وهو في سن متقدمة. كان عمر ريغان حين انتخابه رئيساً 69 سنة و349 يوماً. وترامب سيبلغ السبعين يوم 14 جوان المقبل. لكن أهم ما يجعل وجه الشبه والتقارب بينهما قريبا هو مواضيع حملتهما. فعلى الرغم من اختلاف السياقات التاريخية إلا أن هناك ما يجمع بين حملتيهما. صنع الأول من معادة الشيوعية قضيته في كل سياساته وبرامجه والثاني يستغل موضوع معاداة الإسلام لكسب مزيد من الشعبية لحملته. وإذا كان ريغان قد اختار موضوع محاربة الاتحاد السوفياتي هدفا لحملته وموضوعاً لسياسته الخارجية فإن ترامب اختار لموضوع حملته وربما غداً لسياسته الخارجية في حالة انتخابه رئيساً مهاجمة الإسلام والمسلمين. تأييد أبدي للصهاينة أما ما لا يختلف فيه الرجلان فهو تودّدهما لإسرائيل واللوبي اليهودي النافذ في أمريكا. ومن أجل كسب تأييد هذا اللوبي عمل ريغان كل ما في وسعه من أجل ذلك فأعلن منظمة التحرير الفلسطينية منظمةً إرهابية وأرسل قوات (المارينز) إلى بيروت لسحقها وقصف بيت العقيد الليبي معمر القذافي في طرابلس لأنه كان يرى فيه عدواً لأمريكا وفرض الحصار على ليبيا بعد أن صنفها ضمن (قوى الشر). ومن أجل الغرض نفسه ليس مستبعداً أن يُقدم ترامب على ما هو أخطر في حالة انتخابه رئيساً. السياق العام واللحظة التاريخية هي التي تصنع الأحداث وتضع أبطالها في الواجهة. صنعت ريغان لحظة تاريخية معينة سمتها (الحرب الباردة) سياقها هو ما جعل الأمريكيين ينظرون إليه فيما بعد على أنه (بطل) لأنه هزم (معسكر الشر) وانتصر لقيم أمريكا. اليوم يضع سياق الحرب العالمية ضد ما يسمى (الإرهاب) ترامب في الواجهة وتبدو الطريق شبه معبدة له لترؤس الولاياتالمتحدة. وأكثر من ذلك يبدو جزء كبير من الشعب الأمريكي مستعداً لتقبل شخصيته لترؤس بلادهم حسب ما تؤكده استطلاعاتٌ للرأي تمنحه تفوقاً بارزاً أمام منافسته الديمقراطية هيلاري كلنتون التي تجر وراءها (سوابق) عديدة غير مشجعة: فهي سيدة أمريكا الأولى السابقة لولايتين متتاليتين في عهد زوجها بيل كلينتون وهي مرشحة رئاسية سابقة لم يحالفها الحظ في حزبها وهي وزيرة خارجية سابقة تلاحقها أزمة مقتل السفير الأمريكي في ليبيا وفضيحة تسريب بريدها الإلكتروني. اللحظة التاريخية والسياقات السياسية هي التي صنعت من ممثل أفلام ويسترن رئيساً لأمريكا وحولته إلى واحد من أشهر أبطالها ورموزها اليوم وربما قد يصنع السياق الحالي من دونالد ترامب رئيسا لأقوى دولة في العالم. لم لا؟ فكل شيء ممكن في بلاد صناعة الأساطير الحديثة.