يبدو أن تفرد الجزائر بسياسات السلم والعفو والمصالحة مع أبنائها وحتى في سياستها الخارجية المرتكزة على مبادئ ثابتة، لا يعجب عديد الأطراف التي لا يهدأ لها بال إلا وسارعت للتشكيك في المبادرات التي تطلقها الجزائر، والتي جعلتها بمثابة المنهل الذي تلجأ إليه دول تتطلع لحلّ أزماتها الداخلية بعد استنفاذ خيار القوة الذي تبين أنه لن يزيد الأوضاع سوى تأزيم وتعقيد. لم تمر العشرية السوداء رغم مرارتها دون أن تستخلص منها الجزائر الكثير من العبر والدروس التي تحوّلت فيما بعد إلى رصيد عزّز من صلابة مواقفها في التعاطي مع عديد القضايا ليس الأمنية فحسب، بل حتى الاجتماعية باعتبارها الركيزة الأساسية للحفاظ على النسيج الاجتماعي للبلاد. وعليه، فقد تحوّلت سياسات الصفح في الجزائر إلى ثقافة متوارثة بالنظر إلى المزايا المترتبة عنها ولعل في سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية فضلا عن إجراءات العفو التي يقرها رئيس الجمهورية في كل مناسبة، لدليل على أن يد الدولة ممدودة دائما لأبنائها في حال تخليهم عن الأعمال المعادية والتي تساهم في زعزعة أمن واستقرار البلاد. وتعد مبادرة "لمّ الشمل" التي أطلقها الرئيس تبون سنة 2022 كامتداد لسلسلة من الإجراءات والقوانين السابقة، كونها أعطت نتائج مثمرة في حقن الدماء والقضاء على الأزمة التي عاشتها الجزائر طيلة عشرية كاملة، في حين يتطلع من خلال "لمّ الشمل" لمحو إفرازات الأزمات الداخلية، ما يجعلها أداة صالحة لكل زمان ومكان، من أجل توحيد الجزائريين على كلمة واحدة في وجه المؤامرات التي تحاك ضد أبناء الوطن الواحد. ورغم أن الرئيس تبون لا يتردد في إشهار سيف القانون عندما يتعلق الأمر بأمن واستقرار البلاد، من خلال تأكيده على الوقوف بالمرصاد إزاء كل التهديدات، إلا أنه يرحب في المقابل بعودة كل أبناء الجزائر من المعارضين الذين وقعوا ضحية أجندات أجنبية إلى حضن وطنهم في حال ما أبدوا نية حقيقية لقلب الصفحة والكف عن أذية مصالح البلاد في الخارج مقابل خدمة أطراف تكن الكره للجزائر. ونقف في هذا الصدد عند تصريح سابق للرئيس تبون الذي أكد أن "كل من تم تغليطهم، فهموا أخيرا بأن مستقبلهم مع بلادهم وليس مع السفارات الأجنبية"، إضافة إلى "أولئك الذين ابتعدوا عن الركب نتيجة تعرضهم لسوء المعاملة"، مشدّدا على أنه "يتعين على الجميع أن يعي أن المحاولات التي تقوم بها بعض الأطراف المعادية للجزائر لا يمكن أن تفلح بوجود شعب يعتمد فكره على المقاومة". والمؤكد أن تصريحات الرئيس تبون أصبحت تؤرق الكثير من التيارات على غرار اليمين المتطرف الفرنسي الذي جند الترسانة الإعلامية من أجل ضرب مصداقية الجزائر، من خلال محاولة الترويج لخرافة سعي الجزائر إلى "شراء ذمم أبنائها" من المعارضين في الخارج وممارسة الضغط عليهم. كما أن مهاجمة هذه الأوساط للسياسة السلمية لرئيس الجمهورية تكشف تخوّفها من فقدانها للمنافذ التي ألفت عبرها نفث سمومها تجاه الجزائر، ما جعلها تتسابق لتشويه صورة بلادنا خاصة في الآونة الأخيرة، حيث تستغل قضية الموقوف بوعلام صنصال من أجل إطلاق اتهامات تجاه الجزائر لمآرب عدائية محضة. مليكة. خ