حين وقّع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع بني صهيون، »عاقب« العرب كلهم النظام المصري بنقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس، وظلت الحال كذلك لسنوات عديدة قبل أن »يشفق« العرب على »الأخت الكبرى« ليعود المقر إلى العاصمة المصرية رغم بعض التحفظات هنا وهناك. ولم يتصور العرب الذين أشفقوا يومها على النظام المصري، أن مصر ستتعامل مع الجماعة العربية كما لو أنها ملك خاص لها، شأنها شأن جامع الأزهر الذي كان شريفا ومعالم أخرى تعتبرها السلطات المصرية تابعة لها شاء العرب والمسلمون أو أبوا.. ونسي النظام المصري العزلة التي دخل فيها بعد اتفاقية العار تلك، وألحق الجامعة العربية بمصالحة الدبلوماسية، فتحول الأمين العام لجامعة العرب إلى مجرد موظف لدى النظام المصري، لا يعبر عن مواقف العرب بقدر ما يعبر ويدافع عن مواقف نظام مبارك، والنتيجة هي مزيد من التطبيع ومزيد من الانبطاح الذي يتم باسم العرب جميعا بواسطة الجامعة العربية، بمباركة بعض الدول التي تصنَّف أمريكيا وصهيونيا في خانة الاعتدال، وبمشاركة غير مباشرة لدول أخرى تُعرف بدول الممانعة. وحين يتأمل أي متتبع لشؤون الجامعة العربية استماتة النظام المصري، ولا نقول مصر، في التمسك بالأمانة العامة للجامعة العربية، ندرك مدى الشعور العميق لدى النظام المصري بامتلاكه لهذه الهيئة، إلى حد أن وزير خارجية مصر صرح بأن هناك إجماعا عربيا على أن الأمين العام لهذه الجامعة، ينبغي أن يكون مصريا، وهو إجماع لا يوجد إلا في خيال أبو الغيط ومبارك، وغيرهما من مسؤولي مصر. وإذا كان العرب قد غضبوا على نظام مصر بسبب اتفاقية كامب ديفيد واعتبروها خيانة عظمى للقضية الفلسطينية، وعزلوا القاهرة بناء على ذلك، فحري بهم أن يغضبوا اليوم أكثر من أي وقت مضى على النظام المصري، الذي يشيّد جدار فولاذيا إمعانا في حصار أبناء فلسطين، وهذه في تقديرنا خيانة أكبر من خيانة كامب ديفيد. وإن عجز العرب عن نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة، فيمكنهم أن يلجأوا لحل أكثر جدوى، وهو حل الجامعة العربية تماما!