بقلم: ماهر أبو طير* الاعتقالات التي تجري في تركيا لم تكن وليدة اللحظة فالأجهزة الأمنية التركية لديها قوائم بأسماء الآلاف ممن يشكون بها من حيث ارتباطها تنظيميا أو وجدانيا بحركة الخدمة التي يتزعمها فتح الله غولن والارتباط بغولن هنا يجري عبر ثلاث وسائل. حركة الخدمة التي أسسها غولن في تركيا لديها مئات المدارس والجامعات والمراكز الخيرية والثقافية ولديها مؤسسات إعلامية صحف وتلفزيونات ودور نشر وجمعيات صحفية ومصارف ومشاريع اقتصادية وجمعيات لرجال الأعمال ومستشفيات وقد زرت تركيا ذات مرة ورأيت بنفسي حجم نفوذ الحركة في المجتمع التركي التي تدير مليارات الدولارات إذ يستقطبون الشباب للدراسة في هذه المؤسسات وتعلم العربية والشريعة ودراسة تخصصات جامعية ويتم الإنفاق على آلاف الطلبة سنويا وهذاأمر مستمر على مدى عقود مما أسس لطائفة كبيرة على صلة بغولن. غولن كان حليفا لأردوغان إلا أن الخلاف بينهما أدى إلى نهاية الثنائية السياسية وغادر غولن إلى الولاياتالمتحدة وهو على صلة بأتباعه عبر أسماء كبيرة وليس مباشرة تسافر إلى الولاياتالمتحدة وتلتقيه وبالتالي لايمكن فصل تأثير غولن عن جماعته إذ تدار العملية بشكل غير مباشر وعبر الحلقة الوسيطة لكونه موجودا بعيدا في الولاياتالمتحدة. هناك ثلاثة أنواع من الأنصار لغولن الأول المتأثرين به باعتباره صوفيا من جماعة العشق الإلهي وهناك مئات الآلاف ممن يعتبرونه مرشدا روحيا خصوصا إنه كان يخطب في المساجد التركية وقد يكون أغلب هؤلاء بعيدين عن الوظيفة الحكومية إذ فيهم مزارعين وعاملين في القطاع الخاص وغير ذلك. أما الطبقة الثانية فهي طبقة ذات صفة مهنية موجودة داخل الدولة التركية حصراً ضباط وقضاة وإعلاميين وموظفين عموميين وهؤلاء متأثرين من جهة بالصوفية ومدرسة غولن حصرا أو على صلة بالطبقة الثالثة التي تدير دولة غولن في تركيا ويتم استقطابهم لصالح حركة الخدمة بأنماط مختلفة لاعلاقة لها بفكرة المرشد الروحي. الطبقة الثالثة الأكثر أهمية هي طبقة الرؤوس وهي طبقة الأغنياء والكبار في الحركة وهؤلاء يديرون جامعات أو يمتلكون ثروات بالمليارات ولديهم مؤسسات ومصارف ومشاريع ويديرون دولة الخدمة في تركيا المسماة في تركيا (حزمت) وهؤلاء على صلة مباشرة بغولن لقدرتهم على الحركة والسفر والوصول إلى غولن شخصيا وهم الذين يديرون كل هذه الدولة نيابة عن غولن البعيد عن تركيا وهم أيضا استطاعوا تحويل حركة الخدمة إلى تنظيم اقتصادي فذات الحركة هي التي تعلم الطالب التركي أو المسلم من أي بلد وتقوم أيضا بتوفير منحة جامعية له وتوظيفه في مشاريع الحركة أو دفعه باتجاه الوظيفة العامة ليتحول إلى عنصر كامن لصالح الحركة في الدولة التركية. تعمل هذه الطبقات الثلاث معا لصالح الخدمة ويمكن القول أن هناك شبكة كبيرة ممتدة في تركيا تعمل لصالح غولن وبرنامجه وهذه الشبكة تحت رقابة الدولة التركية وقد يكون هناك تنظيم سري لايعرف أحد عن المنتسبين إليه يعمل لصالح الخدمة وهذا يفسر وجود خروقات أمنية في المؤسسة العسكرية التركية تعمل لصالح غولن فليس كل الأسماء مكشوفة فعليا للأمن التركي. المواجهة بين الدولة التركية وحركة الخدمة ليست الأولى إذ اتهمت أنقرة الحركة بالتجسس على أردوغان وعائلته وتسجيل مكالمات هاتفية بما يعني أن هناك بنية للحركة داخل أخطر الأجهزة وأهمها وفضيحة التنصت الشهيرة كانت إشارة على ماهو محتمل أيضا إذ أن غولن لديه رجاله في كل مكان. الواضح تماما في تركيا أن الدولة دخلت في مواجهة نهائية مع الحركة وهذا يفسر إقالة واعتقال الآلاف من الضباط والقضاة بعضهم يعرفون عنه مسبقا ولم يكونوا قادرين على إدانته لمجرد أنه متأثر بغولن وبعضهم تكشف دوره أو اسمه إثر الانقلاب. الفرق بين المواجهات السابقة وهذه المواجهة أن الأخيرة ستؤدي إلى مواجهة كبيرة وشاملة لكن يبقى السؤال عن مؤسسات الحركة الاقتصادية والسياسية والإعلامية والخيرية وعما يمكن أن تفعله تركيا ضدها في ظل تقييدات القانون والمؤكد هنا أن أنقرة ستبحث عن أي مخرج من أجل السيطرة عليها بحيث لاتبقى جسما خارجا عن السيطرة في ظل الجزم بأن الحركة لن تمل من محاولاتها حكم تركيا وهذا يعني أن تركيا بعد حملة التطهير داخل جسم الدولة ستدخل مرحلة السيطرة على مؤسسات الحركة المسماة بأسماء وواجهات تركية أو المسجلة رسميا باسم الحركة.