حنان قرقاش انحرفت أنظار العديد من الجزائريين، بضعة درجات أخرى، عن الشقيقة تونس، لمتابعة أحداث الاحتجاجات العارمة والعنيفة في مصر، حيث يتابع الكثيرون باهتمام بالغ آخر الأخبار والمستجدات وتطورات الأوضاع هناك، تائهين ما بين فضائيات الأخبار المختلفة، وتحليلات الجرائد اليومية المتعددة· وما بين تونس ومصر، ينظر الجزائريون بعيون يملؤها الأسى وكذا مشاعر المساندة والتضامن مع أشقائهم في البلدين، تونس التي استطاعت بعد جهد جهيد وتضحيات كبيرة، أن تفك أغلال وقيود الاستبداد التي ظلت مكبلة بها على مدى عقود طويلة، ومصر التي ينتفض شعبها بدوره ضد واقعه المعيشي المزري، حيث البطالة والفقر والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ينظر الجزائريون إلى كل ذلك، ويشعرون بينهم وبين أنفسهم، أن حجم مآسيهم ومشاكلهم، قد تكون أقل نسبيا مقارنة بأشقائهم في تونس ومصر، وإن كانت الأوضاع نفسها تقريبا تتقاسمها كافة الدول العربية المحسوبة على العالم الثالث دون استثناء، مع ذلك فإن الكثير من المواطنين عبروا عن اقتناعهم بظروفهم الحياتية والمعيشية على الأقل في الفترة الحالية، بعد أن نقلت إليهم على المباشر بالصوت والصورة ظروف وحياة هذين الشعبين الشقيقين، وانتفاضتهما على كل شيء، في حين أن الاحتجاجات في الجزائر كانت أكثر للمطالبة بتسقيف الأسعار والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن البسيط، ومقارنة بما هو حاصل في مصر وتونس فإن الجزائري يبدو راضيا عن واقعه، من باب أن اللي شاف الموت يستقنع بالحمى· وبالرغم من حالة الاحتقان التي ميزت العلاقات بين الشعبين بسبب التصعيد الإعلامي الذي سبق وواكب وتلى مباريات التصفيات المؤهلة لكأس العالم السنة الماضية، وبروز ما سمي بالأزمة الكروية الجزائرية المصرية، وفتور العلاقات على أكثر من صعيد بين البلدين، والتأثيرات الكثيرة التي خلفتها نظرة الشعبين لبعضهما، وإن كانت قد تحسنت بوجه ملحوظ في الفترة الأخيرة، وأدرك الجميع أن ما يجمع مصر والجزائر بالفعل أكبر من مباراة في كرة قدم، وأنه لا علاقة للشعبين بأية خلافات إعلامية أو رياضية أو فنية أو ثقافية أو غيرها، بالرغم من كل ذلك، فإن نسبة كبيرة من الجزائريين يتابعون بكثير من الاهتمام والتأثر والترقب ما يحدث في مصر، وتأثر الكثير منهم لصور المتظاهرين الجرحى والقتلى، وتعاطف الكثيرون أيضا مع مطالب المصريين بتحسين ظروفهم المعيشية، وتأكد آلاف الجزائريين أن مصر ليست مصر عادل إمام ويسرا، ليست مصر المسلسلات والأفلام المصرية، وأن المصريين الحقيقيين، لا يملكون أحيانا حتى رغيف خبز يسدون به رمقهم، وهم أبعد ما يكونون عن الموائد المفتوحة والبوفيهات وعن المحشي والحمام والكباب والكفتة وغيرها من المأكولات التي لطالما أسالت لعابنا من وراء الشاشة الفضية· وإن كانت نسبة كبيرة من الجزائريين تشعر بقلق شديد إزاء الأوضاع بأرض الكنانة وبقاهرة المعز هذه الأيام، وهو أمر طبيعي مادمنا أشقاء في العروبة والإسلام والمصير، فإن فئة أخرى تشعر بقلق مضاعف، وهي التي تملك أحبابا أصدقاء في مصر، لم تصلهم منهم أية أخبار منذ بدء الاحتجاجات، حيث يقول أحد الشبان كان بمقهى أنترنت بالعاصمة إنه اكتسب الكثير من الأصدقاء الجيدين من مصر خلال فترة الأزمة الكروية، ورغم أن العلاقة التي جمعته بينهم بدأت بصدامات عنيفة، إلا أنه وبمرور الوقت والأيام صارت العلاقة بينهم جيدة، وهو يحاول الاتصال بهم كل يوم عبر الأنترنت أو عبر الهاتف إنما دون جدوى، وهي حالة الكثيرين سواء من الجنس الخشن أو اللطيف، ممن هم في حالة قلق وترقب شديدة، لأحوال أصدقائهم المصريين، ولا يرغبون إلا في معرفة أنهم بخير، فيما تبقى كافة قنوات اتصال مصر بالعالم الخارجي مقطوعة إلى إشعار آخر، بانتظار استقرار الأوضاع أو تحولها إلى مسار آخر قد لا يتوقعه الكثيرون·