حنان قرقاش لم يكد الكثير من الجزائريين يتناسون أزمة الاحتجاجات وأعمال الشغب والعنف والتخريب الأخيرة وما خلفته من انعكاسات عديدة، حتى شدت أنظارهم مرة ثانية، إلى احتجاجات أخرى أكثر حدة وعنفا، مظاهرات اشترك فيها آلاف التونسيين، انتهت بإطاحتهم برئيسهم الذي فر هاربا إلى السعودية، وتسارعت الأخبار والصور والمشاهد من قلب العاصمة التونسية وغيرها من المناطق الأخرى، فيما ظلت صور مفجر الانتفاضة الشعبية التونسية وشرارتها الأولى، الشاب محمد البوعزيزي، متربعة على كافة الأخبار والتحليلات والمناقشات ومرجعها الأساسي، عبر عدد كبير من القنوات الإخبارية العربية والأجنبية والصحف الجزائرية أيضا. الصور المرعبة للشاب التونسي المسكين الذي دفعته الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية بالإضافة إلى شعوره بالظلم والحقرة والاهانة، بعد صفعه من طرف شرطية تونسية أمام الملا، إلى حرق نفسه، والتي لا تزال موجودة له أثناء عملية احتراقه وهو واقف ثم جاثم على ركبيته، وبعدها راقد بالمستشفى قبل أن يسلم روحه لبارئها، هزت مشاعر الآلاف من الجزائريين، الذين لم يكادوا يلتقطون أنفسهم، ويحتسبوا المغفرة للشاب التونسي، والرحمة له عند الله عز وجل، حتى اصطدموا ببوعزيزي آخر، بل "بوعزيزيين" وثلاثة وأربعة... والرقم مرشح للارتفاع، بعد أن انتقلت العدوى إلى عددٍ من الشبان الجزائريين الذين حاولوا خلال اليومين الأخيرين، محاكاة ما قام به الشاب التونسي، ودائما احتجاجا على الظروف الاجتماعية وأزمة السكن والبطالة والتعسفات الإدارية وغيرها من المشاكل الأخرى التي يتخبط فيها ملايين الجزائريين، ولكن قلة فقط من اتجهوا إلى إضرام النار في أجسادهم، والاحتجاج بهذه الطريقة المرعبة، وان كانت حوادث الانتحار حرقاً، قد ظهرت في الجزائر بشدة خلال السنوات القليلة الماضية، لكنها شدت إليها الانتباه بقوة في هذه الفترة بالذات، نتيجة الأحداث الأخيرة الواقعة بالجارة تونس. معظم المواطنين الجزائريين الذين استيقظوا صبيحة أول أمس على أخبار وصور وفيديوهات عدد من الشبان الذين حاولوا الانتحار بإحراق أنفسهم على الطريقة البوعزيزية التونسية، أو هددوا بذلك، استنكروا بشدة هذه الطريقة في الاحتجاج، وتركز استنكار المواطنين بشكل أساسي على الحكم الشرعي في الظاهرة على اعتبار أن الشرع يحرم الانتحار، ورغم أن كثيرين، سواء من خلال تعليقاتهم على عدد من المواقع التي تناقلت هذه الأخبار أو آرائهم في الشارع، اتفقوا على أن الظروف الاجتماعية القاسية التي يتخبط فيها هؤلاء الشبان هي دافعهم الأساسي للانتحار بهذه الطريقة المرعبة، غير أن إقدامهم على تقليد الشاب التونسي في هذا الوقت بالذات، لا يمكن أن يكون له نفس الأثر حسب بعض المواطنين الذي كان في تونس، بل على العكس من ذلك فان ذلك قد يجلب عليهم انتقاد واستنكار الآخرين، خاصة في الجزائر حيث يعتبر الكثيرون أن الانتحار هو قمة اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، خاصة وان شريحة واسعة من أبناء هذا المجتمع تعاني وتتخبط في نفس المشكل، ومن باب القاعدة القائلة "إذا عمت خفت" فانه من الأجدى التكتل والتعاون لبحث السبل والوسائل الكفيلة بإسماع أصوات هؤلاء الشبان إلى الجهات المسؤولة لإعادة النظر في وضعيتهم ومساعدتهم على تجاوز مشاكلهم، وليس إضرام النيران في أنفسهم، لأنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تأتي بأي جديد، وان تؤدي إلى أي تغيير، غير تأثيرها الواضح على الضحية وأسرته بالخصوص. وقد شكلت مقاطع الفيديو التي تناقلت حادثة قيام الشاب بإضرام النار في نفسه، ثم أثناء تلقيه الإسعافات العاجلة على طاولة المستشفى، حديث الكثيرين مؤخراً، بعد أن حملها عددٌ من الشبان على هواتفهم النقالة من مواقع كثيرة على الانترنت قامت بطرحه، وصاروا يتبادلونه فيما بينهم، رغم أن الصور مرعبة ولا يمكن لأصحاب القلوب الضعيفة والمرهفة تحمُّل مشاهدتها. تجدر الإشارة إلى أن عددا من المصادر الإعلامية نقلت أنباء عن أربع محاولات للانتحار احتجاجاً على عدم توفر السكن والبطالة، ففي ولاية تبسة أضرم شاب يدعي محمد بوطرفيف27 عاما النار في نفسه، بعدما سكب البنزين أمام مقر المجلس الشعبي لبلدية لبوخضرة بدائرة العوينات احتجاجا علي عدم توفير عمل وسكن له ولأسرته. وفي ولاية جيجل شرق العاصمة، أشعل مواطن يبلغ من العمر27 عاما النار في نفسه أمام مقر الأمن للولاية مما أدى إلي إصابته بحروق في وجهه وصدره وفي الأطراف العلوية وبدأت أجهزة الأمن التحقيق لمعرفة ملابسات الحادث وأسبابه. وفي بلدية برج منايل بولاية بومرداس شرق العاصمة حاول المدعو محمد أوشية41 عاما أب ل6 أطفال الانتحار حرقا احتجاجا على إقصائه من قائمة المستفيدين من السكن الاجتماعي. وفي بلدية عين البنيان بالعاصمة الجزائرية، أقدم شاب علي إضرام النار احتجاجا علي أزمة السكن وتسببت النيران في إصابة والده الذي كان يرقد في غرفته. وأوضحت مصادر أمنية أن الشاب الذي كان في حالة سكر تم نقله للمستشفي بعد إصابته بحروق من الدرجة الثانية وفتحت مصالح الأمن تحقيقا في القضية لمعرفة ملابساتها.