أحيت الأمّة الإسلامية المولد النبوي الشريف أمس الثلاثاء، وعوض أن تكون المناسبة فرصة للتذكّر والتدبّر في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فإنها، ومثل كُلّ سنة، عرفت بعض المظاهر السيّئة، منها استعمال المفرقعات التي لا تلهينا عن جوهر المناسبة الحقيقي وفقط، بل ويمكن أن تتسبّب في حوادث أليمة، وهو ما وقفنا عليه ونحن نمضي ليلتنا في مستشفى "مصطفى باشا" الجامعي بالجزائر العاصمة ليلة أوّل أمس، نتنقّل بين قسم الاستعجالات الجراحية ومصلحة استعجالات أمراض العيون· كانت هناك حالة من الطوارئ في مستشفى "مصطفى باشا" نظرا للعدد الكبير من المواطنين الذين أصيبوا بحروق ناتجة عن استعمال المفرقعات، أغلبهم كانوا من الأطفال وأشخاص آخرون لا ذنب لهم إلاّ أنهم خرجوا في تلك الليلة إلى الشارع· على الساعة الثامنة كانت هناك حالات قليلة، بعض الأطفال تعرّضوا لحروق تمّ إسعافهم على الفور، لكن بدأت الحالات تتضاعف بعد الحادية عشرة ليلا، كنّا في استعجالات أمراض العيون، كان المواطنون يأتون وبعضهم مًُمسك بيده على عينه وآخرون فقدوا الوعي تماما، مثلما حدث مع "سفيان" 15 سنة، والذي أصيب في عينه، اقتربنا من والده "بشير سعيدي" ونحن في قاعة الانتظار، كان مضطربا وقال إن مفرقعات من نوع "الدوبل بومب" أصابت عينه ولا يدري ما يفعل، خاصّة وأن الفتى قد أغمي عليه، لكن سرعان ما دخل إلى قاعة العلاج، وكانت حالته تستدعي أن يبقى في المستشفى، إلاّ أنه لم يكن هناك إمكانية لاستقباله، فكلّ الأَسِرّة كانت مشغولة وطلب منه المسؤول على القسم أن يتّجه به إلى مستشفى بني مسوس أو "بارني" أو "مايو"، وهو الأمر الذي لم يتقبّله الأب فأحدث شجارا مع الطبيب والممرّضين، خاصّة وأنه قال لنا بعدها إنه يسكن في العمارة المحاذية للمستشفى، وأن على الإدارة أن تستقبله، لكن ونظرا لحالة الطفل المتدهورة لم يجد إلاّ الرّضوخ للأمر الواقع والتنقّل به إلى مُستشفى آخر· أمّا الحالات الأُخرى فكانت المصلحة تُعالجها، البعض لا تستدعي حالتهم إلاّ أخذ الدواء والبعض الآخر وجب عليه المداومة على العلاج، لكن لكثرة أنواع المفرقعات التي غزت السوق هذه السنة وظهور أنواع جد خطيرة ازداد الأمر سوءا، والأدهى من ذلك أنّ بعضها لا تحمل أيّ دليل أو إشارة إلى طريقة استعمالها، لهذا أصيب "محمد" 17 سنة، والذي أتى رفقة أبناء حيّه، أصيب في عينه، حيث أنه أراد أن يُشعل "قنبلة يدوية" لكنه تركها في يده كثيرا، فلم تنفجر وعندما قرّبها من وجهه انفجرت· وكذلك "سليم" 16 سنة، والذي كان يحمل "فيميجانا" والذي صار هو الآخر لعبة في يد الأطفال، فأصيب بحروق على مستوى القرنية لكنهما عولجا وأثنيا على الطبيب والمُمرّضين بالمصلحة، خاصّة وأن الساعة كانت قد شارفت على الثانية صباحا· وقد اقتربنا من طبيب ذات المصلحة "أزرا عبد الرزاق"، وهو مختصّ في طبّ العيون في المستشفى الجامعي بقسنطينة، وهو طبيب مقيم، قال لنا عن الحالات التي تمّ استقبالها: "الحالات كثيرة ومتفاوتة الخطورة، تصل إلى درجة انفجار تامّ للدائرة القرنية، وهي حروق أصابت خاصّة الأطفال، لكن ما لاحظناه أنه ليس هؤلاء الذين يلعبون بالمفرقعات وحدهم من يتأذّون وإنما بعض الضحايا الذين يصابون بعد مرورهم من الحي مثلا"· وعمّا إذا كانت عدد المصابين قد زاد أو قلّ بالمقارنة بالسنوات الماضية، قال الطبيب: "أظنّ أن العدد تضاعف، قد يصل إلى الخمسين حالة أو أكثر بكثير، فنحن لا نسجّل جميع الحالات التي تأتينا، إلى درجة أننا لم نقدر على استيعابهم كلهم"، أمّا في سؤالنا له عن مدى تطابق خطورة الإصابات مع خطورة المفرقعات التي غزت السوق هذه السنة قال: "أجل، خاصّة وأن النّاس يقبلون عليها، وأن الأنواع التي شاهدناها هذه السنة جدّ خطيرة"· ولدى اقترابنا من المسؤول على المصحّة واستفسارنا عن طاقة استيعابها للمصابين، قال: "لدينا 150 سرير، والخاصّة بالكبار 29 سريرا، لا يرقد فيه المصابون بالمفرقعات فقط، بل مرضى آخرون، لكننا عرفنا عجزا في الاستيعاب نظرا لكثرة عدد المصابين، وهو الأمر الذي جعلنا نرسل بهم إلى مستشفيات أخرى، أمّا إذا لم يجدوا مكانا هناك فيعودون إلينا ونضطّرّ حينها إلى استقبالهم·· أمّا مصلحة الاستعجالات الجراحية فاستقبلت مصابين، أغلبهم من الأطفال تراوحت نوعية الأضرار بين الحرق من الدرجة الأولى والثانية، إضافة إلى بعض الندبات على مستوى الوجه والجروح الجلدية نتيجة تطوّر أنواع المفرقعات المقتناة هذا العام، من بينهم الطفل "ياسين بن عبد الرؤوف" 13 سنة، والذي فقد الإصبع الأصغر من يده اليسرى بسبب "قنبلة" انفجرت في يده، حيث كان من الأجدر ألاّ يبقيها في يده لأنها سريعة الانفجار·