بقلم: عميرة أيسر* تُعتبر المخابرات الأمريكية تاريخياً عدواً لدوداً لكل الدُّول الوطنية القومية الرافضة لسياسة الهيمنة الإمبريالية الاستعمارية الدَّولية والتي تعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية رأس الحربة فيها فواشنطن التي عملت الكثير من الانقلابات السياسيَّة والعسكرية ونفذت العشرات منْ عمليات الاغتيال ضدَّ الدول في مختلف قارات المعمورة والتي ترفض تبنِّي سياساتها أو خدمة أهدافها ومصالح الإستراتيجية والعسكرية في المقام الأول والجزائر باعتبار أنَّها من الدُّول العربية الكبرى التي وقفت طوال تاريخها المجيد ومُنذ العهد العثماني وحتى قبل وقوعها تحت الاحتلال الفرنسي الغاشم ضدَّ هذه السياسة وفرضت أمراً واقعاً على أمريكا والدُّول الغربية الكبرى آنذاك وعلى رأسها إسبانيا وبريطانيا وفرنسا بفضل قوتها وخبرتها البحرية وتحكمها في مضيق جبل طارق والملاحة الدولية في البحر الأبيض المتوسط ولا يجب أن ننسى بأنَ أمريكا من الدول التي ساندت تدخل حلف الناتو في الجزائر والذي أحرقت طائراته باستخدام سلاح النابالم المحرَّم دولياً قرى ومداشر وأحياء سكنية بأكملها إبَّان الثورة التحرير المباركة وعند اقتراب إعلان استقلال الجزائر والتي كانت تحظى بدعم عربي سوفيتي كبير غيَّرت الولاياتالمتحدة سياساتها الخارجية اتجاه الجزائر جزئياً رغبة في الاستحواذ عليها وإدخالها ضمن دول النُّفوذ الرأسمالي الغربي ولكن بعد أن توجهت البلاد إلى النِّظام الاشتراكي وبعد الحرب العربية الصُّهيونية سنة 1967ودعم الجزائر لقوات الرئيسين جمال عبد الناصر في مصر وحافظ الأسد في سوريا مادياً وعسكرياً ومعنوياً أرادت الولاياتالمتحدةالأمريكية تنفيذ ضربة عسكرية ضدَّ العاصمة ومواقعها الحيوية والعسكرية وميناءها البحري وذلك بإشارة وقتها من السيِّد ريتشارد ماكجاراه الذي تولى رئاستها بعد سنة 1966عند تنحية الأدميرال وليام رابون ولولا تدخل البطل مسعود زوقار- رحمه الله تعالى الذي كان من أخطر وأهمِّ قادة المخابرات الجزائرية في تلك الفترة وكان معروفاً بعدَّة أسماء في أوروبا وأمريكا من بينها السيِّر ألكيس ومكَّنته علاقاته الكبيرة جداً بعدد من كبار رجال المال والأعمال والسَّاسة الأمريكان ومن بينهم جورج بوش الأب الذي كان نائب الرئيس رونالد ريغان وحتىَّ الرئيس الأمريكي نيكسون شخصياً وقبله كان صديقا مقرباً من الرئيس الأمريكي المُغتال جون كندي مما جنب الجزائر حتى سنة 1987تاريخ وفاته بأحد فنادقه باسبانيا توجيه ضربات عسكرية مباشرة لها وأحبط معظم المحاولات الأمريكية لزعزعة الأمن والاستقرار فيهاَ. فالمصالح الإستراتيجية الاقتصادية والأمنية العلياَ لأمريكا في منطقة إفريقيا والسَّاحل ودول المغرب العربي تفرض عليها نوعاً من التَّنسيق والتعاون الأمني بينها وبين الجزائر رغم الدَّعم غير المُباشر الذي قدَّمته في سنوات التسعينات لدعم الجماعات الإرهابية المسلحة تدريباً وتسليحاً وقيادةً كالقاعدة والجماعة السَّلفية للدعوة والقتال وغيرها فعلاقة جماعات الإرهاب بالمخابرات الغربية والأمريكية لم تعد تخفى على صنَّاع القرار العسكري والسِّياسي في الجزائري. فتمويل هذه الجماعات والإشراف الأمريكي عليها واستهدافها لمصالحناَ البترولية والطَّاقية قد ذكر بعض فصوله الأستاذ والصحفي المحقّْق صالح مختاري والذي جاءت في كتاب عنونه ب(علاقة الإرهاب في الجزائر مع أجهزة المُخابرات الأجنبية). وكما هو عادةُ جهاز المُخابرات الأمريكية دوماً فقد استعمل في تلك الفترة أجهزة المخابرات الفرنسية والمغربية وكلَّفتها بدعم عبد الحقّْ العيادة مؤسِّس ما كان يعرف وقتها ب(تنظيم الجيا) الدَّموي وذلك عند لقائه بعناصر من جهاز المخابرات المغربية بطلب أمريكي وذلك في أحدِ فنادق مدينة وجدة المغربية وهو ما ذكره وزير الدفاع الجزائري السَّابق الجنرال السيِّد خالد نزار في شهادته ل(صحيفة الوطن الجزائرية) وعندما أراد البلاد استعادتَ هذا القيادي المهم جدّاً لجماعات الإرهابية قبل الدَّولة الجزائر ومصالحهاَ الأمنية من تحت جبَّة العباءة المغربية سنة 1993تمَّ مساومتهاَ حول موقفها منْ دعم قضية الصَّحراء الغربية التي تدعم أمريكا المَغرب فيها قلباً وقالباً وفي تلك الفترة من تاريخناَ تحوَّلت السَّفارة الأمريكية إلى مقر دائم لأجهزة المخابرات الأمريكية في الجزائر واستعمَلتها في محاولة التدخل في الشُّؤون الداخلية الوطنية وابتزاز الجزائر التي كانت تعيش وضعاً أمنياً معقداً وصعباً جداً وقتهاَ. فشل متواصل وبعد الفشل الأمريكي الذَّريع في إسقاط الدَّولة الجزائرية وذلك عنْ طريق إغراقها في حرب أهلية وتحويلها إلى دولة فاشلة واستعادة البلاد لعافيتها السياسيَّة ونسيجها الوحدوي الاجتماعي والاقتصادي تدريجياً عملت أمريكا على تكوين حزام ناري حولها وذلك بمجموعة من الإجراءات أهمُّها ربما كانَ بتوسعة وإعادة تجهيز القاعدة الأمريكية في المغرب الشقيق وإنشاء قاعدة أخرى في تونس. وكذلك قاعدة لها في النِّيجر وأخرى غير مُباشرة في مالي وتواجدها الاستخباري وحتىَّ العسكري الدائم في جنوباسبانيا. وكذلك عن طريق جهاز المخابرات الأمريكي والذي يتواجد عددٌ كبيرٌ من ضبَّاطه في ليبيا بعد تدخُّل الناتو فيها وتصريحات السيِّد جون كيري وزير الخارجية في حكومة الرئيس الأمريكي السيِّد باراك اوباما المنتهية ولايته الرئاسية قد أشار إلى أنَّ أمريكا ستعملُ على نقل الدِّيمقراطية إلى دول المغرب العربي ومنها الجزائر والتقارير المخابراتية التي توقعت حدوث ثورات ربيع عبري ماسوني في كل من الجزائر وموريتانياَ وتونس لم تأت إلا في إطار الحملة المنظمة التي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية لتدمير القوة العسكرية الجزائرية وخاصة منظومة صواريخها الإستراتيجية الباليستية خصوصاً بعد امتلاكهاَ لمنظومة كورنيت المضادَّة للدَّبابات المصفَّحة ومنظومة بانستر وأس 400 عالية الدِّقة فأمريكا تعلم جيداً أنهُ في حال دخولها في أي حرب مع الجيش الجزائري ستدفع الثمن غالياً جداً في الأرواح والقدرات العسكرية وسيتمُّ استهداف مصالحها الطاقية وشركاتها النفطية مثل شال- وتكسا سو العاملة في الصحراء الجزائرية وكذلك مصالحهاَ حول العالم لذلك بعد حادثة تيقنتورين عملت المستحيل من أجلِ إضعاف الجيش الوطني الشَّعبي من خلال ضرب جهاز المخابرات الذي يعتبر عموده الفقري مستعملةً في ذلك نفوذها داخل دوائر صنع القرار الجزائري ولكن كل المؤشِّرات والمعطيات تدلُّ على أنها مُنيت بالفشل الذَّريع. فالعلاقات الجزائريةالأمريكية الأمنية والعسكرية بالأخص ليست على ما يرام فقد ألغت وزارة الدِّفاع الوطنية صفقةً بقيمة 3مليار دولار في سنة 2012 وتضمَّنت شراء فرقاطتين أمريكيتين و30 هلكوبترا من نوع شينوك وبعض القطع البحرية لتجديد العتاد الحربي الجزائري وكذلك معدات تشفير اتصالات وأنظمة كومبيوتر ولكن جهاز المُخابرات الأمريكية قد ضغط كالعادة على السَّاسة في البيت الأبيض من أجلِ إلغاء الصَّفقة التي تم الاتفاق على بنودها سنة 2009بين الجانبين لأنَّ هذا حسب زعمهم سيؤدي إلي المساس بأمن حلفائها كإسرائيل فوزارة الدِّفاع الأمريكي التي تعمل بالتعاون مع وكالة الأمن القومي وجهاز المخابرات- الأمريكيةCIA لازالت تفعل ما أمكنها من أجل التغلغل الأمني والمخابراتي في الجزائر من أجلِ إشعال ثورات عبرية فيها تؤدي إلى استنزاف قدراتها الدِّفاعية وإضعافها تمهيداً إلى فرض الحصار الدِّبلوماسي والعسكري والاقتصادي عليها ومن ثم تقسيمها بعد احتلالها عسكرياً طبعاً وفي أحداث غرداية التي جرت 2015 وثم في بداية 2016 ظهر جلياً وبكل وضوح دورهاَ الخفيُّ في التحريض المذهبي بين أبناء الوطن الواحد. وأكيد بعد أحداث بجاية الأخيرة وما حدث فيها من أعمال شغب ستكثِّف أمريكا نشاطها الاستخباراتي والعملياتِي وتزيد من ميزانية الدَّعم المخصَّصة لقسم المغرب العربي في وكالة المخابرات الأمريكية وجعل الجزائر من أولوياتها القصوى بعد إيران من أجلِ إسقاطها في فخِّ الفوضى الخلاقة الصهيونية. فعلى الدَّولة الجزائرية وأذرعها الأمنية الاستخباراتية أن تأخذ الإجراءات اللازمة وعلى أعلى المستويات وتحصِّن نفسها ضدَّ أي محاولة أمريكية غربية لاستهدافها.