من الأماكن التي يُفضلها الكثير من الأطفال للترفيه عن أنفسهم، بل ويكادون يُمضون فيها أغلب ساعات الراحة، والعطل الأسبوعية كذلك، هي قاعات الألعاب، والتي قد لا تكون مجرد وسيلة للتسلية لدى البعض، ولكن تتسبب في السيطرة على أذهانهم، خاصّة إن كان يُسيرها أشخاص جشعون لا يكتفون بما يجنونه في نهارهم، بل يعرضون خدمة الليالي البيضاء على زبائنهم الأطفال· مصطفى مهدي خدمة الليالي البيضاء عادة ما تقدمها مقاهي الأنترنيت، حيث أنها تعرض على زبائنها أن يمضوا لياليهم في المقهى، ويكون ذلك بسعر زهيد، أو أقلّ من تسعيرة النهار، هو الأمر الذي يجعل الزبائن يتوافدون على المقهى ليلا، ولكن عادة ما يكونون كبارا في السن، وليسوا من الأطفال والمراهقين، وحتى وإن حدث وأراد طفل أن يمضي الليل داخل مقهى أنترنيت، منعه صاحبها، أو استأذن والديه إن كان على معرفة بهما، من الجيران، أو أبناء الحي مثلا، وإلاّ فإنه لا يستقبل زبائنَ صغار السن، لكن آخرين أعماهم الجشع، وصاروا لا يأخذون بعين الاعتبار لا صغر السن ولا شيء، المهم عندهم أن يدفع لهم الزبون، حتى أنّ بعض أصحاب قاعات الألعاب، سواء تلك التقليدية، أو ألعاب "البلاي سايشن" بعض هؤلاء صاروا بدورهم يُوّفرون خدمة الليلة البيضاء لزبائن لا يتجاوز عمرهم في غالب الأحيان الخامسة عشرة سنة، وهو الأمر الذي يُحوّل الطفل إلى مدمن على تلك الألعاب، ويفقده بالتالي تركيزه، بل وقد يقوده إلى القيام بعمل جنوني، كأن يهرب من البيت ليبيت في قاعة الألعاب، أو أن يتشاجر مع والديه حتى يسمحا له بأن يفعل· "باسكال" ببوزريعة، الساعة منتصف الليل، امرأة تصرخ وتوبخ ابنها وهي ترتدي ملاءة سوداء، أي أنها خرجت للتوّ من المنزل، وراحت تلعن وتشتم شابا في الثلاثين من العمر، كان يقف على بعد منها، ولم يتفوه بكلمة، ونحن مارُّون من المكان، تدخلنا لتهدئة المرأة، خاصّة وأنها كانت قد انهالت على ابنها صاحب ال13سنة ضربا، كان الغضب قد أعماها، و قالت إنّ سبب ضياعه وابتعاده عن الدراسة ذلك الشاب، أجل، قد لا تفهمون الوضع، وحتى نحن في البداية لم نفهم شيئا، إلى أن راحت تشرح لنا أنّ الشاب صاحب قاعة ألعاب، وأنّه يُغري الأطفال بأن يبيتوا ليلهم في اللعب، وبثمن رخيص، وهي المرّة الثالثة التي يهرب فيها ابنها من البيت ليمضي الليل في قاعة الألعاب، وفي كلّ مرّة توبخه، وتطلب من صاحب القاعة أن يمتنع عن استقباله، ولكنه لا يفعل، بل بالعكس من ذلك، طلب من الطفل أن يكون أكثر حرصا وهو يخرج من البيت، وهو الأمر الذي أدهشها، وجعلها تخرج في منتصف الليل، لكي تلعن ما أسمته "شيطانا رجيما" توقفت المرأة قليلا، وهدأت بعض الشيء قبل أن تعود لتقول: "منذ مدّة فقد ابني تركيزه في الدراسة، بعد أن تحوّل إلى مدمن لتك الألعاب، وهذا الشاب صاحب المحل عوض أن ينهي الأطفال من أن يبقوا إلى ساعات متأخرة من الليل خارجا، يُشجعهم على ذلك، ويُحرّضهم على أن يعصوا أولياء أمورهم"· بالإضافة إلى فقدان الأطفال لتركيزهم، فإنهم قد يكتسبون عادات سيئة في تلك القاعات المليئة بالمنحرفين، من التدخين إلى المخدرات، إلى التّعرف بأشخاص يُمكن أن يقودهم إلى عالم الانحراف، كلّ ذلك يحدث في تلك القاعات، ولا شكّ يزداد خطره في ساعات الليل، وهو الأمر الذي اعترف لنا به إخوة بعض الأطفال الذين لاحظوا تأثير تلك الألعاب، والإفراط في ارتياد تلك القاعات، على إخوتهم، فصاروا يمنعونهم منها، أو على الأقل يُحددون لهم ساعات إقبالهم عليها، مثلما قال لنا علي، 23 سنة، والذي كان مدمنا في صغره على قاعات الألعاب، وحتى أخوه الأصغر اكتسب عادات سيئة فيها، لكنه صار ينهيه عن ارتيادها، يقول علي: "ليس في قاعة الألعاب غير الفوضى والضياع، وهو الأمر الذي عشته صغيرا، وخشيت على أخي أن يعيشه هو الآخر، فاشتريت له لعبة إلكترونية، حتى لا يرتاد تلك القاعات"، لكن سامي، 30 سنة، صاحب قاعة الألعاب نفى أن يكون لذلك تأثير سلبي على الأطفال، أو قال إنّ ذلك يرتبط بشخصية الطفل وتربيته، ويشرح موقفه قائلا: "إنّ تلقين الطفل كيفية تقسيم الوقت، والتفريق بين الأولويات ليست مسؤوليتي، أنا صاحب محل فقط، وتاجر أريد أن أربح زبائن جدد، ولا يمكن أن أغلق الباب في وجههم، أوافق أنّ هذه الألعاب يمكن أن تؤثر على الطفل، ولكن على الطفل الساذج غير المحصن، والذي لا يرميه أولياؤه إلى الشارع، ويطلبون من الآخرين أن يعطوه دروسا في الأخلاق والتربية، ويتهربون هم من مسؤوليتهم، فإن ضاع الولد يتهمون غيرهم، لي أخ في الحادية عشرة من العمر، يأتي في بعض الأحيان لكي يمضي الليل هنا، فلا أمنعه ولا شيء، ولكن بالمقابل لا أسمح له بأن يهمل دراسته، لا بدّ أن نمنح أبنائنا وقتا للراحة واللعب، ولا يكون فقط ذلك على حساب الدراسة، وأمور أخرى أكثر أهمية"·