بقلم: سامي بن كرمي* لِنَخْبِ قضيتنا فلنشرب اِسقنا كأسا بعد كأس وفكرا بعد فكر وحقدا بعد حقد هكذا يقولون. لا مجال للوطنية في كنفنا هكذا أَمَرَ السَيِّدْ. وطنيتنا إن وجدت محدودة جغرافيا وثقافيا ولا تسع إلا بنو جلدتنا ويا حبذا لو اتسم بنو جلدتنا بقليل من الجرأة. جرأة على العباد وعلى رب العباد. عراب الثورات يصول ويجول كالكلب المسعور ما إن لامس غيره إلا انتشرت العدوى إلا أنها تصيب الآخر ولا أثر لها لدى المسعور. عراب الثورات هذا له عين على الجزائر كيف لا وهي الشوكة المستعصية في حلقه وحلق من يُمَثِّلُه. وجد ضالته في الكراكوز الباحثين عن قضية. لا يهم أي قضية المهم أن نأكل ونشرب يقول الكراكوز في قرارة أنفسهم. ما أطيبه الأكل من أيادي الأسياد وما أحلى الشراب في أكفتهم. من باع قضية وطنه لا يضره أن يبيع ضميره. باعه في أروقة المحتل غير المحتل وباعه حتى في عقر دار الشيطان. أليس هو من وعد بفتح موطئ قدم للشيطان في الجزائر؟ أليس هو من قال أن أصله من نفس أصول الشيطان؟ أليس هو من قال الخلود للشيطان؟ السباحة ضد التيار هي اختصاص هؤلاء تيار العقيدة والوطن والأخلاق. لو لم يكن كذلك لما تم احتضانهم هنالك. من بلاطو إلى آخر ومن صحيفة إلى أخرى هم أبواق أسيادهم لا يتكلمون إلا بما يخدم أعداء الوطن وهم أعداء الوطن. حلمهم أن تتزلزل البلاد بالقدر الذي يكفي حتى يلتحق جزء من جنوب البحر بشماله. يتكلمون باسم الأمازيغ والأمازيغ منهم براء. الديموقراطية التي ينادون بها هي أن تضعن الأكثرية للأقلية. حتى وإن كانت الأقلية مجهرية وهم أقل من ذلك. يبغضهم بنو جلدتهم وأنا من بني جلدتهم تسري في عروقي دماء بربرية. أقول يبغضهم بنو جلدتهم ولكن مع ذلك فإنهم يصرون لا خيار لكم إلا أن نمثلكم وأن نتكلم باسمكم فأنتم صم بكم عمي لا ترون إلا بأعيننا ولا تسمعون إلا بآذاننا ولا تتكلمون إلا بألسنتنا. تبا لكم وخسئت أفكاركم. يصعب في هذا المقام التكلم عن العرب وعن البربر كل على حدى فالكل واحد يخفق في أوصاله قلب الجزائر. رجالات الجزائر ونسائها هبوا من كل ربوع الوطن كل يقدم بما أوتي وللأمازيغ حظ وافر في ذلك. في سبيل الوطن تذوب العرقيات وتنصهر العزائم والأمثلة على ذلك كثيرة قديما وحديثا. مولود بلقاسم نايت بلقاسم الشيخ محمد المقراني لالا نسومر آمودأغ المختار طاهر وطار الفضيل الورتلاني مفدي زكريا والشيخ عبد الرحمن الثعالبي وغيرهم الكثير هم ممن يريد أن يمثلهم الكراكوز. بجهد كبير على نفسي وحتى لا أتعدى حدود اللباقة وأحتفظ برأيي فأقول فقط وهل يمثل اللا شيء كل شيء؟ ما أكثر ما ساهم المفكرون الأمازيغ في ازدهار اللغة العربيةوالحفاظ على ثوابت الأمة. ثوابت لا يختلف فيها اثنان. جمعوا بين لغتان وثقافتان مكملتان لبعضها لبعض لا تقوم أحدهما إلا بقيام الثانية ومن مس الأولى فقد مس الثانية. رفعوا راية الوطن فوق كل الرايات لا يقبلون المساومة في شبر من الثوابت هؤلاء من يمثلون الأمة ويحق لهم الكلام باسمها لا مهادنةً ولا مجاملةًأقولها يحق لهم ذلك. العقيدة الصحيحة وحب الوطن من منطقة القبائل إلى منطقة الشاوية مرورا بوادي ميزاب وأقصى الطاسيلي وجبال شنوة وورقلة وتقرت من دون نسيان منطقة الشلحة الغربية تنافس المخلصون ولا زالوا يتنافسون إلى يومنا هذا خدمة للوطن الأمل موجود ما وجدوا الجزائري بأخيه كالبنيان المرصوص لا يهزه ريح ولا عاصفة ولا عراب ولا كراكوز برغم ما يحلم هؤلاء. أجيال وأجيال نهلت تعليمها على أيدي الأحرار أول ما علموا العقيدة الصحيحة وحب الوطن وحب الخير للجميع. منهم من ذاع صيته ومنهم من بقي في الخفاء لا يريد جزاء ولا شكورا يكفيه فخرا الإرث الذي تركه من بعده. عَلَمٌ من أعلام الوطن عالِم عامِل دَرَسَ ودَرَّسْ وجاهد ودعا إلى الفضيلة بالموعظة والكلمة الحسنة ابن القبائل الصغرى الشيخ محمد الشريف قاهر رحمه الله هو شخصيتنا لهذا الأسبوع. ولد الشيخ محمد الشريف قاهر بتاريخ 2 جانفي 1933 بقرية تموقرة القريبة من بجاية من عائلة بسيطة تمتهن الفلاحة. جده الأول الشيخ يحيى العدلي أبو زكريا بن أحمد توفي سنة 881 هجرية أسس معهدا للعلوم في قريته والتي سميت كذلك نسبة إلى مكان القرائة . كانت قريته مقصدا لطلبة العلم لما وجدوا فيها من علم وضيافة خلال إقامتهم. التحق الشيخ ولم يتعد عمره الأربع سنوات بمسجد القرية حيث بدأ في حفظ القرآن الكريم. ثم التحق سنة 1949 بزاوية جده سيدي يحيى العدلي ودرسه فيها بداية الشيخ محمد طاهر آيت علجت حفظه الله. أتم حفظ القرآن وبدأ في تحصيل العلوم الأخرى مثل علم المتون وعلوم حساب والفرائض. سنة 1951 تيسر له الالتحاق بجامع الزيتونة في تونس وسجل مباشرة في السنة الثالثة. بعد اندلاع الثورة المباركة وفي سنة 1957 عاد الشيخ إلى الجزائر مع مجموعة من الطلبة المسجلين في تونس واجتمعوا مع العقيد عميروش وأبدوا رغبتهم في الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني إلا أن هذا الأخير رفض ذلك ووجههم لاتمام دراساتهم قائلا: أنتم طلبة العلم وعلماء الدين مهمتكم بعد الاستقلال السير بالجزائر إلى بر الأمان . فعاد الشيخ إلى تونس وبقي هناك إلى سنة 1959 بعد أن تحصل على شهادة الأهلية ثم شهادة العالمية في الشريعة. تكفلت الحكومة المؤقتة في تلك الفترة بالطلاب الجزائريين في تونس وكان الشيخ محمد الشريف قاهر أحدا منهم فتم إرساله إلى بغداد حيث تحصل من كلية الآداب على شهادة البكالوريوسفي اللغة العربية بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد الاستقلال عاد الشيخ إلى الجزائر حيث تم تعيينه أستاذا بثانوية ابن تومرت ببوفاريك ثم بثانوية عقبة بباب الواد في العاصمة. لم يعرف للشيخ أي نشاط حزبي بخلاف مشاركته سنة 1963 في تأسيس جمعية القيم والتي كانت خليفة جمعية العلماء المسلمين غداة الاستقلال وكان من بين أهدافها العمل الإصلاحي في الجزائر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبسبب موقف الجمعية المنتقد للحكم الصادر في حق سيد قطب في مصر أمر الرئيس بن بلة بحل الجمعية ووقف نشاطها. تم تهميش الشيخ قاهر في أروقة القرار السياسي منذ هذا الموقف إلى أن استدعاه المرحوم مولود بلقاسم نايت بلقاسم لما تولى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في بداية السبعينيات. تم انتداب الشيخ محمد الشريف قاهر سنة 1969 إلى المعهد التربوي لتأليف كتب مدرسية وقد أشرف عليه الدكتور عبد الرحمن شيبان رحمه الله. حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الجزائر سنة 1973 بعد أن قدم بحثا في الأدب الأندلسي. وبقي مدرسا في الجامعة إلى غاية سنة 1983 حيث عين مديرا لمعهد العلوم الإنسانية فيها. سنة 1990 تفرغ للتدريس في المعهد العالي للقضاء بالموازاة مع تدريسه لعلوم القرآن في جامعة الجزائر. بالإضافة إلى إشرافه على عدد من أطروحات الدكتوراه والماجيستير فقد درس الشيخ اختصاصات كثيرة منها الأدب الجاهلي والأدب الأموي والأدب الأندلسي والأدب المملوكي والعثماني والأدب المغربي القديموعلوم القرآن والحديث. بالموازاة مع أنشطته الأكاديمية والبحثية عين الشيخ محمد الشريف قاهر عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1980 ورأس مجلس الفتوى فيه بحكم تخصصه العلمي. أبدى الشيخ الجليل خلال حياته ما قل وندر من سمو الأخلاق وحسن البصيرة والإخلاص في العمل شهد له بذلك كل من عرفه من قريب أو بعيد. كانت الدعوة في سبيل الله والعمل على إصلاح المجتمع وقيادته إلى ما فيه الخير هدفه السامي ولم يتوان من أجل ذلك عن قول كلمة الحق في أشد الظروف. كان ميسرا غير معسر ما خُيِّرَ بين أمرين في إطار الشرع إلا اختار ما تيسر منهما. عرف بممازحاته وخفة روحه التي أعانته للنجاح في المهام النبيلة التي سخر عمره من أجلها. لا عزة لنا إلا بديننا ووطننا للشيخ محمد الشريف قاهر عدد من المؤلفات في الفقه والسيرة النبوية والأدب وشارك بثراء كبير في ملتقيات الفكر الإسلامي في الجزائر كما كان له حضور هام في وسائل الإعلام وبالخصوص إذاعة القرآن الكريم والقناة الثانية للإذاعة الناطقة بالأمازيغية. توفي الشيخ بتاريخ 23 ديسمبر 2016 بعد مرض عضال ووري الثرى بمقبرة سيدي نعمان بالزغارة في أعالي العاصمة. مما قال الشيخ محمد الشريف قاهر: ما لا يختلف حوله اثنان هو ألا مواطن بلا وطن ولا عزة لنا إلا بديننا ووطننا الذي ضحى من أجله الشهداء وبالمحافظة على تاريخنا ولغتنا وهذه بدون شك هي المقومات الأساسية لكل أمة إذن لا عزة وحرمة لنا إلا بديننا وببلادنا وبمن أنقذ هذه البلاد من الاستعمار ومن الشرك . الشيخ محمد الشريف قاهر قامة من قامات الجزائر مثله مثل المخلصين في هذا الوطن حمل حقا هموم الأمة وسارع إلى تلبية نداء الواجب في حين تنكر الكثير لذلك. الشيخ مثال حي لمن أحب الجزائر وهو ابن الجزائر هو من بلاد القبائل هو من قسنطينة هو من مستغانم هو من بو سعادة هو من أدرار هو من كل شبر في ربوع الوطن انتماؤه كان للوطن أولا ناطقا بالعربية مدافعا ومعلما لها ناطقا بالقبائلية ومعتز بذلك. أعداء الجزائر لا يذكرون هؤلاء المخلصون فذكراهم شاهد على نقاء الأمة بمكوناتها تنوع وليس اختلاف تكامل وليس تعارض ما كانت الأمة لتقوم لولا هذا الطيف من الأحرار الواحد يؤازر الكل والكل يحتضن الواحد. الكراكوز مثل المرض الذي يصيب البدن الواحد بدن له مكونات متكاملة حال اكتشاف الداء تتكاتف أعضاء البدن وتتحد لمقاومة هذا الدخيل فيصبح كالشعرة في العجين سواد داكن على بياض ناصع وما أسهل اجتثاثه حينها. رحم الله الشيخ محمد الشريف قاهر وإخوانه من الأحرار وجزاهم عن الأمة أحسن الجزاء.