استحدثت قبل سنوات مهنة المرشد الاجتماعي في المتوسطات وبعض الابتدائيات والثانويات، هو طبيب نفساني مهمته أن يرافق التلاميذ، أو يرشدهم إلى إيجاد حلول لمشاكل يطرحونها عليهم، عائلية او شخصية او اجتماعية او نفسية، المهم أن يعثر التلميذ على شخص يسمعه. مصطفى مهدي كيف يتعامل مرشد اجتماعي مع أطفال صغار؟ يأتونه فيقصون عليه مشاكلهم التي وان كانت تبدو صغيرة، فلا شك أنها تسبب لهم متاعب، وأنها قد تكون منعطفا في حياتهم، هذا كله لا بدّ أن يكون المرشد الاجتماعي على علم به، وعلى دراية بنفس الطفل الصغير، وإدراك لما يمكن أن يكون تأثيره عليه، وكيفية التعامل معه، حتى لا نقول علاجه، كلّ ذلك يمكن أن يكون مهما، كل تلك الأسئلة جعلتنا نقترب من بعض التلاميذ والمرشدين الاجتماعيين، وكانت البداية من متوسطة حفصة بدالي إبراهيم، وكان التلاميذ متجمهرين حول المدخل، وعندما سألناهم عن المرشد الاجتماعي ابدوا لنا عدم مبالاة كبيرة، أجابونا في نفس الوقت، فقال أول أن لهم مرشدة اجتماعية امرأة، وقال آخر أن لا احد يذهب إليها، وقال ثالث انه لم يرها منذ بداية الموسم، وقالت فتاة بكل جرأة أن تلك المرشدة ملتزمة كثيرا ولا يمكن الحديث إليها، كل تلك الآراء جعلتنا نشكل نظرة ولو صغيرة عن هذه المرشدة الاجتماعية، ولا شك أن الحال لا يختلف كثيرا عن باقي المتوسطات، وان أراء تلك العينة من التلاميذ لا تختلف كثيرا عما يفكر في تلاميذ آخرون في متوسطة أخرى، ولكن فكرنا كذلك بان الأمر يرتبط أولا وأخيرا بالمرشد نفسه، أي لا بد أن يكون هناك اختلاف في مستوى هؤلاء المرشدين الاجتماعيين، بين من استطاع أن يقترب من التلاميذ، وبين آخر لم يقدر على تفهمهم، وهو الذي يصنع في الأخير راي التلاميذ. لكن الأكيد أنّ ما قصّه علينا بعض الأطفال أعطانا نظرة حول عمل المرشد، وحول صعوبة مهمته، يقول لنا سمير، 11 سنة، أنّ المرشدة الاجتماعية التي أتت إلى مدرستهم منذ سنوات تسببت في وقع مشكل بين تلميذة وأسرتها، حيث أن التلميذة ذهبت إليها لكي تحدِّثها عن علاقتها مع زميلتها، فنقلت المر شدة كل ذلك إلى أب التلميذة، والذي حرمها من الدراسة، قبل أن يتدخل أقارب لها ويعالجوا المشكل، ولهذا لم يعد التلاميذ يثقون في تلك المرشدة، وقاطعوها نهائيا" أما نادية 13 سنة فقالت: "المرشدة في مدرستنا ملتزمة كثيرا، وأنا شخصيا لا استطيع أن أبوح لها بمشاكلي الخاصة، بل أنها لا تتقبل حتى كوني غير محجبة. لا ادري، ربما عليها أن تكون مثالية حتى تنصحنا". ولهذا فضلنا الاتصال بمرشد اجتماعي، وهو جاموح نصر الدين، ومختص في علم النفس، وقد عمل منذ ثلاثة سنوات في ذات المدرسة، يقول لنا عن تجربته: "التعامل مع الأطفال أمر صعب، وان تكون لك مصداقية في مدرسة قد تعمل فيها لسنوات أمر أصعب، فانتم تعلمون أنّ التلاميذ يتحدثون الى بعضهم البعض، وأي راي مهم، وان اخطات مرة واحدة، واخذ عنك طفل ما نظرة سيئة، كانت تلك نهايتك، فلا شك سينقل ذلك إلى أصدقائه، وهكذا، ولا ينقطع ذلك مع نهاية السنة الدراسية، فصحيح أن التلاميذ يتغيرون، ولكن سمعة المرشد او حتى الأستاذ تلازمه إلى نهاية حياته المهنية، اللهم إلا إذا غير المؤسسة التي يعمل فيها، وحديث الأطفال في هذا العصر كله حول الكرة او مصاحبة البنات بالنسبة للذكور ومصاحبة الذكور بالنسبة للبنات، لقد كبر أبناؤنا بسرعة، ولكن في الاتجاه السيئ، وعوض أن يسعوا إلى تنمية قدراتهم الفكرية، فانك تجدهم يتسابقون إلى الظهور بمظهر أنيق، ولهذا فان مشاكلهم، وحسب خبرتي المتواضعة، لا تتعدى الفشل في العلاقات الغرامية، وأحيانا احتار ماذا أقول لهؤلاء التلاميذ، هل اخبرهم أنّ تلك الأمور ليست إلا تفاهات يجب تجاوزها، او أحاول أن أحلها معهم، وقد وقعت لي مشكلة مع ولي أمر احد التلاميذ، حيث أنني نصحت التلميذ بان يركز على دراسته، وان استطاع ألاّ يصاحب فتاة في هذه الفترة على الأقل، لان ذلك سيؤثر عليه حتما، فقال لي الأب:" أتريد أن ينشا ابني "حابس"! هذه الكلمة جعلتني أراجع حساباتي في كثير من الأمور، وأدرك أن المشكل ليس فقط في التلاميذ، ولكن حتى في أولياء أمورهم، لكني مقتنع بان كلمة واحدة يمكن أن تنفعهم، وتجعلهم يخطون الصعاب".