كثيرا ما نعلو بأصواتنا مفتخرين بالأعداد الهائلة التي تقبل على المدرسة بداية السنة الدراسية من كل عام، كل وسائل الإعلام تجنّد لهذا الحدث العظيم وإنّه لعظيم حقا، فلا تنكر العين ضوء الشمس إلا من رمد، ولكن كثيرا ما تخفت أصواتنا مع نهاية السنة نفسها عن الأعداد التي تغادر المدرسة ليحتضنها الشارع بكل عيوبه.. وآفاته هناك سببان رئيسيان يحددّان قرار التلميذ بالتوقف عن الدراسة: 1 صعوبة التعلم. 2 اضطراب في السلوك. قد نحمّل مسؤولية هذا القرار الخطير في حياة التلميذ إلى الوسط العائلي، فالمستوى العلمي المحدود للوالدين، الصراعات داخل البيت، العنف، الطلاق أسباب رئيسية تؤدي إلى الفشل في التحصيل العلمي للتلميذ وبالتالي إلى الانقطاع والتوقف عن الدراسة، كما قد نحمّل مسؤولية ذلك إلى تدني القدرات العقلية للطفل أو إلى العوامل والظروف والمثيرات الخارجية التي تؤدي إلى الاضطرابات في شخصية الطفل فتسبب له القلق والخوف والانطواء.. لكن، هل تساءلنا يوما عن دور التوجيه في حياة التلميذ الدراسية؟ الأرقام تشير إلى أنّ أربعة من عشرة تلاميذ يعتبرون التوجيه المدرسي خضوعا لا اختيارا، لا يعكس ميولهم ولا رغباتهم الأمر الذي يجعل من التوجيه مصدر قلق للتلاميذ والأولياء على حد سواء، لاسيّما، أنّ الجميع يدرك أنّ الشعبة الدراسية تحدّد مستقبل التلميذ الدراسي وحظوظه في التشغيل الملائم لتخصصه، فالتوجيه الجيد لا يسمح لكل تلميذ باستغلال قدراته فحسب وإنما يسمح بالاندماج في عالم الشغل كذلك. صعوبات عملية التّوجيه المدرسي: يواجه التوجيه المدرسي صعوبات عديدة نذكر منها مايلي: 1- إنّ اختيار التلميذ يكون ضعيفا أو خاطئا إذا كان توجيهه المدرسي دون سن السابعة عشر، إذ أنّ التوجيه يعتبر انتقالا من الخيال إلى الواقعية، بحيث يكون اختيار التلميذ في البداية خياليا، ثمّ يتأرجح بين التردّد والرغبة في التجربة وأخيرا يكون الاختيار واقعيا. الاختيار الخيالي: يخص الأطفال إلى غاية سن العاشرة أو الحادية عشر، في هذه المرحلة لا يفرّق الأطفال بين الوسيلة والغاية فيرتكز اختيارهم على الانجذاب إلى بعض نشاطات الكبار، من سن الحادية عشر إلى السابعة عشر يشعر الشباب في هذه المرحلة أنّ اختيارهم لا يكون عن علم وبصيرة لذا يصعب عليهم تحديد طريق معين لمستقبلهم الدراسي، وبالتالي، لا يكون الاختيار أكثر واقعية إلا بعد سن السابعة عشر. 2- نقص المتخصصين في مجال التوجيه المدرسي وعدم توفير التسهيلات والوقت اللازم لتأدية هذه الخدمة في أحسن الظروف. 3- عجز التوجيه المدرسي عن تقديم خدمات تربوية يحتاج إليها التلميذ ذو المشكلات الحادة الناتجة عن سوء التكيف أو اضطرابات في الشخصية أو غيرها من المشكلات التي تدخل في نطاق عمل هيئات أخرى ومتخصصين آخرين قادرين على معالجتها. 4 التوجيه يتطلب توفير الكثير من الاستبصار بمشكلات الأفراد وطرق حلّها كما يتطلب تكاتف مشاركة الجهود الجماعية، لذا يتعذر على أيّ شخص بمفرده أن يحل مشكلات غيره حتى وإن توفرت كامل الظروف العلاجية، لاسيما في ظلّ صعوبة الظروف المحيطة بالتلميذ ومشكلات الحياة. هل التوجيه خضوع أم اختيار؟ لعل الإجابة عن هذا السؤال الشائك تتطلب الوقوف عند الظروف المحيطة بالتلميذ قبل وأثناء وبعد مرحلة التوجيه. يخضع التوجيه بشكل أساسي لنتائج التعليم في المرحلة الابتدائية، تشير بعض الدراسات إلى أن نتائج التلاميذ في هذه المرحلة متفاوتة وموزعة كالآتي: حوالي 65% نتائجهم مرضية، حوالي 25% مكتسباتهم ضعيفة، أما البقية فتعاني من صعوبات كبيرة في التعلم، تبقى هذه النسب ملازمة لجميع مراحل التعليم الثلاث: الابتدائي، المتوسط، الثانوي. يعمل التوجيه على فرز التلاميذ وفق نتائجهم المدرسية ومعارفهم المجردة، ونجاح التلميذ أو رسوبه يخضع للمواد المرتبطة بهذه المعارف المسماة بالمواد الأساسية، كما أنّ الوضع الاجتماعي والمستوى الثقافي للأولياء عاملان أساسيان في عملية التوجيه، فالتلميذ لا ينتظر يوم الحسم لاختيار ما يناسب قدراته وكفاءاته لأنّ العائلة تنوب عنه في تحمل مشاق التحضير نحو توجيه سليم، وكلّ خلل يلازم العائلة من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية قد ينجرّ عنه خلل آخر يلازم التلميذ في حياته الدراسية، بالإضافة إلى كلّ ذلك قرارات التوجيه التي يعتبرها الأولياء والمدرسين فظة ونهائية، لا تسمح للتلميذ لاسيما المعيد للسنة بمراجعة توجيهه إلى فرع آخر، على سبيل المثال، لا يعاد النظر في توجيه التلميذ من الفرع الأدبي الذي يرغب في التحوّل إلى الفرع العلمي، كما يرفض التلميذُ من الفرع العلمي التحوّل إلى الفرع الأدبي، لأن الفروع العلمية تفتح آفاقا واسعة للدراسة وفرصا أوفر للعمل أكثر من الفروع الأدبية، عدم استطاعة المؤسسات التربوية متابعة التلاميذ الذين تعترضهم صعوبات في التعلم بشكل انفرادي ومدّ يد العون لهم ثمّ توجيههم الوجهة السليمة وذلك لتزايد الأعداد الهائلة من التلاميذ المقبلين على الدراسة ونقص التأطير المادي والبيداغوجي.. التلميذ المتحصل على نتائج مرضية، المتابع دراسته في مؤسسات تربوية ناجحة، المتمتع بوضع اجتماعي ميسور وثقافي محترم مؤهل أكثر من غيره لاختيار الشعبة أو الفرع الذي يناسب قدراته العلمية والأدبية، لكنّ المشكلة لا تطرح على هذه الفئة، بقدر ما تطرح على الفئة التي تعاني الأمرين: الوضع الاجتماعي والثقافي المتدنيين، ومساوئ التوجيه المعتمدة والخاضعة للظروف المذكورة سابقا، عند هؤلاء يعتبر التوجيه خضوعا لا اختيارا. من الخضوع إلى الاختيار رضا الناس غاية لا تدرك، ورضا جميع التلاميذ بالتوجيه المناسب عملية في غاية الصعوبة إن لم نقل مستحيلة، إلا أنّ تعبيد الطريق المؤدي إلى عالم الشغل أو مواصلة الدراسة أمر يستوقفنا جميعا أولياء ومربين، كل في مجال تخصصه. 1- يتمّ التوجيه بشكل تدريجي ابتداء من السنة الأولى ثانوي كما هو معمول به حاليا، وقابل للمراجعة التي تسمح بإزالة كل العوائق التي تحول دون نجاح التلميذ في حياته الدراسية. 2- متابعة التلاميذ والإشراف على مسارهم الدراسي على انفراد انطلاقا من السنة الأولى ثانوي. 3- تخصيص وقت للتوجيه المدرسي يسجل ضمن التوزيع الأسبوعي للتلميذ، كأن تخصّص ساعة من الوقت في الأسبوع لكل تلميذ أو مجموعة من التلاميذ للمتابعة المستمرة من السنة الأولى الثانوية إلى غاية السنة الثالثة تحت إشراف أساتذة متخصّصين في الإشراف التربوي 3- الاستعانة بالمنتديات في الأنترنات يشارك فيها الأولياء والتلاميذ على حد سواء، يتبادلون الرؤى والأفكار حول جميع الفروع والشعب المتوفرة، وقدرة التلميذ على المواصلة من عدمها في هذه الشعبة أو تلك. 4- تكثيف اللقاءات بين التلاميذ والمؤسسات الجامعية والاقتصادية قصد الإطلاع أكثر على آفاق الدراسة والتكوين وحاجيات السوق من اليد العاملة وموقع التلميذ من كل ذلك. 5- إعادة التوازن بين الشعب العلمية والأدبية من حيث الكفاءة وحاجيات عالم الشغل، فلا حاجة لنا أن نوجه أبناءنا لشعب تعرف أسواقها الكساد، ما يترتب عنه الإهمال والتوقف عن الدراسة. العوامل المساعدة على نجاح التوجيه المدرسي: يضاف إلى كل ذلك عوامل مساعدة تشدّ أزر المتعلم فتحمله إلى شاطئ الأمان سالما معافى من بينها: 1. تولي المعلمين والمرشدين ومديري المدارس إعداد قوائم بالمشكلات التي تواجه التلاميذ ووضع الخطة اللازمة لمساعدتهم على حلّها. 2. استخدام مقاييس خاصة مساعدة على فهم التلاميذ فهما كاملا وتدريب المختصين على استخدام هذه المقاييس، أشير هنا إلى اختبارات التوجيه التي يتحصل عليها التلميذ من المؤسسة التعليمية أو من موقع إلكتروني مختص في التوجيه. 3. توفير الإمكانات والموارد اللازمة للمعلّمين والمختصين في التوجيه المدرسي. 4. إيمان واقتناع مديري المدارس ببرنامج التوجيه وخلق الشعور في نفوس المعلمين والمرشدين بأنّ لهم مطلق الحرية في مناقشة أيّة مشكلة من مشكلات التلاميذ. 5. التعاون بشكل جيد بين القائمين على التوجيه في المدرسة والمنزل والهيئات الأخرى في المجتمع. الثانوية الناجحة هي ثانوية تسعى من أجل إنجاح كلّ تلميذ، هي ثانوية توفر أفاقا مستقبلية واسعة، وأركز على هذه المرحلة من التعليم العام لأهميتها في تحديد مسار التلميذ الجامعي أو المهني، فهي حلقة وصل أو جسر عبور يربط بين التعليم الإلزامي والتعليم العالي أو عالم الشغل بعد مرحلة التكوين المهني، فكلّ خلل في هذه المرحلة تترتب عنه عيوب وتشوهات يصعب علاجها فيما بعد.