بقلم: عميرة أيسر* - بعد فوز حزب العدالة والتنمية التركي بالانتخابات التشريعية العام الماضي والتي فاز فيها بنسبة تعدت 85.7 من أصوات النَّاخبين الأتراك مما اظهر وقتها تقدما كاسحاً وحاسماً لحزب العدالة والتمنية التركي.الذي يقود دفة القاطرة السياسية للبلاد منذ حوالي 13 سنة شهدت فيها تركيا تحولاً تاريخياً ودراماتيكياً في كافة المجالات وتغيرت تركيبة الخارطة السِّياسية في تركيا وظهرت فواعل جديدة في العلاقات الداخلية فيها أعطى نفساً مختلفا لمفاهيمهاً وأسسهاَ وقيمهاَ وبنيتهاَ المرحلية وحولها من دولة متخلِّفة يسيطر عليها حكم العسكر وفي قطيعة تاريخية جذرية مع ماضيهاَ الإسلامي الذي امتدَّ بشكل ضارب في أطنابه منذ مرحلة مصطفي أتاتورك الرَّعيل الأول للدولة المسمَّاة بالجمهورية التركية العلمانية بعد أن كانت عاصمة أخر خلافة إسلامية عرفها العالم وامتد إشعاعها الحضاري والثقافي والمعرفي لأزيد من 400 سنة كانت مساحتهاَ فيها تتعدي 20 مليون كلم والمركز الأول للتَّنوير والعلم والتطور في قلب أوروبا والعالم.ولكن بسقوط عاصمة الخلافة الأستانة وتحولها إلى دولة علمانية ذات طبيعة أوروبية مجتمعاً وسياسياً واقتصادياً حيث فرض أتاتورك وتعني بالتركية أبو الأتراك نظاماً تعليمياً.ونمط حياة غربي حاول طمس الهوية الإسلامية العريقة لدى أفراد هذا الشًّعب ومنع الأذان في المساجد وأدخلَ اللُّغة التركية كلغة قومية تركية وأَلغى بل منع تحفيظ القران الكريم وقضى على تعليم اللُّغة العربية بشكل كبير جداً.وألغى القوانين الشَّرعية في المعاملات وقوانين الأسرة وأحلَّ محلها دستوراً غربياً بامتياز ومجلس نواب أغلبُ من فيه من المتعصِّبين الأتراك وطائفة من اليهود المتنفِّذين وامتد ذلك النظام الذي أسسه وحماه من بعدها الجيش المتمثِّل في الأوليغارشية العسكرية التي حكمت البلاد من وراء السِّتار لمدة أزيد من 90 سنة خلت وكانت تتدخَّل بانقلابات عسكرية لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي أي حسب تعاليم الأب الروحي أتاتورك حيث كانوا المسيطرين على مفاصل الدولة وقطاعاتها الحيوية وخاصة الاقتصاد التركي الذي كان منذ استلامهم الفعلي من وراء السّْتار أمور البلاد في مراتب عالمية متدنية وكانت الدولة التركية مدانة بأكثر من 23.5 مليار دولار كديون لصندوق النَّقد الدولي ومصنفة أي دولة تركيا في أدنى مؤشّْرات التمنية بالنسبة لمؤشرات التَّمنية العالمية. الطرق الشائكة للسياسة - وبعد مجيء حزب العدالة والتمنية تغيرت هذه المعادلة نهائياً حيث صرَّح رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان آنذاك في كلمته المتلفزة والتي كانت بعنوان في طريق خدمة الشَّعب بتاريخ 1مارس 2013 أنَّ بلاده ستدفع أخر قسط لصندوق النَّقد الدولي والبالغة 400 مليون دولار بحلول أواخر مايو من نفس العام وبالتالي ستدفع حوالي 16 بالمائة من فوائد الضرائب على الدَّين وتصبح بذلك مدانة لصندوق النَّقد الدولي ب5 مليارات دولار يتوجب على الصندوق دفعها لتركيا وأضاف أنَ إمكانيات بلاده باتت تأهله عن طريق السَّفينة بارباروس لتنقيب عن الغاز والبترول في حوض الأناضول والبحر الأبيض المتوسط وانتقلت تركيا إلى المرتبة 16 عالمياً من حيث قوة اقتصادها وارتفع الناتج المحلي لأزيد من 220مليار دولار في سنة 2014 مع واردات بلغت حوالي 205 مليار دولار.ونسبة نمو بلغت 5 بالمائة مما يعني بأن الاقتصاد التركي قد شهد طفرة نوعية منذ وصول حزب العدالة والتنمية لسدَّة الحكم في تركيا منذ 2002 إذ عانت تركيا قبله من حكومة ائتلافية جاءت بسياسة خوصصة فاشلة باعت الأخضر واليابس وكانت تهدد استمرار كيان الدولة ورغم رفض الاتحاد الأوروبي انضمامها إليه تحت ذرائع شتىَ ولكن السبب الأساسي هي أنها دولة إسلامية بعدد سكان تعدى 76.667.864 نسمة حسب أخر إحصائيات سنة 2013 وهو رقم كبير لدولة تربط بين ضفتي قارتي أسيا وأوروبا وممر حيوي لتجارة أوروبا إلى القارة الاسياوية وموقعها الجيواستراتيجي جعلها عرضة للكثير من الغزوات والحروب طوال تاريخها وجعل أمريكا تقيم بها أكثر من 22 قاعدة عسكرية منتشرة فوق ترابها وفيها أهم وأكبر قواعدها الجوية في أوروبا والعالم ولا ننسى أنْ نشير بالذكر أنها أي تركيا عضو هامٌ وفعَّال في منظومة حلف النَّاتو أي حلف شمال الأطلسي وهذا ما سمح لها بلعب دور فعال ومؤثر في كثير من ملفات المنطقة ودخولها على خط الصراع العربي الإسرائيلي من خلال المواقف المشهودة لرجب طيب اردوغان في مؤتمر دافوس الاقتصادي ورفضه مصالحة رئيس وزراء إسرائيل يومها شيمون بيراس وهو ما أثار ضجَّة دولية وأزمة دبلوماسية تفاقمت ككرة ثلجية بعد حادثة السفينة التركية مرمره واعتداءات الصهاينة عليها واستشهاد 9 مواطنين أتراك سنة 2010 والتي كان ضحاياها 10 شهداء توجهوا من أجلِ محاولة كسر الحصار الإسرائيلي على أهالي قطاع غزة المُحاصرين هناك وهو ما أشعل أزمة دبلوماسية حقيقية أدَّت إلى قطع العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني مما أدى بإسرائيل إلى طلب تدخل أمريكا التي حلَّت المسألة عن طريق تقديم اعتذار رسمي من طرف إسرائيل لتركيا وتعويض الضَّحايا ماديا ومعنويا. توجهات وآراء ما نلاحظه هو التَّوجه الإخواني الواضح لحزب العدالة والتنمية إذ أنه تنظيمياً يتبع التَّنظيم العالمي - لتنظيم الإخوان المسلمين ولكن بعد ثورات الربيع العربي ودعم تركيا لثورات الربيع العربي حسبما روج لها صنَّاع القرار في أنقرة وروجت لها وسائل إعلام عربية وعالمية لها تأثير حتى لو كان بعضها قنوات فتنة وتحريض على رأسها قنوات كالجزيرة والعربية بالإضافة إلى قنوات مرموقة وموضوعية إلى حد كبير وبي بي سي الانجليزية ووكالة رويترز تغيَّرت المعادلات السياسية والتحالفات في المنطقة العربية إذ دعمت تركيا حراك الشباب السلمي في تونس ومصر ودعمت ومولت ما ظنَّ في حينه أنه ثورة في ليبيا وسوريا وكانت مواقف اردوغان كلها تصب في طريق واحد هو تمكين التيار الإسلامي الإخواني في كل من تونس متمثلا في حزب النهضة وزيارة رئيسها راشد الغنوشي ولقاءه برئيس الوزراء التركي اردوغان مشهورة ومحسوبة سياسياً على تيار الإخوان المسلمين عقب الإطاحة بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي الذي فرًّ إلى السعودية ومنهم من يقول بان المخابرات التونسية تخلصت منه قبل أن يُغادر البلاد وبأنَّ هذا الأمر بقي طيَّ الكتمان إلى حدِّ الساعة وهذا ما يفسر عدم وجود أثر له في أي مكان منذ الإطاحة به وخلعه من طرف شعبه الأبي نفس الأمر حدث في كل من مصر محمد مرسي وليبيا عبد حكيم بلحاج وتيَّاره الحركة الإسلامية ودعمت تنظيمات داعش والنصرة والجيش الحر واستضافت كوادرها ودربتها ولكن المعادلة تغيَّرت كليةً بعد دخول لاعبين كبار على السَّاحة الإقليمية كالسعودية وإيران وحزب الله ودعم السعودية في عهد الملك عبد الله إضافةً إلى حليفتها الإمارات إضافة إلى الأردن وإسرائيل بمباركة أمريكية طبعاً لانقلاب 30 جوان 2013 الذي جاء بحكم عبد الفتاح السيسي كما يرى أنصار الأردوغانية السِّياسية وأطاح بالرئيس الشرعي المنتخب مُحمد مرسي حليف تركيا وقطر الأول في مصر وفقدان زمام التحكم والسَّيطرة في أقوى دولة عربية عسكرياً.ومن حيث التَّأثير والوزن الجيواستراتيجي لتتعقَّد الأمور أكثر بعد دخول روسياَ كلاعب عالمي هام في الأراضي السُّورية وتدخلها عسكرياً وقصفها لمواقع الإرهاب والمجموعات المعارضة التي تراها روسيا فلاديمير بوتين عبارةً عن مجموعات من المرتزقة هدفها الإطاحة بنظام مُنتخب من طرف الشَّعب السوري بنسبة فاقت 75 بالمائة في انتخابات شهد العالم بنزاهتهاَ. الشركاء هذا طبعاً بعد توقيع إيران لاتفاقها النووي مع الغرب وأمريكا بعد أزيد من 10 سنوات من الجولات التفاوضية الماراثونية واستفادت إيران من أكثر من150مليار دولار من أموالها المحجوزة في بنوك أوروبية وأمريكية مع امتيازات أخرى كبيرة أهمُّها رفع الحضر على إنتاجها وتصديرها للبترول وبعد موت الملك عبد الله بن عبد العزيز وتَولي الملك سلمان بن عبد العزيز أخوهُ الحكم في السعودية وبداية تحول سياسته الإقليمية وخاصة في مصر واستقباله لوفد حماس برئاسة خالد مشغل بعد أن كانت منظمة إرهابية بعيون السعودية سابقاً ودعمه غير المُباشر لتيار الإخوان المسلمين في مصر ومطالبته الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإطلاق أزيد من 42 ألف معتقل سياسي وتجميده لحزمة مساعدات اقتصادية بقيمة 4 مليارات دولار لها وقيامه بزيارة أنقرة والتقاءه بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان من أجل التَّنسيق في قضايا المنطقة وخاصة موضوعي سوريا ومصر ولكن بعد ابتعاد الإمارات عن السعودية وخاصة في موضوع مصر وتورط السعودية في اليمن وبداية تخلي الإمارات عنها وتلميح مصر بفض التحالف العربي المُقام هناك لدحر قوات الرئيس اليمني المخلوع عبد الله صالح ومعه قوات الحوثيين إضافةً إلى ارتداد الإرهاب في سوريا واستهدافهم لمناطق حيوية داخل تركيا وشنِّ حزب العمال الكردستاني الذي يقبعُ زعيمه عبد الله أوجلان في سجون تركيا من أزيد من 16 سنة والذي يطالب بحكم ذاتي في إقليم تركياالجنوبي.الذي يضم أغلبية كردية كبيرة ويتكلم باللغة الكردية ويطالب بدولة فدرالية وليس مركزية على غرار إقليم كردستان - العراق الذي تلعب تركيا دوراً حيوي فيه عن طريق دعمها الآمحدود لتنظيم داعش من أجلِ ابتلاع المزيد من الأراضي فيه.ولكن غيَّرت استراتيجيها في الأشهر الأخيرة بعد أن تحول إلى وحشِ كاسر يصعب السَّيطرة عليه أو لجمه وكبَّد الجيش التركي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وكان جميع المحللين السِّياسيين والعسكريين يتوقعون هزيمة ساحقة لحزب العدالة والتمنية بقيادة أحمد داوود أوغلوا وزير الخارجية التركي السَّابق ورئيس حزب العدالة والتمنية السَّابق كذلك ورئيس وزراء تركيا قبل الإطاحة به وتعيين السيِّد على يلدرم خليفةً له في ذات المنصب بعد أن أصبح رجب طيب اردوغان رئيس الجمهورية التركية وبصلاحيات واسعة حسب المادة 104 من الدُّستور التركي وتمكن حزب العدالة والتنمية من حصد 49.5من أصوات النَّاخبين في مقابل 25بالمائة لحزب الشَّعب الجمهوري و12 بالمائة لحزب الحركة القومية إضافةً إلى 10.3 بالمائة لصالح حزب الشُّعوب الديمقراطي الذي يمثِّل الكتل الكردية في تركيا وبالتالي فان حزب العدالة والتَّنمية الحاكم قد فاز بحوالي 320 من مقاعد البرلمان التركي البالغة حوالي 550مقعداً مما سيؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده وهذا ما سيعطيه قوة ومناعة داخلية في معالجة العديد من الملفات المحلية واستعمال العنف والقوة المسلحة كما يفعل حاليا في جنوب البلاد وسوريا من أجل التعامل مع الإرهاب الذي يجتاح تركيا كما يزعم اردوغان وقيادات حزبه وقيامه بخطوة تعديل الدستور التركي الذي أعطى له صلاحيات أكبر ك كرئيس للجمهورية التركية كما أنه بعثَ برسائل خارجية مهمَّة وخاصة إلى حلفاءه الإقليميين وعلى رأسهم السعودية وقطر والأردن بأنه يجب عليهم التعامل مع تركيا كقوة إقليمية كبري تحظى حكومتها بشرعية شعبية واسعة تمكنهاَ من التَّحرك بحرية وتفرض احترام كل العالم لها وخاصة روسياوأمريكا مما سيعطيها حجماً أكبر ومصداقية في توجيه دفَّة عدة ملفات ساخنة في المنطقة وخاصة قضية سوريا واليمن والعراق واستعمالها للغة خطاب سياسي ندِّي لحلفائها قبل أعداءها والأيام القادمة كفيلة بتفسير الكثير من الأمور وتجليتها بشكل سياسي واستراتيجي أوضح.