هذه حصيلة الضحايا والدمار في 196 يوم حرب ** بين البيانات الحكومية والعسكرية العراقية والإيجاز اليومي لغرفة التحالف الدولي بقيادة واشنطن وما يجري على الأرض في مدينة الموصل اختلاف واضح. فالمعركة التي قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال زيارته البيت الأبيض في 20 مارس الماضي إنها شارفت على النهاية يؤكد قادة عراقيون أنها تحتاج إلى شهر آخر من القتال بسبب تعقيدات تفرض نفسها على الأرض. ق. د/وكالات أنهت معركة الموصل حتى صباح الإثنين يومها ال196 بواقع 4600 ساعة قتال منذ انطلاقتها في 17 أكتوبر الماضي منها 59 يوماً في الساحل الأيمن بواقع 1300 ساعة قتال متواصلة وفقاً لما تكشفه تقارير قيادة عمليات الجيش العراقي التي يقودها الجنرال عبد الأمير رشيد يار الله الذي أعيد إلى الخدمة بسبب كفاءته العسكرية وابتعاده عن التصنيف الطائفي خصوصاً في معركة ذات أبعاد سياسية ومذهبية مثل الموصل وهو الخيار الذي بدا مقبولاً من قبل واشنطن التي تدير دفة المعركة من السماء. وشارك 91 ألف مقاتل في المعركة هم 38 ألف جندي يمثلون ثلاث فرق برية وفرقة مدرعة في الجيش العراقي و9 آلاف من جهاز مكافحة الإرهاب و11 ألف عنصر من الشرطة الاتحادية العراقية. بينما شاركت قوات البشمركة التي أنهت مهمتها في الخطة على حدود بعشيقة وتلكيف وبرطلة (المحور الشرقي) بواقع 7 آلاف عنصر قتالي. وتوزعت القوات الأخرى على تشكيلات قوات الرد السريع والشرطة المحلية ومليشيات الحشد الشعبي التي وزعت عناصرها على محور الموصل ومدينة تلعفر بمشاركة وحدات من الحرس الثوري الإيراني تصفهم وزارة الخارجية العراقية على لسان وزيرها إبراهيم الجعفري بالمستشارين العسكريين الذين وافقت الحكومة عليهم. مع ملاحظة أن تلك القوات لم تشارك دفعة واحدة في المعارك بل اعتمدت أسلوب المناوبة ضمن خطة الهجوم بشكل يضمن عدم تعريض الجنود للإعياء في تخمين صحيح للقادة العسكريين الذين توقعوا شهوراً قاسية من المعارك. دولياً هناك كتيبة دعم لوجستي من المارينز الأميركي ووحدة المهام الخاصة الفرنسية التي تقدم الدعم وسجل اشتراكها في عدد من المعارك بشكل مباشر فضلاً عن ثلاث بطاريات مدفعية وكتيبة صواريخ ذكية تابعة لقوات التحالف. وفي السماء تشارك خمسة أسلحة جو في دعم تلك القوات هي الأميركي والبريطاني والفرنسي والكندي والعراقي. شهر آخر من الموت باتت القوات العراقية تسيطر الآن على نحو 75 في المائة من المساحة الإجمالية لمدينة الموصل إذ أحكمت سيطرتها على الساحل الشرقي (الأيسر) بشكل كامل قبل أن تنتقل المعارك منذ نحو شهرين إلى الساحل الغربي (الأيمن) الذي يضم 83 حياً ومنطقة سكنية تمتاز ببنائها القديم والمعقد والحارات الضيقة والأزقة الملتوية. وأصبحت القوات العراقية تسيطر الآن على نحو 60 في المائة من الشطر الغربي للمدينة الذي يعتبر أصغر من الشرقي لكن الكثافة السكانية فيه عالية فهو يمثل نواة مدينة الموصل التاريخية. ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية فإن القوات ستحتاج إلى شهر آخر من القتال المتواصل للإعلان عن تحرير الجزء المتبقي من مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في حال لم ينسحب التنظيم مما تبقى من المدينة على غرار سيناريو مدينة الفلوجة العام الماضي. ويقول العقيد الركن في قيادة عمليات نينوى فلاح الطائي ل(العربي الجديد) إن المعارك الحالية أعقد وأكثر شراسة فتكدس مئات آلاف المدنيين داخل منازلهم يفرض علينا التعامل مع كثافة بشرية كبيرة لا يمكن خلالها استخدام السلاح الثقيل بينما تنظيم داعش لا يتورع عن استخدام أي سلاح لديه. ويضيف هناك خسائر بين المدنيين... نعم لكن يمكن إيقاف إزهاق هذه الأرواح ولو على حساب الوقت وزمن المعركة. لذا نعم سنتأخر في إعلان النصر وتجاوزنا السقف المحدد لنا بسبب ذلك. ويؤكد ضباط في القوات العراقية أن 12 حياً سكنياً ما تزال تحت سيطرة التنظيم فضلاً عن مناطق وساحات مفتوحة يتحرك داخلها ما بين 900 إلى 1000 مقاتل من داعش متخذين من المدنيين غطاء لهم. ومن أبرز تلك الأحياء العروبة والزنجيلي والمدينة القديمة والعريبي ومشيرفة وحاوي الكنيسة وتموز والاقتصاديين والنجار والرفاعي والهرمات. وتدور المعارك منذ فجر أول من أمس على أطراف اليرموك والآبار وحي التنك بينما تبقى المدينة القديمة العقدة الأكثر صعوبة بالنسبة إلى القوات العراقية رغم مرور أربعة أسابيع على محاصرة باب الطوب وباب البيض ومحيط ساحة المنارة الحدباء وجامع النوري. وطغت على المعارك صفة حرب العصابات والشوارع فالقتال ينتقل من زقاق إلى آخر ومن سطح منزل إلى آخر وعادة ما يستخدم الطرفان القنص والقنابل اليدوية والقذائف المحمولة على الكتف وهو سبب كاف للتأكد من سقوط عشرات المدنيين إن لم يكن المئات أسبوعياً. وإذا كان هناك قصف جوي على الأحياء السكنية فسيكون عدد القتلى مضاعفاً بحسب المصادر ذاتها. خسائر بشرية بالجملة حتى الساعة ترفض الحكومة العراقية إعطاء أي أرقام رسمية عن أعداد الضحايا المدنيين في المدينة منذ بدء المعارك إلا أن أرقاما صدرت عن مصادر عسكرية وأخرى إغاثية قالت إن عدد القتلى من المدنيين من سكان الموصل بلغ نحو 13 ألف قتيل أكثر من نصفهم من النساء والأطفال في حين بلغ عدد الجرحى نحو 25 ألف جريح أيضاً. ومما يؤكد تلك الأرقام ويجعلها قريبة إلى الواقع تسريب حصلت عليه العربي الجديد أخيراً لنائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي قال فيه إن أربعة آلاف قتيل مدني سقطوا في النصف الأول من ساحل الموصل الأيمن لوحدها بينهم نحو ألفين ما زالوا تحت الأنقاض وهو الجزء الذي تسيطر عليه القوات الحكومية حالياً ولا يعلم حتى الآن عدد الذين قضوا في الجزء الذي يسيطر داعش عليه. ووفقاً لمدير منظمة السلام لحقوق الإنسان الدكتور محمد علي فإن عدد ال13 ألفاً يشمل الموصل وضواحيها وقد يكون العدد أكبر بكثير في حال تم إخراج جميع الجثث الموجودة تحت الأنقاض. وحول خسائر تنظيم داعش فإن العدد يتراوح بما بين 4 إلى 5 آلاف مسلح قتلوا عدا عن مئات الجرحى غالبيتهم من الجنسيتين العراقية والسورية وهو ما يبدو متطابقاً مع الإيجاز اليومي لقيادة عمليات نينوى بينهم نحو 30 قيادياً بارزاً بالتنظيم اعترف داعش بعشرة منهم ضمن إصدارات بثتها مؤسسة الفرقان كان آخرها إصدار موكب النور 2. وتقدر أوساط عسكرية عراقية الخسائر البشرية للقوات العراقية المشتركة بما فيها المليشيات بما بين 10 إلى 12 ألف قتيل وجريح في محاور الموصل السبعة فضلاً عن تلعفر والشرقاط والقيارة إلى الجنوب من المدينة والتي انطلقت منها أولى معارك تحرير شمال العراق من قبضة تنظيم داعش. دمار شامل ويصف عضو مجلس مدينة الموصل (الحكومة المحلية) أحمد الحمداني الوضع الإنساني بالكارثي مبيناً أن الحكومة تكذب ولا تسمح لقواتها بالإفصاح عن الرقم الحقيقي للضحايا المدنيين الذي سيكون فضيحة عليها وعلى قوات التحالف على حد سواء بحسب قوله. ويضيف عدد الضحايا المدنيين هو الأكبر في حلقة الصراع. وحول الدمار في المدينة يؤكد أن نحو 66 في المائة من المدينة مدمر وهناك حارات سكنية مسحت بشكل كامل بفعل سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها قوات التحالف والقوات العراقية. ومن أبرز معالم الموصل وبناها التحتية التي دمرت نتيجة القصف الذي يشنه طيران التحالف والطيران العراقي أو نتيجة هجمات وتفجيرات لتنظيم داعش جسور الموصل الخمسة الرئيسية التي تربط ساحلي المدينة الشرقي والغربي على نهر دجلة والمحطة الرئيسية لتوليد الطاقة وخطوط النقل العالي للكهرباء ومحطات ضخ المياه للأحياء السكنية وجامعة الموصل و10 مستشفيات ونحو 76 مركزاً صحياً ومعمل أدوية نينوى والمخازن التابعة له و241 مدرسة ابتدائية وثانوية و81 دار عبادة بين مسجد وكنيسة أبرزها جامع وقبر النبي يونس وقبر النبي شيت وجامع ومرقد النبي جرجيس وضريح الأب إسحاق وكنيسة الآباء الدومينيكان ودير الراهبات وكنيسة السيدة العذراء وأبراج الاتصالات ونحو 1800 معمل وورشة ومصنع حكومي ومصفاة للنفط و6 ملاعب ونوادي كرة قدم و54 مبنى حكوميا خدميا و29 فندقاً وأكثر من 21 الف وحدة سكنية بين دمار كامل أو شبه كامل ومعامل الغزل والنسيج والكبريت والإسمنت والحديد الصلب. كما دمرت مدينة النمرود والحضر الأثريتين وبوابة نركال وسور نينوى ومتحف نينوى التاريخي مع 11 مصرفاً أبرزها الرافدين والرشيد والشرق الأوسط والخليج والموصل وبغداد. الأممالمتحدة: نزوح نصف مليون من الموصل في الأثناء أعلن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن نحو نصف مليون عراقي نزحوا من الموصل منذ بدء العمليات العسكرية لاستعادة المدينة من قبضة تنظيم الدولة قبل ستة أشهر. وقال ستيفان دوجاريك إن منسقة الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية بالعراق ليز غراندي قدّرت عدد العراقيين الذين ما زالوا في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في الموصل بنحو 500 ألف شخص. وأضاف في مؤتمر صحفي بمقر المنظمة الدولية في نيويورك أن الشركاء في المجال الإنساني يعملون على مدار الساعة لتوسيع مواقع الطوارئ والمخيمات لإيواء مئات الآلاف الذين قد يفرون من المدينة خلال الأيام والأسابيع المقبلة. ونقل دوجريك عن غراندي قولها إن نحو مليوني شخص تلقوا المساعدات منذ بدء القتال لإنقاذ حياتهم وإن المنظمات الإنسانية المتواجدة في الخطوط الأمامية توفر الغذاء والماء والمأوى وإمدادات الطوارئ والمساعدة الطبية بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي. وقد حذرت غراندي من أن العملية العسكرية التي تستهدف المدينة القديمة لم تبدأ بعد في إشارة إلى أن المدنيين يواجهون مخاطر وصفتها بالمروعة. وقالت في بيان لها إن المعركة في غرب الموصل مختلفة للغاية عن المعركة في شرقها.. إنها أكثر قسوة.. هناك المزيد من الإصابات الخطيرة والمنازل دمرت والمخزون الغذائي يتراجع بسرعة والعائلات في خطر بسبب عدم وجود ما يكفي من مياه الشرب. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا خلال زيارة لمخيم قرب الموصل يوم 31 مارس الماضي إلى مزيد من التضامن الدولي لأن جهود المساعدات تعاني نقصا في الموصل. يذكر أن تنظيم الدولة سيطر على الموصل في صيف العام 2014 وتمكنت القوات العراقية خلال حملة عسكرية بدأت في أكتوبر الماضي من استعادة نصفها الشرقي بينما بدأت معركة استعادة الجانب الغربي للموصل يوم 19 فيفري الماضي.