بقلم: حسن أبو هنية* توشك حروب الإرهاب القديمة في سوريا أن تؤسس لبداية حروب الهيمنة الجديدة في المنطقة بطرائق أخرى فمع إعلان قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة عن بدء معركة الرقة واقتراب طرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من المدينة بدأت المنافسة تشتد بين الدول والفصائل المتناحرة في سبيل السيطرة على الأراضي التي خضعت لسيطرة التنظيم. وهي أراض واسعة تمتد من الرقة عبر وادي نهر الفرات إلى الحدود مع العراق والصحراء السورية في منطقة البادية حيث تشتعل شرارة حرب الهيمنة بين أمريكاوروسياوإيران من جهة وبين تركيا وأكراد سورية من جهة ثانية. وتتسابق قوات النظام السوري والمليشيات الشيعية التي يقودها قاسم سليماني قائد فيلق القدسالتابع ل (الحرس الثوري) الإيراني مع فصائل المعارضة السورية المسلحة وداعميه وتنظيم القاعدة وحلفائه لتعزيز النفوذ وفرض السيطرة على الفضاءات الجغرافية التي انتزعت من تنظيم الدولة الإسلامية. في الوقت الذي تعمل فيه المليشيات الشيعية العراقية على استثمار طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة الموصل بالزحف باتجاه المنطقة الحدودية الغربية من العراق لخلق واقع جديد يفضي إلى سيطرة القوات التي تقودها إيران على خطوط الإمداد عبر العراق التي تربط إيرانبسوريا ولبنان تسعى القوات الكردية والعربية السنية المدعومة من الولاياتالمتحدة للسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية لضمان تحقيق طموحاتها بتأسيس كيانات خاصة بها في خريطة سورية المستقبلية في ظل ديمومة حالة الفوضى والتفتيت الواقعي للدولة السورية. من المرجح أن يندلع نزاع كبير بين الولاياتالمتحدةوإيران في السنوات الخمس المقبلة بحسب معهد دراسات الحرب الأمريكي حيث طورت إيران تحالفا فعالا ونشطا وقابلا للتنفيذ بيد وكلائها وذلك بمساعدة روسيا. الأمر الذي سيؤدي إلى إبطال مخططات الولاياتالمتحدة. كما أن إيران تسعى أيضا إلى رفع قدراتها التقليدية وستقاوم الضغوط الأمريكية في القضايا غير النووية وستقاوم جهود السيطرة على قوات الحشد الشعبي في العراق وتزيد نفوذها في الخليج العربي والبحر الأحمر وفي أماكن أخرى مستخدمة قواتها الخاصة أو المليشيات الموالية لها. الحرب المنتظرة في سوريا توشك أن تقع بآليات جديدة في ظل حروب الوكالة بين قوات المليشيات التي تدعمها إيران من جهة والقوات التي تدعمها أمريكا فى المنطقة. ذلك أن هزيمة تنظيم الدولة كأولوية لأمريكا ستتبدل بعد طرد التنظيم من مناطق سيطرته كما ظهر جليا منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بالدمج بين مواجهة تنظيم الدولة وإيران. في ظل انحسار سيطرة تنظيم الدولة في شمال سوريا من خلال قوات سورية الديمقراطية بمكوناتها الأساسية الكردية المدعومة أمريكيا عبر عملية غضب الفرات وبفضل قوات عملية درع الفرات بمكوناتها العديدة من الجيش الحر وبعض الفصائل الإسلامية السنيّة المدعومة من تركيا فقد حسمت تركيا خياراتها بإنهاء حلم الأكراد بإنشاء كيان كردي متصل بين كوباني وعفرين. ولم تعد تركيا تثق بوعود الولاياتالمتحدة التي زادت من اعتمادها على القوات التي تجابه تنظيم الدولة الإسلامية ممثلة بوحدات حماية الشعب الكردية في حملتها ضد داعش في شمال سوريا. ذلك أن وحدات حماية الشعب تتوافر على رؤية سياسية طويلة الأجل من شأنها أن تخلق بيئة مثالية لتنظيم الدولة والقاعدة فوحدات حماية الشعب مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي هو بحسب التصنيف الأمريكي منظمة إرهابية أجنبية تنفذ تمردا ضد الحكومة التركية العضو في حلف الناتو التي أصبحت أقل استجابة للمصالح والمطالب الأمريكية. تحولات جديدة التحولات الجديدة في سوريا سوف تعيد الجبهة الجنوبية إلى واجهة الحرب وهي جبهة شهدت على مدى سنوات الأزمة السورية حالة من التوازن وضبط آليات الاشتباك بفضل عرفة التنسيق المشترك التي تضم مجموعة من دول أصدقاء سوريا وفي مقدمتهم أمريكا والأردن. حيث نجحت جماعات المعارضة العربية السنية المسندة في الموازنة بين دحر تنظيم الدولة الإسلامية والتصدي للقوات الموالية للنظام إلا أن تلك الدينامية سوف تتبدل مع انحسار نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية وتنامي حضور المليشيات الشيعية المدعومة من إيران والنظام السوري. وتنامت خلال الأشهر الأخيرة دينامية جديدة بصورة متسارعة في الجبهة الجنوبية حيث برزت أدوار المليشيات الشيعية التي تعمل تحت إشراف فيلق القدسالإيراني وقائده الجنرال قاسم سليماني. ففي ماي 2017 تمددت هذه المليشيات لتقترب من معبر التنف الحدودي بين سورياوالعراق وسيطرت على الجانب العراقي على معبر الوليد رغم أن من طرد تنظيم الدولة الإسلامية من المناطق الصحراوية حول التنف مقاتلي المعارضة السورية المدعومين من الولاياتالمتحدة. على مدى الأشهر الأخيرة باتت الرسائل بين أمريكاوإيران أكثر عدوانية وسخونة وبدا واضحا أن القوات المتعددة من المليشيات الشيعية التي تقودها إيران تحت قيادة سليماني ستصبح التحدي الأخطر والتهديد المستقبلي الأكبر لقوات الجيش الأمريكي وحلفائه ومصالح الولاياتالمتحدة في سورية. إذ لم يعد خافيا على أحد أن إيران تتبنى استراتيجية تركّز على إقامة جسر بري يصل إلى سوريا عبر الأراضي العراقية الأمر الذي سيقود إلى نشوب صدام حتمي مع قوات المعارضة السنّية المدعومة من الولاياتالمتحدة. برهنت مسارات الأزمة في سوريا على أن الولاياتالمتحدة كانت تفتقر إلى استراتيجية شاملة وواضحة في التعامل مع تطورات الصراع السوري الذي تحول من حركة احتجاج محلي إلى صراع إقليمي ثم دولي. ذلك أن استراتيجية الولاياتالمتحدة ركزت جهودها على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بإخراجه من مناطق سيطرته المكانية المدنية الحضرية دون الالتفات إلى تمدد فيلق القدسالإيراني والمليشيات الشيعية التابعة له في مناطق عدة. رغم أن الاستراتيجية الإيرانية كانت ترتكز منذ بداية الأزمة على هزيمة كافة قوات المعارضة المسلحة التي تدعمها الولاياتالمتحدة. خلاصة القول إن ثمة حرب جديدة بدأت بالتدحرج في سوريا وفي مقدمتها حروب الوكالة الأمريكيةالإيرانية لكن الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع قوات فيلق القدس والمليشيات الشيعية التابعة له تنطوي على صعوبات تتجلى بوضوح عبر محطات معقدة. سواء من خلال التعامل مع الموقف الروسي الذي يساند المليشيات الشيعية التي ترعاها إيران في المنطقة وهو أمر يجعل من السياسة الأمريكية أكثر تقييدا في التعامل مع النفوذ الإيراني في ظل توتر العلاقات الأمريكية الروسية والإعلان عن وقف التنسيق بين قوات البلدين كما يتجلى من خلال تطمينات الولاياتالمتحدة لحلفائها من قوات المعارضة السورية وكذلك الأتراك بأن تركة تنظيم الدولة الإسلامية سوف يتولاها العرب السنّة. فضلا عن تطمين تركيا باستعادة السلاح من القوات الحليفة الكردية بعد المعركة وهي وعود تنطوي على اختلالات وتناقضات تحول دون تقليص النفوذ الإيراني ويؤشر على ولادة حروب أخرى بطرائق جديدة.