ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    بوريل: مذكرات الجنائية الدولية ملزمة ويجب أن تحترم    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحات مجهولة من تاريخ بيت المقدس
نشر في أخبار اليوم يوم 15 - 03 - 2011

بسم الله الرحمن الرحيم ، و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين و بعد :
نبدأ في دراسة صفحات مجهولة في تاريخ بيت المقدس من بعد عام 1098م أو 1099م ، كونها مرحلة متسارعة الأحداث و باعتبارها قد بدأت فيها مرحلة جديدة ، تمثّلت في سقوط بيت المقدس بيد أبناء أوروبا ، بالإضافة إلى منطقة الرها في شمال العراق و أجزاء من آسيا الصغرى (شبه جزيرة الأناضول) ، و بهذا دخل العالم العربي و الإسلامي في مرحلة صراع و دفع للهيمنة الأوروبية الصليبية التي شاركت فيها ألمانيا ، إنجلترا ، فرنسا ، إيطاليا ، و حشدت كلّ قواها لبسط نفوذها على المنطقة العربية خاصة و الإسلامية عامة ..
كان يدعم هذه الحملات الصليبية الكنيسة الرومانية الشرقية البيزنطية التي تدين بالأرثوذكسية ، و الكنيسة الرومانية الغربية التي تدين بالكاثوليكية ، و استمر بيت المقدس أسيراً في أيد الصليبين حتى عام 583ه ..
نلمح في هذه المرحلة أن المقاومة الإسلامية بدأت منذ اللحظة الأولى لاحتلال بيت المقدس و ذلك لكونه يعيش في حنايا و قلوب و عقائد المسلمين و انطلقت هذه المقاومة بقيادة كلّ من عماد الدين زنكي و شيخ الدين غازي و نور الدين محمود و نجم الدين أيوب والد صلاح الدين و أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين و بمعاونة العلماء و منهم القاضي الفاضل العماد – و لم يكن صلاح الدين قد ولِد في تلك الفترة و كان مولده عام 532ه - ، و استمرت هذه المقاومة حتى نجح عماد الدين زنكي في تحرير الرها أول معقل من المعاقل الصليبية في ذلك الوقت و حاصر قلعة من القلاع التي تمركز فيها الصليبيون .
و قاد الحركة الجهادية الله صلاح الدين الأيوبي و وفّقه الله – و قد بلغ من العمر خمسين سنة - لتحرير بيت المقدس و استطاع أن ينظّف المسجد الأقصى و قبة الصخرة من شعارات أعداء الإسلام و يعود نداء الله أكبر يتردّد في جنباتها مرة أخرى ، و كان ذلك في 27 رجب من عام 583ه ، و بعدها أصبح بيت المقدس جزءاً من الكيان السياسي لدولة الخلافة الإسلامية العباسية على عهد الأيوبيين و المماليك و ظلّ كذلك حتى سنة 1918 م ..
و نلمح في هذه المرحلة الهجمة الشرسة التي جاءت من المغول و التتار التي استهدفت الخلافة العباسية التي تشكّل الحصن الواقي الذي يذود عن المسلمين و عقائدهم و عن أمتهم و مقدساتهم ، و لقد قيّض الله لهذه المرحلة قطز و محمد بن قلوون و الأشرف خليل يكسروا غزوة المغول و التتار ، لتتحرر ليس القدس فحسب بل بلاد الشام و شمال العراق و شبه جزيرة الأناضول ، و تنكسّر شوكة أبناء أوروبا في آخر معقل في عكا سنة 692 ه و بعدها أصبحت الشام كلها و العراق و بقية العالم الإسلامي و الجزء الجنوبي من شبه جزيرة الأناضول و شرقها ، و مصر و الشمال الأفريقي أصبحت تشكّل جزءاً من الكيان السياسي لدولة الخلافة العثمانية التي امتدت حدودها السياسية لتشمل إيران و العراق و خراسان و شبه الجزيرة العربية و شبه جزيرة الأناضول ..
و في عهد العثمانيين افتتح محمد الفاتح القسطنطينية و أسماها مدينة الإسلام (إسلامبول) سنة 1453م ، و بعدها انتشر الإسلام في شبه جزيرة البلقان و وصل المسلمون إلى بودابست (المجر) حتى امتدت الحدود السياسية للدولة العثمانية لتشمل شبه جزيرة البلقان ، فكانت صربيا تشكّل منطلقاً للجيوش الإسلامية ، و كانت شبه جزيرة الأناضول تشكّل المنطلق الذي ينطلق منه المسلمون لنشر الإسلام في أوروبا ، و كانت بلاد الحجاز و بيت المقدس تشكّل متصرفية تتبع الباب العالي مباشرة حماية لها من مؤامرات الصليبين و اليهود التي بدا أمرها يظهر بوضوح منذ عهد السلطان سليم الأول.
إذن من خلال دراستنا لهذه الحقبة التاريخية لبيت المقدس تؤكّد لنا حقيقة لا مراء فيها و بما لا يدع مجال للشك أنه لم يكن لليهود كيان سياسي على أرض فلسطين و لم يكن لأبناء أوروبا موضع قدم على أرض بلاد العالم العربي و الإسلامي حتى سنة 1909م و من هنا بدأت مرحلة من تاريخ الصراع بين الشرق و الغرب الصراع بين الحق و الباطل .
و في خضم هذا الصراع و من ضمنه أيضاً وقع في سنة 1909م الانقلاب العسكري الثاني الذي أطاح بالسلطان عبد الحميد الثاني الذي شكّل عقبة حقيقية أمام إقامة كيان صهيوني في أرض فلسطين ، لكونه رفض أن يفرّط بحبة تراب واحدة من أرضها ، و الذي كان يردّد دائماً أن هذه الأرض التي رواها آبائي و أجدادي بدمائهم لا يمكن التفريط فيها ، و عمد اليهود إلى إغرائه بالمال لتسديد مديونية الدولة العثمانية و لكنه رفض بإباء و شمم ، رغم حوجته الماسة لهذا المال في تلك الفترة ، و دوّن بمذكراته أنه ليس من حقه التفريط بشبرٍ واحد من أرض فلسطين ، و على إثر هذا الموقف تم التآمر عليه و الإطاحة به على أيدي الضباط من أبناء حزب الاتحاد و الترقي ، و هكذا انهارت عقبة من عقبات إقامة كيان سياسي صهيوني على أرض فلسطين .
من أبرز ملامح هذه المرحلة من الصفحات المجهولة انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي في بازل بسويسرا عام 1897م ، و الذي تقرّر فيه إقامة الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين ، و فيه دبّروا مكيدة الخلاص من العقبة المستعصية التي تقف في وجههم و هي الخلافة الإسلامية بقيادة السلطان عبد الحميد الثاني ، فجاء الانقلاب العسكري الأول سنة 1908 و الثاني سنة 1909 و الذي انتهى بإقامة حكم العسكر ..
و في هذه المرحلة وقعت الحرب العالمية الأولى و التي صدر أثناءها وعد بلفور ، و ذلك باتفاق بين ألمانيا و إنجلترا و الولايات المتحدة و فرنسا و إيطاليا و روسيا ليشترك الجميع في جريمة غرس هذا الكيان العنصري النازي على أرض فلسطين و بموجبه تم الاتفاق على تمزيق العالم العربي وفق معاهدة سايكس بيكو ، و التي اتفق فيها على أن تغضّ فيها فرنسا و إنجلترا عن الروس في المنطقة الواقعة ما وراء البحر الأسود مقابل أن يغضّ الروس الطرف عن الفرنسيين و الإنجليز في العالم العربي و الإسلامي ...
و قامت الحرب العالمية الأولى و استدرج العرب لدخول هذه الحرب تحت قيادة فيصل بن الشريف بن الحسين ، بعد أن أقنعوه بأنه يمكن أن يكون خليفة على دولة عربية مستقلة ، بشرط أن يتعاون مع أبناء أوروبا من الإنجليز و الفرنسيين الحلفاء في ضرب الجيوش الإسلامية العثمانية التي كانت تحمي فلسطين و بيت المقدس و أرض المسلمين ، و قَبِل الشريف الحسين أن يحارب تحت راية الصليبين أبناء أوروبا ، و هكذا دخلت الشعوب العربية التي ابتليت بهذه القيادة السياسية الحرب إلى جانب ما يسمى الحلفاء الذين تستّروا بستار الصليب ، و اضطر الأتراك أن يخوضوا هذه الحرب بجانب ألمانيا ، و هكذا ضربت ثلاثة جيوش عربية إسلامية عثمانية كانت تحمي بيت المقدس ، و على إثر ذلك دخل الجنرال اللنبي القدس في ديسمبر 1917م قائلاً : "الآن انتهت الحروب الصليبية" ، و دخل الجنرال غورو إلى دمشق و وضع قدمه على قبر صلاح الدين قائلاً : "ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين" ، و تعتبر هذه المرحلة من أخطر المراحل التي نعيش تبعاتها لغاية اليوم ...
إذن لغاية سنة 1918 لم يكن لليهود كيان سياسي في أرض فلسطين ، و لا للاستعمار الغربي موضع قدم على أرض الشام ، كان هناك احتلال إنجليزي لمصر سنة 1882م ، و كان هناك احتلال فرنسي لتونس و الجزائر و المغرب 1830م ، و في سنة 1922 م صدر صك الانتداب من عصبة الأمم بتفويض بريطانيا العظمى لإدارة فلسطين ، بمعنى إبادة و تشريد شعبها و فتح الطريق أمام الهجرة اليهودية ، و أصبحت عصبة الأمم و إيطاليا و فرنسا و إنجلترا و كلّ الدول الأوروبية تدعم المشروع الصهيوني ، و تولّت بريطانيا تيسير هذا الأمر و منذ عام 1918 واصل الإنجليز تهويد فلسطين و تسليمها لليهود...
و لقد أدرك الشعب الفلسطيني ما يدبّر له و أدرك العالم العربي هذه المخطّطات ، و لكن لم يكن يملك من أمره شيئاً ، كون العالم العربي يرزح تحت نير الاحتلال الأجنبي ، فكانت الأمة مكبّلة بالأغلال ، ففلسطين محاصرة ، الخلافة غائبة ، حكام باعوا أنفسهم للإنجليز أو لأعوانهم ، و الشعب الفلسطيني محاصر : من الجهة الشرقية كلوب الإنجليزي الذي كان قائد جيش الأردن ، و من جهة سوريا وجود قوات احتلال فرنسي ، و مصر احتلال إنجليزي ، و استغلال لهذه الأوضاع المزرية قام الإنجليز منذ عام 1918 - 1948 م بدعم من الدول الأوروبية بتشريد غالب الشعب الفلسطيني و سلّموا هذه الأرض للعصابات الصهيونية التي فتحت باب الهجرة لها و في عام 1948 أعلنوا الإنجليز انسحابهم بعدما أتمّوا مرحلة التهويد ، و على إثر ذلك اجتمع ممثلو الكيان الصهيوني ، و أعلنوا قيام دولة (اسرائيل) على التراب الفلسطيني في 14/5/1948م ..
الغريب أن أول من سارع للاعتراف بهذا الكيان المسخ هي روسيا و بعد 6 دقائق اعترفت أمريكيا بالدولة الصهيونية الغاصبة على أرض فلسطين ، و بهذا أوفت بريطانيا بوعدها ؛ وعد بلفور ، و نقضت العهود مع الشريف حسين بدولة عربية مستقلة ، و ما كان له أن ينخدع و لكنه أجرم بحق هذه الأمة لتصديق وعودهم و هم الذين بدون وعد و لا عهد حتى أصبحت فلسطين لقمة صائغة بأيديهم ..
و بعد 14/5/1948 بدأ الكيان العنصري الدخيل يباشر نشاطه بدعم من الدول الغربية الاستعمارية و بدعم من المنظمة الدولية ، و بهذا أصبح الكيان الذي اقتلع شعب من جذوره ، و انتهك المقدسات ، و صادر أرض الغير ، عضواً في المنظمة الدولية ، و يدعم بالرجال و السلاح ، فروسيا فتحت باب الهجرة إلى أرض فلسطين ، و فرنسا هي التي نفّذت المشروع النووي للكيان الصهيوني ، و ألمانيا هي التي زوّدتهم بغواصات نووية و زوارق التوربيد و تدعمهم بالمال و الخبرات لتصنيع الأسلحة الجرثومية و الكيميائية ، و أمريكيا تدعمهم بالمال و السلاح ، و للأسف فإن العالم العربي و الإسلامي بنواقصه وقف مواقفه السلبية و هو يرى هذا الكيان يعلو يوماً بعد يوم و هو لا يحرّك ساكناً .. و نسي الجميع أن القدس وقف إسلامي و فلسطين بتاريخها جزء من عقيدة المسلمين و تحريرها فرض على المسلمين و هو واجب شرعي و ضرورة حياتية لا يعذر منها أحد و نصرة أهلها من عقيدة المسلمين و الأمة حكام و محكومين واقعة تحت تكليف تحرير بيت المقدس ..
في هذه المرحلة التي علا فيها اليهود علوّاً كبيراً كما أخبر الله عز و جل : (وَ قَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَ كَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5)) .. الإسراء ..
هذه المرحلة تحتاج إلى دراسة متأنّية كي نفقه و ندرك بفرض الله على أمتنا لنصرة المسلمون في كلّ مكان يظلمون فيه ليس فلسطين فحسب و إنما العراق و الشيشان كذلك ، يقول ابن قتامة : "إذا سطا العدو على شبر من أرض الإسلام فقد أصبح الجهاد متعلّقاً في رقاب المسلمين ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَ بِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَ مَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَ لَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) .. الحج" ..
في هذه المرحلة لا بدّ من تجلية صفحاتها حتى ندرك من هو الصديق و من هو العدو من يوالي و من يعادي و من الذي رمانا بهذا البلاء ، و ننبّه إلى أن الدول الأوروبية غير جادة بإقامة دولة فلسطينية لا على أرض غزة ، و لا على أرض الضفة ، و لا على وقف العدوان الواقع على أرض فلسطين ، و خريطة الطريق جاءت فقط لكون العدو الصهيوني في ورطة حقيقية ، و في كتاب نشر مؤخراً في مجلة البيان تحت عنوان (الانتفاضة و التتار الجدد) للدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي ، تكلّم فيه أن العدو في ورطة حقيقية ، و الهدف من خارطة الطريق إنقاذ العدو الصهيوني ، و استقطاب مشاعر المسلمين لإخراجهم من ورطتهم في العراق و أفغانستان ، و هم الذين وضعوا الجميع بقاربٍ واحد و عازمين على إغراقهم ، و ما صدر عن أوروبا في إيطاليا مؤخراً بوضع حركة حماس حتى جناحها السياسي على قائمة الإرهاب إلا دليل على عدم جدية الدول الأوروبية بإقامة دولة فلسطينية ، و أن هذا القرار خطّط له بليلٍ دامس و هو ليس وليد 11 سبتمبر أو أحداث أفغانستان ، و الدليل على ذلك سأعرض لكتاب أو كلمات قالها عالم من علماء مصر اللواء الدكتور سلمي محمد أستاذ الاستراتيجية الشاملة في أكاديمية ناصر العسكرية في كتاب له نشر سنة 1996م كتب كتاب (كيف نفكّر استراتيجياً) .. و في صفحة 403 تكلّم في المحور الرابع عن محاربة الإرهاب : ((على الرغم من كلّ هذا فقد نجد أن الاتجاه العالمي هو التعبير بكلمة الإرهاب عن الإسلام ، و بعضهم يضيف وصفاً للإرهاب ليقول الإرهاب الإسلامي ، و هو ما نجده كثيراً في تعبيرات قادة الكيان الصهيوني .. و لذلك تعتبر التعبئة العالمية لمحاربة الإرهاب أحد أهم مكوّنات ثقافة السلام ، و يعبّر بعض أعداء الإسلام بقولهم محاربة أعداء السلام ، و هم يشيرون بذلك إلى مسلمي فلسطين من منظمة حماس ، إلى الجهاد الإسلامي ، حتى منظمة حزب الله التي تجاهد لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني ، و يضيفون إليهم كلّ المجاهدين المسلمين الرافعين لراية الحق في كلّ أنحاء المعمورة)) ، و نبّه الكاتب : ((و لكن الأمة لم تنتبه في حينه و هو أن شعار التحالف الدولي من أجل محاربة الإرهاب الذي يرفعه الرئيس الأمريكي و يوافقه عليه عددٌ كثير من قادة الغرب ، و عدد من قادة الدول الإسلامية ، ما هو إلا شعار يحمِل في طيّاته شنّ حرب عالمية شاملة ضد الإسلام ، لاقتلاعه من العالم إن استطاعوا و لن يستطيعوا لأن إرادة الله اقتضت أن يعلوَ هذا الدين .. (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) .. التوبة .. و كفى بالله شهيداً)) ..
لا بد أن ندرك أن هذه الهجمة الشرسة لا تستهدف العراق فحسب و لا فلسطين فحسب و لا الشيشان و أغانستان ، و إنما تستهدف المملكة العربية السعودية لأنهم يحلمون بخيبر و بني النضير ، و تستهدف مصر لتمزيقها مزّقهم الله كلّ ممزق ، تستهدف أمتنا التي جعلها الله رحمة للعالمين ، الأمة التي أوصاها الله بأهل الكتاب ((لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَ ظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَ مَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) .. الممتحنة))..
نريد من هذه الدراسة أن ندرك أن العالم الغربي و أوروبا غير جادة في وقف العدوان القائم في فلسطين و أن خارطة الطريق لتخدير مشاعر المسلمين و لكن فلسطين محتلة منذ عام 1918 فلماذا لم يتحرّكوا عند صرخة الشعب الفلسطيني في عام 1921 و 1935 بقيادة الشيخ المجاهد عز الدين القسام و عام 1936 الحسيني و حسن سلامة و صرخة 47 و 48 و الدول الأوروبية هي التي مكّنت العدو من قيام هذا الكيان على أرض فلسطين و كبّلوا العالم العربي حتى أصبح للكيان الصهيوني جذور في أرض فلسطين ..
إن وضع حماس على قائمة الإرهاب الأوروبية جريمة و لنا أن نتساءل أين حقوق الإنسان ؟؟ و أين القانون الدولي ؟؟ و أين الحريات ؟؟ فشعب يدافع عن عرضه و مقدساته و عن وطنه إرهابي !!!!!!! ، لماذا إذن حاربت القوات الأمريكية الموجودة في القارتين الجديدتين بقيادة جورج واشنطن الإنجليز ، لماذا حارب الصينيون الإنجليز و دول أوروبا في حرب الأفيون و لماذا ديجول فرنسا قاوم الاحتلال النازي ؟ فالمقاومة مشروعة تاريخياً و قانوناً و شرعاً و العالم كلّه يدرك أن الحق مع الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد الاحتلال الدخيل و لكن رغم هذا يصرّون على مواصلة موقفهم الداعم للكيان الصهيوني لتنقلب الموازين و على إثر ذلك جعلت المقاومة الفلسطينية إرهاباً و تم القضاء على الحريات و الديمقراطية و غيّب القانون على يدي من يطلق على نفسه دول العالم المتحضّر لتقيم البشرية في العهد الرعوي رغم كلّ ما يمتلكوه من وسائل تكنولوجية و علم ..
لا بد من إدراك هذه المرحلة ليعرف العالم كله و الشعب الأمريكي لأن فيه فئات ما زال عندها قيم و مبادئ لذلك نرى المظاهرات قد خرجت في الدول الأوروبية و حتى أمريكا معارضة للحرب على العراق و منهم فئات تريد وقف العدوان على الشعب الفلسطيني و لا بد من تنبيههم أننا في حالة وقف العدوان على أمتنا سنكون لهم أصدقاء ، لكم ما لنا و عليكم ما علينا لأن الله علّمنا ((لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَ ظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَ مَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) ..الممتحنة)) ..
هذه الصفحات المجهولة في تاريخ القضية الفلسطينية لا يمكن فهمها إلا في سياق تحديات العصر التي تواجه المسلمين و هي كثيرة و لا بدّ من التعرّض لها في محاضرة قادمة ضمن سلسة محاضراتنا ((صفحات مجهولة في تاريخ بيت المقدس)) نعرِض فيها لدور الفرد المسلم في وجه تحديات العصر في ضوء الكتاب و السنة و أحداث التاريخ و القدس إحدى هذه التحدّيات لكي نتعلّم كيفية مواجهة هذه التحديات من الأنبياء و على رأسهم محمد صلى الله عليه و سلم ، و من عمر و أبي بكر ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.