حدثان خطيران تزامنا واستحوذا على اهتمام كل الفلسطينيين، ويفترض أن يستحوذا على اهتمام كل العرب والمسلمين الذين تهمهم عروبة القدس، وهما معا يطرحان علينا سؤالاً أكثر خطورة: هل تضيع القدس منا، بل ربما يجب أن نقول هل ضاعت ونحن نتفرج؟! الحدث الأول كان إعلان الحكومة الإسرائيلية عن البدء في بناء (3500) وحدة سكنية جديدة في الأراضي المملوكة للفلسطينيين، بين الكتلة الاستيطانية الكبيرة المسماة (معاليه أدوميم) والقدسالمحتلة، وبإشراف رئيس الحكومة "الإسرائيلية" أرييل شارون. والحدث الثاني الذي تزامن مع الحدث الأول، كان ما كشفته صحيفة (معاريف) "الإسرائيلية"، عن صفقة سرية بيعت بموجبها ساحة عمر بن الخطاب في باب الخليل لمستثمرين صهاينة، بكل ما فيها من متاجر ومنازل، وهي ملك للكنيسة الأرثوذكسية، قام بها موظف سابق في الكنيسة هو نيكولاس بباذيموس. الحدث الأول يكشف عن عبثية النهج السياسي الذي تتمسك به السلطة الفلسطينية في تعاملها مع الاحتلال وقواته وحكومته، باعتمادها فقط أسلوب المفاوضات. تظهر هذه العبثية عندما نجد أن الإعلان عن توسيع مستوطنة (معاليه أدوميم) جاء بعد أسابيع فقط مما سمي (تفاهمات شرم الشيخ)، وبعد أيام فقط من اتفاق الفصائل الفلسطينية مع السلطة الفلسطينية في (إعلان القاهرة) على الهدنة وتمديدها حتى نهاية العام الحالي، وكذلك بعد أيام من مؤتمر قمة الجزائر، هذه القمة التي أكدت على خيار العرب والفلسطينيين الاستراتيجي، وهو (السلام مع "إسرائيل") والذي يقول الرئيس محمود عباس إنه يقوم على (المبادرة العربية للسلام)، وعلى (خريطة الطريق) الأمريكية، وقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية. والمعروف أن كل هذه المسميات تعتبر المستوطنات القائمة غير شرعية، وتطالب بوقف البناء فيها، وعدم تغيير أي وقائع تتعلق بمدينة القدس، حيث إن المستوطنات والقدس والحدود واللاجئين، هي موضوعات تخص ما يسمى (الحل النهائي) للقضية الفلسطينية. ويأتي الموقف الأمريكي الرسمي المؤيد لإجراءات الحكومة "الإسرائيلية" على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، والذي جاء بعد تلعثم وتناقض فاضح، ليؤكد عبثية الاعتماد على ما يسمى الدور الأمريكي في عملية سلام الشرق الأوسط والصراع العربي – "الإسرائيلي". ومنذ احتلال القدس في يونيو 1967، واصلت الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة تغيير معالم المدينة المقدسة على نحو جوهري لتأكيد طابعها اليهودي ومحو طابعها العربي والإسلامي، وعلى حساب الوجود الفلسطيني فيها. وأول إجراء قامت به الحكومة العمالية بعد حرب حزيران هو أنها ضمت مدينة القدس ووسعت حدودها لتضم (70) ألف دونم، إضافة إلى ما يقرب من (28) قرية محاذية للمدينة، وبحيث أصبحت حدود البلدية تضم داخلها (108) كلم مربعة، وهو يمثل 28% من مساحة الضفة الغربية. وفي 28 يونيو/حزيران 67 صدر قانون عن الكنيست اعتبر فيه القدس (عاصمة "إسرائيل"). وفي 30 يونيو/تموز 1980 أكدت الحكومة "الإسرائيلية" على قرار ضم القدس وأعلنت (القدس الموحدة عاصمة أبدية ل "إسرائيل")! أما عمليات مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتوسيعها في القدس وحولها فلم يتوقف منذ اليوم الأول لاحتلال المدينة بغرض عزلها عن محيطها العربي وتحويلها في النهاية إلى مدينة يهودية كما هي تل أبيب مدينة يهودية. إن القدس تضيع أمام أعين الجميع، أعين الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وكلهم يتفرجون. وفي أحسن الأحوال يستنكرون ويشجبون أو يستغيثون، لكن لا أحد يريد أن يفعل شيئا أكثر من ذلك، ولو على الأقل من أجل القدس. شيء محير حقاً، ما قيمة كل التحركات السياسية والدبلوماسية، الفلسطينية والعربية، وما أهمية الشعارات المرفوعة وكل ما يقال حول القدس وفلسطين، وما ضرورة المؤتمرات والندوات التي تعقد، ما دام البرنامج الصهيوني يسير على ما يرام وكما يريد له أصحابه أن يسير؟