بعد الاحتلال الأمريكي والإرهاب الداعشي ** منذ سنوات تعاني محافظة كركوك الغنية بالنفط شمالي العراق من أزمات حادة ألقت بظلالها السلبية على كافة مناحي الحياة جراء الخلافات السياسية على كيفية إدارة المحافظة بين مكوناتها العرقية المتنوعة بين التركمان والعرب والأكراد. ق.د/وكالات كركوك ووفق أحد الآراء تعني باللغة السومرية شعلة النار الملتهبة وهو اسم يجسد بلا مبالغة وضع هذه المحافظة المأزومة بتركيبتها السكانية بل وبثروتها النفطية أيضا. تبعد المحافظة حوالي 240 كم شمال العاصمة بغداد وتبلغ مساحتها 9 آلاف و679 كيلومتر مربع من مجموع مساحة العراق البايغة 438 ألف و317 كيلومتر مربع. ومركز المحافظة هي مدينة كركوك خامس أكبر مدن العراق من حيث عدد السكان حيث يقطنها قرابة 900 ألف نسمة (من أصل حوالي 36 مليون نسمة) وفق إحصاء عام 2014. ** تنوع سكاني في كركوك تعيش مكونات عرقية متنوعية وتتكون المحافظة من قضاء كركوك حيث يوجد خليط من التركمان والعرب والأكراد فيما يضم قضاء الحويجة مدن الحويجة والزاب والرشاد والرياض والعباسي ومئات القرى وتسكنها أكثرية من العرب المسلمين السنة. ويضم قضاء داقوق أغلبية من التركمان المسلمين الشيعة والأكراد ويحتوي قضاء الدبس على أغلبية من العرب المسلمين السنة في وسطه وجنوبه مع أغلبية من الأكراد في شماله. ** ثروة نفطية تتمتع مدينة كركوك بثروات باطنية مثل البترول والغاز الطبيعي ومن أبرز حقولها النفطية هو: حقل بابا كركر العملاق وجمبور وباي حسن الجنوبية وباي حسن الشمالية وآفانا ونانة إضافة إلى حقل كيوي بور. ويقدر الاحتياطي النفطي في كروك بحوالي 13 مليار برميل أي نحو 12 من إجمالي احتياطي العراق. كما تتميز كركوك بخصوبة أراضيها الزراعية وموقعها الجغرافي والتجاري المتميز الذي يجعل منها حلقة وصل بين وسط العراق وشماله. ** الصراع على كركوك وكركوك هي من أهم المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم شمالي العراقي في أربيل حيث يقول كل طرف بأحقيته بالمحافظة. ولتسوية هذا النزاع تنص المادة 140 من الدستور العراقي على خارطة طريق تقوم على إزالة سياسات ديموغرافية اتخذها نظام الرئيس الراحل صدام حسين (1979-2003) في هذه المحافظة لصالح العرب على حساب التركمان والأكراد. وبعدها وفق الدستور يتم إحصاء عدد السكان قبل إجراء استفتاء يحدد السكان بموجبه إذا كانوا يرغبون بالانضمام إلى الإقليم المتمتع بنوع من الحكم الذاتي منذ عام 1991 أو البقاء تحت إدارة الحكومة المركزية في بغداد. وكان مقررا الانتهاء من تطبيق هذه المادة بنهاية 2007 لكن مشاكل أمنية وخلافات سياسية حالت دون ذلك حيث يتهم الأكراد بغداد بالمماطلة في تنفيذ المادة. وسيطرت قوات البيشمركة (جيش الإقليم) على كركوك صيف 2014 عندما انهار الجيش العراقي أمام اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لشمالي وغربي البلاد. وحالت البيشمركة دون سيطرة داعش على كركوك باستثناء قضاء الحويجة الذي استعادته القوات العراقية مؤخرا من التنظيم. ومنذ 2014 يتهم التركمان والعرب في المحافظة أربيل بالعمل على زيادة المكون الكردي في كركوك بغية تغيير التركيبة الديموغرافية في المحافظة لصالح الأكراد وصولا الى إجراء الاتسفتاء وفق المادة 140 من الدستور. وطلبت بغداد من أربيل سحب قواتها من المناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها كركوك لكن الإقليم رفض الانسحاب قبل إجراء حوار حول هذه المسألة. وتصاعد الصراع حول كركوك منذ أن أجرى الإقليم الشهر الماضي استفتاء باطلا شمل المحافظة المتنازع عليها وبعض الأقضية في محافظات ديالى (شرق) ونينوى وصلاح الدين (شمال). وقبل منتصف ليل الأحد/الإثنين الماضيين بدأت وحدات من الجيش العراقي وقوات النخبة وقوات تابعة لوزارة الداخلية إضافة إلى فصائل الحشد الشعبي عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على كركوك. هذه العملية التي أطلقت عليها القيادة العسكرية العراقية اسم فرض الأمن في كركوك تقول بغداد إنها تأتي تطبيقا للدستور بهدف بسط السلطة الاتحادية وحماية الثروة النفطية في كركوك. واعتبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن استقدام وحدات من البيشمركة وأخرى تابعة لمنظمة بي كا كا الإرهابية إلى محافظة كركوك يمثل إعلان حرب على بغداد . ووسط وعيد من البيشمركة لبغداد وتصاعد التوتر في مناطق التماس بين الطرفين جنوبي كركوك دخلت القوات العراقية أمس وسط مدينة كركوك مع نزوح الآلاف من المدنيين الأكراد إلى محافظات الإقليم. وبذلك تضاف إلى العراق أزمة جديدة يبدو أنها ستظل مفتوحة على كافة الاحتمالات بسبب تداخلاتها المحلية والإقليمية والدولية في وقت يفترض فيه بعد اقتراب نهاية الحرب العراقية على تنظيم داعش أن تبدأ عملية ترتيب البيت العراقي من الداخل.