بقلم: عبد الحميد صيام تسلمت عددا من بطاقات المعايدة من بعض المواطنين العرب الغلابى حقيقة أو مجازا لا فرق وأود أن أشارك القراء الأعزاء بعد التهئنة بالعيد نزرا من المعاناة التي يمر بها الملايين من إخوتنا وأخواتنا وأطفالنا وشيوخنا في هذا الوطن العربي الذي حوّله الأعداء والحكام المرتبطون بهم إلى خرائب وأطلال وحقل تجارب للأسلحة الجديدة في غزة والحديدة وإدلب ودرنة والعريش والفاشر وبغداد وطرابلس وصنعاء ومنبج ودير الزور ودرعا والدوار الرابع بعمان وحارة بطن الهوى بالقدس وخزاعة بخانيونس والحسيمة ومقديشيو وسقطرى وسبها. شعوب العالم العربي لا تعرف معنى السعادة الحقيقية في هذا العيد. حروب وتفتت وجوع ومرض وفساد وانقسامات وغارات جوية وألغام وبراميل متفجرة وهدر للأموال وتطبيع مجاني ورعونة حكام عيال يتآمرون مع أعداء الأمة على ما تبقى في المنطقة من كرامة ويحاصرون إخوتهم فيكتشفون أن الحبال تلتف حول أعناقهم. لقد حرفوا بوصلة النضال التي كانت مصوبة نحو القدس لتشير الآن إلى كل الاتجاهات إلا القدس وأطلقوا غول الطائفية ومولوا كل الحركات التكفيرية وأشعلوا العديد من الفتن داخليا وخارجيا. الغلابى من المواطنين العرب يؤكدون لنا أنهم ما زالوا يؤمنون بالأمة العربية المجيدة ولم يكفروا بالعروبة رغم ما ألحق الحكام وحلفاؤهم بهم من قهر وإذلال ويناشدون في بطاقاتهم القصيرة والموجعة أصحاب عمليات الحزم والقهر والكرامة والعصف والفرقان والحشد أن يمنحوهم هدنة لمدة ثلاثة أيام كي يستطيعوا أن يدفنوا موتاهم بدون أزيز الطائرات وقصف المدافع ودوي الرصاص. وتعالوا نقرأ عينة من هذه البطاقات. بطاقة من غزة من يصدق أننا على قيد الحياة؟ معجزة _ حصار خانق من البر والبحر والجو لأزيد من 11 عاما. خضنا فيها ثلاث حروب دموية وأسقط علينا مئات الأطنان من القنابل والمواد المتفجرة وهدمت بيوتنا ومدارسنا ومشافينا ومصادر رزقنا وجفت مياهنا وتلوثت شواطئنا لكننا انتفضنا لكرامتنا وفضلنا أن نموت واقفين وفي ساحات النضال على أن نعيش بذل. فأبدعت عبقريتنا الجماعية مسيرات العودة الكبرى الحضارية والمنظمة والموحدة فأصيب العدو بحالة من الذعر والهلع والجنون. تخلخل الكيان المصطنع وظهرت علامات انهياره فبدا يطلق النار في كل اتجاه ويتصدى لطائراتنا الورقية بطائرات ال أف -16 والصواريخ والمدفعية. رسمنا الطريق لهزيمة هذا الكيان وانهياره بدون سلاح ولا دبابات ولا مقذوفات بدائية. عبدنا طريق العودة بالنجوم الشهداء- من أطفال وصحافيين ونساء وممرضات وشباب ومعاقين. لا نريد لأحد أن يستثمر دمنا ولا أن يدعي أنه يحركنا. نحن لا نعمل لفصيل ولا جبهة ولا حركة ولا أبوات ولا زعماء. نحن ننتفض لكرامتنا ونتمرد على شروط سجننا ونفتح ثغرة واسعة في السياج العنصري الذي يفصلنا عن أرضنا. نشعر بأن العالم تخلى عنا ويعمل على تركيعنا وأولهم الذين يمنعون عنا رواتبنا القليلة ويعاقبوننا لأننا لا نريد أن نركع أو نخون. بقاؤنا واقفين يعري المنهزمين والمهرولين والمطبعين والمنسقين وزوار السر والعلانية. أبناء القطاع المحاصر من الأعداء والإخوة لا يعرفون كيف يحتفلون بالعيد لكنهم لن يساوموا على لقمة الخبز وحبة الدواء مقابل صفعة القرن . تذكروا أن كل ما يجري في عالمنا العربي من مصائب يخدم في المحصلة هذا الكيان السرطاني الغريب الذي زرع في قلب أمتنا بطريقة قسرية وبدأت تفتح له العواصم الواحدة بعد الأخرى. تمتعوا بأعيادكم أما نحن فسنقضي اليوم في زيارات لأضرحة الشهداء. بطاقة من اليمن نحن أهل اليمن أو من تبقى منا لا نعرف الفرق بين يوم العيد وغيره فأيامنا كليالينا ورمضاننا كبقية الشهور لأن صيامنا دائم والجوع يعضنا ليل نهار وفوق الجوع خوف ومرض وقتل وتدمير. أجهزوا علينا بغاراتهم الجوية حيث تأتي أسراب من الطائرات فتلقي حمولتها فوق رؤوسنا في الأسواق والمدارس والمستشفيات والجنازات والأعراس ويعود المرتزقة إلى قواعدهم جذلين بما كسبوا ذلك اليوم ويفرح مصدرو الأسلحة بصفة جديدة من الصواريخ والقذائف والقنابل العنقودية. تجنيد الأطفال ونهب الممتلكات وتدفيع الخاوات وطرد الناس من بيوتهم والاستيلاء على لقمة عيشهم كي يعيش المقاتل ولو مات الناس جميعا. شعارنا في هذا العيد مصائب لو صبت على الأيام صرن لياليا . يمننا يتفتت ويتقسم أمام عيوننا. أكثر من سلطة وأكثر من حراك وأكثر من ميليشيا. هنا. من نجا من الغارة أو الصاروخ أو اللغم الأرضي تلقته الكوليرا أو الجوع. أين نذهب ومع من نقف ولمن نشكو. سامحونا يا أبناء العروبة فنحن الآن لا نعرف هل سيبقى اليمن ويعود يوما إلى حضن العروبة؟ أم أنه في طريقه إلى الفناء كما يتمنى ذلك بعض الإخوة الأعداء؟ بطاقة من سوريا هل من مكان آمن نحتفل فيع بالعيد السعيد من دون خوف من صاروخ أو برميل أو غاز الكلور أو قذيفة أو غارة جوية من طائرات متعددة الهويات أو صاروخ باليستي قذف من حاملات الطائرات أو جماعة تكفيرية تمارس جزّ الرؤوس؟ ثورتنا السلمية الحضارية كما مثلها غياث مطر وحمزة الخطيب وعلي فرزات وإبراهيم القاشوش ومي سكاف وخالد تاجا تم خطفها على أيدي التكفيريين والمتطرفين من أمثال الجولاني والبغدادي والشيشاني والداغستاني والألباني وغيرهم. تحولت سوريا إلى مقبرة وسجن وملجأ ومعبر. بعد سبع عجاف تحولت بلادنا إلى حقول موت و أرض يباب بعد أن كانت دمشق في ما مضى من غابر الأيام تعطي للعروبة شكلها وبأرضها تتشكل الأحقاب . دكت معالمها التاريخية من مسلات ومعابد ومساجد وقبور أولياء صالحين ولم يسلم من ذلك حتى قبر خالد بن الوليد ولا تمثال أبي العلاء ولا قلعة حلب ولا مسجد الأنصاري ولا مملكة زنوبيا في تدمر. دخل حدود سوريا الأغراب الذين لا يهمهم لا الشعب السوري ولا حضارته ولا تاريخه ولا مستقبله ويحاولون أن يفرضوا سلطتهم بحد السيف لدرجة أن الكثيرين ممن انتفضوا تراجعوا وهربوا من النار إلى الرمضاء.. هناك الآن من يفرحون بنصر على تلال من جثث ومدن درست ومخيمات تشتت أهلها للمرة الثالثة أو الرابعة أو العاشرة. سوريا الآن مخردقة مقطعة مجزأة قد تحتاج لأن تحمل عشرين جواز سفر وتتكلم عشرين لغة كي تقطع الحواجز المنتشرة في ربوعها. قررنا نحن الغلابى هنا إلغاء احتفالات عيد الفطر تضامنا مع اللاجئين والمهجرين والمشردين والمسجونين والمجندين قسرا بانتظار حل ما يأتينا من خارج الحدود فكم من جهة تتحدث وتتفاوض نيابة عن السوريين في غياب السوريين. بطاقة من مصر أوضاعنا في مصر لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا. نعيش على هامش الحياة وهامش الدول وهامش التاريخ بسبب حكامنا الذين اغتصبوا ثورة يناير العظيمة وباعوها للبترودولار وفوق البيعة منحوهم تيران وصنافير. تغيرت مصر كثيرا يا أحبتنا وكأن هذه ليست مصر المسالمة الهادئة الصبورة المليئة بالحب والتسامح والإيمان العميق. نحن يا إخوتنا نعيش لحظة تمزق وفرقة وخلاف وشك وخوف وترقب وانطوائية. نحن الآن نعيد إنتاج حكام الفراعنة بل أسوا من ذلك بكثير. هناك من يحصي عليك أنفاسك ويراقب حركة عينيك وأصابعك والأغاني التي تسمعها والتغريدات التي تعجب بها. ويا ويلك وطول ليلك لو نفثت حسرة في تغريدة أو شكوت بعبرة تنحدر على خدودك ستتهم بالعمالة والخيانة والارتباط بقوى خارجية ومحاولة إسقاط الحكم وتأجيج ثورة مضادة وهدم البلد. شهاد الزور موجودون وقضاة مفصلون على مقاس الحاكم جاهزون وأحكام الإعدام بالجملة. أدعوا الله أن تتعافي مصر وتدخل عصر الاستقرار والتقدم والحرية والكرامة لما في ذلك خير لنا ولأبناء أمتنا الكرام الذين دائما يتفاعلون مع مصر في السراء والضراء. أين نحن ذاهبون؟ لا نعرف ولكن نحن في هذا العيد لا نجد ما نفرح له أو به. ملاحظة ختامية- رفقا بالقراء رقيقي القلوب نعتذر عن متابعة قراءة البطاقات الواردة من درنة والحسيمة ومقديشيو والموصل وعمان. *محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي