هذه قصة سقوط غرناطة تعد إمارة غرناطة هي الدولة الإسلاميةَ الوحيدةَ في الأندلس - شبه الجزيرة الأيبيرية - التي ظلت صامدة في وجه الإسبان إلى أن سقطت في 2 ربيع الأول عام 897 ه ما يوافق مثل هذا اليوم 2جانفي 1492 م بتسليم الملك أبو عبد الله محمد الصغير إياها إلى الملك فرديناند الخامس بعد حصار خانق دام 9 أشهر. تأتي تسمية غرناطة من أيام الحكم الإسلامي للأندلس بعد أن فتحها المسلمون الأمويون عام 711 ميلادياً وأسسوا قلعة غرناطة ومن أهم معالم المدينة قصر الحمراء. وقد ذُكِرت كلمة غرناطة في مُعجم البلدان حيث عرّف معناها بِأنّها (الرمّانة) بلغة عَجَم الأندلس وقد سُمّيت بذلك نسبةً لجمالها بالإضافة إلى حصانتها. وقد حملت غرناطة راية الإسلام أكثر من قرنين من الزمان وشاءت الأقدار أن تقيم حضارة زاهية وحياة ثقافية رائعة حتى انقض عليها الملكان: فرديناند الخامس و إيزابيلا وحاصرا بقواتهما المملكة في 12 من جمادى الآخرة 896ه= 30 أبريل 1491 حصارا شديدا وأتلفا الزروع المحيطة بالمدينة وقطعا أي اتصال لها بالخارج ومنعا أي مدد يمكن أن يأتي لنجدتها من المغرب الأقصى حتى تستسلم المدينة ويسقط آخر معقل للإسلام في الأندلس. في الثاني من يناير عام 1492 قام الخليفة محمد الثاني عشر وهو آخر الخلفاء المسلمين في الأندلس بتسليم غرناطة لفرناندو الثالث ملك قشتالة والملكة إيزابيلا الأولى الملكين الكاثوليكيين وبالتالي انتهى حكم المسلمين للأندلس وتم تحديد شروط الاستسلام في معاهدة أطلق عليها (مرسوم الحمراء) وكان من شروطها أن يستمر المسلمون في ممارسة عاداتهم والحفاظ على دينهم. ولقد لقب مسلمو الأندلس في تلك الفترة باسم المُدَجّنُون - جمع مدجّن- وهي كلمة تحولت مع مرور الزمن عند مسيحيي الأندلس في القرون الوسطى إلى موديخاريس وهم المورو المسلمون الذين لم يتنصروا في البداية ولكنهم أجبروا على ذلك في أواسط القرن السادس عشر ثم لُقبوا (بالموروسكيين) أو (المسيحيين من أصل مسلم). أما يهود غرناطة فقد أُجبروا عام 1492 على التحول للمسيحية أو الطرد أو الإعدام وكانوا يُلقبون (المسيحيين من أصل يهودي) أو (Marranos) وتعني في الإسبانية الخنازير. وكانت كِلتا الطائفتين (المسلمين واليهود) تمارس شعائرها في الخفاء - وفق مصادر وروايات تاريخية منها (محمد عبد الله عنان: نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصّرين) و(عبد الرحمن علي الحجي- التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة). يُعد سقوط غرناطة من أكثر الأحداث المهمة التي ميزت النصف الأخير من القرن الخامس عشر في التاريخ الإسباني لأنه وضع نهاية لحكم المسلمين الذي دام أكثر من ثمانية قرون. وقبل سقوطها لم تكن تملك غرناطة سلاحا أقوى من الشجاعة فصمدت إلى حين وظلت المدينة تعاني الحصار زهاء تسعة أشهر وتغالب نكباته وتواجه البلاء بعزيمة لا تلين وحاول الفرسان المسلمون أن يدفعوا الهجمة الشرسة بكل ما يملكون خارج أسوار المدينة لكن ذلك لم يُغن من الأمر شيئا فالأحوال تزداد سوءا والمسلمون تتفاقم محنتهم وانقطع الأمل في نجدتهم من بلاد المغرب. ويذكر (المقري- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) أنه في ظل هذه المحنة القاسية تداعت أصوات بعض القادة إلى ضرورة التسليم حفاظا على الأرواح وكان أبو عبد الله محمد سلطان غرناطة وبعض وزرائه يتزعمون هذه الدعوة واتفق القائمون على غرناطة على اختيار الوزير أبي القاسم عبد الملك للقيام بمهمة التفاوض مع الملكين الكاثوليكيين فرديناند الخامس و إيزابيلا . واستمرت المفاوضات بضعة أسابيع وانتهى الفريقان إلى وضع معاهدة للتسليم وافق عليها الملكان في 21 من المحرم 897ه= 25 من نوفمبر 1491م وكانت المفاوضات تجري في سرية خشية ثورة أهالي غرناطة وحتى تحقق غايتها المرجوة. وفي الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات التسليم عُقدت معاهدة سرية أخرى مُنح فيها أبو عبد الله وأفراد أسرته ووزراؤه منحًا خاصة بين ضياع وأموال نقدية. وما كادت تذاع أنباء الموافقة على تسليم غرناطة حتى عمّ الحزن ربوعها واكتست الكآبة نفوس الناس واشتعل الناس غضبا حين تسربت أنباء المعاهدة السرية وما حققه السلطان وخاصته من مغانم ومكاسب رخيصة فسرت بين الناس الدعوة إلى الدفاع عن المدينة وخشي السلطان من تفاقم الأحوال وإفلات الأمر من بين يديه فاتفق مع ملك قشتالة على تسليم المدينة قبل الموعد المحدد في 2 من ربيع الأول 897ه= 2 من يناير 1492م - (عبد الله جمال الدين- تاريخ المسلمين في الأندلس). وباستيلاء القشتاليين على غرناطة طُويت آخر صفحة من تاريخ دولة المسلمين في الأندلس وقُضي على الحضارة الأندلسية الباهرة وآدابها وعلومها وفنونها.