ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3583 شهيدا و 15244 مصابا    هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموريسكيون في الجزائر (*)
نشر في الجلفة إنفو يوم 06 - 01 - 2017

الله لا إله إلاّ هو، أحمده حمداً كثيراً، وأشكره شكراً جزيلاً، يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأستغفره وأستهديه، وأصلِّي وأسلِّم على من اختاره، لهداية خلقه؛ من الرّسل والأنبياء، وأخصّ نبيّنا محمّدًا، الّذي اصطفاه وخيّره، وجعله رحمة للعالمين. فصلّى الله عليه وسلّم، في كلّ وقت وحين، وعلى آله الطّيبين الطّاهرين، وصحبه طرًّا الغُرّ الميامين. أما بعد:
فقد دار في خَلَدي، مُنذ وقت ليس باليسير، شأنّ يخصُّ فئة، أصبحت الآن، من أمشاج المجتمع الجزائري، وإحدى مكّونات نسيجه الاجتماعي، إنّها فئة جاءت إلى هذا القطر، العزيز علينا جميعًا، الّذي يشكّل حاضنتنا الطّبيعية، ذات النّشأة الإسلاميّة الممزوجة بالمدّ العربي الخيّر، والتّقبّل البربري الأمازيغي الحسن، منذ ما يربو على الأربعة (04) قرون خلت[1]، هاربة ومستجدية، من ويلات، وفحيح، ولهيب، تلك الحرب القذرة العفنة النّتنة، الحاملة بذور الانتقام، والاستئصال، و القتل على الهوية، بلا هوادة، ودون رُقُوب إلٍّ ولا ذمّة، التي شنّها القُوط[2] الملاعين، ومن يدعمهم من الرُّوم الصّهاينة الصّليبين، بعد تسليم مدينة غِرناطة، وهي آخر معاقل دولة بني نصر، أو بني الأحمر، الإسلامّية، في أرض الأندلس (أسبانيا والبرتغال)، يوم 23 المحرّم 897 ه، الموافق 25 نوفمبر 1491 م، سلمًا وليس حربًا، في اتفاقيّة مشهورة، بين السّلطان أبي عبد الله محمّد الثّاني عشر، المعروف بأبي عبد الله الصّغير، آخر ملوك دولة بني الأحمربالأندلس، وبين فيرديناند ملك أسبانيا، واحتوت هذه الاتفاقية سبعة وستين (67) بندًا، تنصُّ على وجوب حفظ حقوق وواجبات المسلمين، وحفظ أملاكهم، وضمان حرية دينهم و معتقدهم.
لكن القوط نقضوا عهدهم وميثاقهم، فأقاموا - وكانوا هم الغلبة عدّة وعتادًا - حربًا عوانًا على المسلمين. فبدّل من بدّل دينه، وقُتل من قُتل، وهاجر قسرًا من هاجر - حفاظًا على أنفسهم ودينهم -. وكانت وجهتهم بلاد المغرب و الشّام.
وكان للعثمانيين - آنذاك - دورٌ فعالٌ وايجابيٌ في هذه الهجرة، وذلك بتمكين الهاربين من الحصول على السُّفن والجرادات، وتوفير الأمن والمؤن لهم. هؤلاء الأندلسيون المهجّرون، كانوا خليطًا من العرب والبربر و الفرس و الأتراك والصقالبة و القوط، تمسّكوا بدينهم، وحافظوا على أنفسهم، واستقرّ بهم الأمر بدول المغرب العربي المعروفة ؛ المغرب و الجزائر و تونس وليبيا، و بالمشرق حيث مصر والشّام. وعُرفوا بعد ذلك بالموريسكيين، وهي تسمية أُطلقت على اّلذين هاجروا أو هُجّروا من الأندلس، بعد سقوط أو تسليم غِرناطة، تحت الضّغط ومحاكم التّفتيش، بداية من (898ه/1492م إلى /1614م). وقد أردت في هذا الشّأن أن أسلِّط الضّوء على الموريسكيين في الجزائر، وذلك في محاولة يسيرة، أظّنّها هي الأولى - في ما أعلم - من حيث ضبطها و دقّتها، وجمع ما كُتب حول الموريسكيين في الجزائر، وطبعها في كتاب لطيف مستقلّ، وقد كُتبت مقالات، وذكرت بعض المحاولات، في هذا الموضوع.
الأندلس (نبذة تاريخية)
الأندلس[3] أو أندلوسيا اسم أطلقه المسلمون الفاتحون على شبه جزيرة إيبريا، في أوروبا الغربيّة، على الأطلسي والمتوسط، والّتي تعرف اليوم بأسبانيا والبرتغال. فتحها المسلمون سنة (92ه/711م)، في خلافة الوليد بن عبد الملك (ت96ه). وقاد جيش المسلمين وقتئذٍ طارق بن زياد [4] مولى موسى بن نصير[5]، في اثني عشر ألفًا، مقاتل، و قيل في 21000 مقاتل، وهزم ملكها ردريق[6]، بآخر قلاعه مدينة شذونة ( قصبة الكُورة)، من كور إشبيليّة.
استوطنها الفاتحون العرب و البربر، و اختلطوا مع سكانها الأصليين القوط ومواليهم، و صارت ولاية من ولايات الدّولة الأمويّة، وتولّى حكمها القائد العربي عبد الرّحمن بن عبد الله الغافقيّ، الّذي مات شهيدًا سنة 114ه/732م، في معركة بلاط الشُّهداء ضد شارل مارتل، وهو أوّل فاتح عربي يدخل مدينة بوردو الفرنسيّة.
دخلها عبد الرّحمن الأول[7]، سنة 138ه/756م، وأسّس بها الدّولة الأمويّة؛ التي سقطت بالشّرق، سنة 132ه /750م، على يد العّباسيين، وقتل حاكمها يوسف بن عبد الرّحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، سنة 139ه/756م، و استقرّ بقرطبة، و بنى بها الرُّصافة، و جامعًا كبيرًا، ودامت خلافته إلى سنة 172ه /788م،وخلفه ولده هشام، الّذي توفي سنة 180ه /796م، ثمّ جاء من بعده ولده الحكم (ت207ه/822م)، ثمّ عبد الرّحمن الثّالث، والملقّب بالنّاصر؛ الّذي بنى مدينة الزّهراء، شمالي قرطبة، تُّوفى سنة238ه /852م، وانتهى حكم بني أُميّة بالأندلس سنة 422ه/1031م، وكان آخر حكّامهم هشام بن عبد الرّحمن المرتضى، المعروف بالمعتدّ بالله، عُزل، وبدأ عهد حكم ملوك الطَّوائف ؛ وهي دويلات صغيرة، حكمها الوزراء و الأمراء من العرب و البربر، و استقلّ كل واحد بمنطقة، وبلغ عددهم أكثر من عشرين حاكمًا [21 حاكمًا] ؛ فبنو عبّاد حكموا إشبيليا أو إشبيليّة، وهم أقوى ملوك الطّوّائف، وبنو زيري حكموا غِرناطة، وبنو ذي النُّون حكموا طليطلة، وبنو عامر حكموا بَلنسية، وبنو هود حكموا سرقسطة، وبنو جَهْوَر حكموا قرطبة، وبنو بِرزال حكموا قَرمونة، وبنو الأفطس حكموا بَطَليوس، وبنو مُزَين حكموا شِلب، وبنو تُجيب حكموا سَرَقُسطة و مَرية، وبنو مجاهد حكموا دانية، وبنو حَمُّود حكموا الجزيرة الخضراء، وزال حكمهم[8] سنة 484ه /1091م على يد المرابطين [9] ؛ الّذين حكموا ردحًا من الزّمن، وانقضى حكهم، على يد الموحِّدين[10]؛ الّذين انهزموا أمام الإسبان، في وقعة العُقاب سنة 609ه/1212م، وبدأ حكمهم يتقهقر، حتى سقطت قُرطبة العاصمة العظيمة، سنة 633ه/1236م،وانتهى حكم الموحّدين فعليًا، عن الأندلس والمغرب، سنة 667ه/1269م، ثمّ جاء حكم بني نصر[11] ؛ أوبني الأحمر؛ الّذين انحصر حكمهم في مدينة غِرناطة، و ضواحيها، و امتدّ من سنة 635ه/1238م إلى سنة 897ه/1492م، وكان حكمهم آخر حكم للمسلمين في الأندلس.
لقد عرفت الأندلس خلال حكم المسلمين لها من 92ه/711م إلى 897ه/1492م حضارة، كانت من أرقى الحضارات؛ التّي شهدتها البشريّة، في كلّ المناحي والاتّجاهات، في العلوم، والفنون، والمعارف، والأعمال، والحكم، و النُّظم، و القضاء، و المواثيق، وشؤون الحرب، والطّب، و الفلاحة، والزراعة، والملاحة، والصّيد، والبيئة... وغيرها. ورُزقت أرضها خيرات متعدِّدة، وعاش قاطنوها، من العرب والبربر والقوط ومواليهم، على تناغم وانسجام و محبّة، وكانت حياتهم بها على أفضل حال؛ من رغد وسَعة وصلاح واستقرار، ممّا ساعدهم على الإنتاج والابتكار والتّشييد و البناء، ولأدلّ على ذلك قصورهم و جوامعهم، التي بقيت مبانيها ماثلة للعيان، إلى يوم النّاس هذا، تبهر الرّائي، و تُمتّعه، وتحيي فيه روح الحنين والشّوق، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحزنه، وتُشعل فيه نار الأسى و الكَبدَ على ذلك الماضي الجميل، وعلى تلك الأرض، الّتي فرّط فيها المسلمون تقصيرًا و ضعفّا من أنفسهم، ومما كسبت أيديهم أولاً، و قسرًا وضغطًا من عدوّهم ثانيا. يقول علي بن سالم الورداني في رحلته، عندما تكلّم على قرطبة:
( دار الخلافة الأمويّة الإسلاميّة، وتحت الحكومة الأندلسيّة نحو خمسة قرون، مجمع العلماء العاملين، و الحكماء الأساطين، والمجاهدين الأوّلين. وهي اليوم ليس فيها من دّيار منهم. ولا رواية عنهم. إذا جاء المحمّدي لبته الآثار، و شاركته الأطلال بلسان الاندثار
لا أنت أنت ولا الدّيّار ديار خفّ الهوى وتقضّت الأوتار
إذا تأمّل المؤمن في هذه العبرة الخالدة، وراجع تاريخ الأندلس، و تفرّق وجهتهم، وتمزّق كلمتهم، وتبدّد طوائفهم، بعد أن كانت العزّة بالله لهم في ظل الخلافة الأموية، علم معنى قوله " فإن كان لله تعالى في الأرض خليفة فضرب ظهرك و أخذ مالك فأطعه وإلّا فمت وأنت عاض بجذل شجرة"[12]. وأدرك سّر نهيه صلّى الله عليه وسلّم في خطبته الشريفة عام حجّة الوداع إذ يقول: " لا ترجعوا بعدي كفارّا يضرب بعضكم رقاب بعض"[13] إذا لو لم يفترق ملوك الأندلس ولم تنقسم طوائفها لما تمكّن الأجنبي فيهم و أصبحت دار خلافتهم وملجأ حكومتهم كأن لم يكن بالأمس. والحكم لله إن قضى أمرًا يقول له كن فيكون.) [14]
ويقول البحّاثة مولود قاسم نايت بلقاسم، وهو يتحدّث عن ازدهار الحضارة و الفكر الإسلاميين في الأندلس: «.....والأرغون، وعاصمته سرقسطة، وما أدراك ما سرقسطة! إنّها معقل حسين بن يحيى الأنصاري، هازم كارلا الكبير (شارلماني)، وراده عن أبوابها طريدًا منحوسًا ! إنّها عاصمة بني تجيب، وبني هود ! إنّها حاضرة الثّغر الأعلى و(جنّة الدُّنيا)، كما يقول الفتح بن خاقان، في قلائد العقيان، وما أدراك ما قلائد العقيان ! نعم إنّها سرقسطة، بلد أبي علي الصّيرفي، وأبي عبد الله السّرقسطي، أستاذ أبي بكر بن العربي، وأبي الفضل بن الدّباغ، و يحيى الجزّار السّرقسطي، وعامر بن خلف السّرقسطي، صاحب كتاب " شرح الحديث "، وسعيد بن فتحون السّرقسطي، صاحب " التّهذيب " في الفقه، المعروف لدى المالكيّة من الأندلس حتى الإسكندرية بإسم الكتاب، والمؤتمن بن المقتدر بن هود، صاحب ((الاستكمال و المناظر))، في العلوم والرّياضيات، في خمسين مجلّدًا ! لعلّ الأبحاث، والحفريات، والتّرميمات الجارية اليوم في قصر الجعفريّة في سرقسطة، الّذي لا يقلّ جمالاً وروعة عن حمراء غرناطة، ستكشف عن بقاياه! وشكرًا لأسبانيا على سياستها الجديدة نحو الآثار الإسلاميّة، الّتي هي آثارنا و آثارها، و بقايانا وديارها !
طِر منها، أيّها الطّائر الحزين، مرورً‏ا بروطة، قارئًا الفاتحة في سهول وشقة الّتي استشهد فيها أكثر من عشرة آلاف مسلم في وقعة واحدة هي المعروفة بإسمها: وقعة وشقة وعلى رأسهم عماد الدّولة بن هود! وابحث لي هناك عن ديوان عيسى بن أبي درهم ! وطف بخيرونة، يا سرب القطا ! وزر قبر حاكمها وحاكم برشلونة سليمان العربي !
ومن هناك حلّق عاليًا، أيّها الطّائر الشّجي، إلى بربشتر، وسلم لي هناك على ابن حيّان، مؤرّخ الأندلس، واسأله عن إنذاره مسلميها: هل كان له لديهم أي وقع وصدى، وأي نفع وهدى، أم ذهب كلّ ذلك عبثًا وسدى، حتّى مزّقتهم سهام ومدى؟
ومن هناك اضربي بجناحيك، يا حمامتي وانقضِّي، رأسًا إلى الوسط والجنوب، ورفرفي على قرطبة، وبلّغي تحياتي ابن حزم، واسترجعي منه طوقك، وابن رشد، واطلبي منه منهجًا أو دليلاً، تواصلين به الرّحلة!
وفي جيان، يا عصفوري الجميل، لا تنس أن تحوم، احترامًا وعرفانًا حول منزل ابن مالك الأندلسي الجياني، صاحب الألفية الثّانية !
وفي غرناطة زُر، أيّها الحمام الزّاجل، عرين زاوي بن زيري، أخي بلكين الأوّل بن زيري ! إنّهم، وبنو برزال في قرمونة، من أهل بلادي، بُناة المجد لا مضيعيه ! وعرّج بلوشة، وزر منزل لسان الدِّين بن الخطيب، واقطف لي منه عمودًا من الطّيب، وغصنًا من ذلك الرطيب ! إيه، حمامي ! إياك ألّا تعرج بشلوبانية، لتستفسر لي أبا علي الشّلوبين عن أمّة الإسلام في باب الحال، وما آلت إليه من محال !
ومرّة أخرى سلِّم لي على ابن حيان، الّذي حذّر من كل ما سيقع، وعلى مكمله في رندة، أبي الطّيب صالح بن شريف الرّندي، الذي سجّله بعد ما وقع !
لكلّ شيئ إذاما تمّ نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
فاسأل بلنسيّة ما شأن مرسية وأين شاطبة ام أين جيان
وأين قرطبة دار العلوم فكم من عالم قد سما فيها له شان
حيث المساجد قد صارت كنائس ما فيهنّ إلاّ نواقيس وصلبان
حيث المحاريب وهي جامدة حتى المنابر ترقى وهي عيدان
وأخيرًا، وأنت من غصن إلى آخر، وليس آخرًا. من بين أغصان الأندلس: لقنت ! نعم ! قبل أن تحلّق من جديد، قف وقفة أخيرة، يا طائري الجريح، في لقنت، مستقصيًا أصل ذلك الاسم العجيب[15]،هل صحيح أنّه يلخّص لبّ المأساة؟[16] .وذكر بعد ذلك قلمرية، وشنترين، وعالمها ابن بسّام صاحب الذّخيرة، و باجة، وعالمها و فقيهها سليمان بن خلف، المكنّى أبا الوليد ؛ والمعروف بالباجي، وشرحه العجيب على كتاب الموطّأ، وأشبونة، أو لشبونة، ويابرة، وشاعرها الفحل عبد المجيد بن عبدون، وصقلية، وابن حمديس.[17]
بداية سقوط الأندلس و آخر قلاعها:
كان ذلك عندما فشا الفساد، وصار عنوانًا ظاهرًا، وصورة تجلّت تقاسيمها، على المجتمع الأندلسي - في عمومه - قيادة وشعبًا. وقد طال هذا الفساد ردحًا من الزّمن، حتى جلب ويلات الهزيمة والعار.
انتشرت الملاهي والقمار والقيان والسُّكر، وكثر الظُّلم والبغي والحيف والفتنة والانقسام، وابتعد الناس عن الصّراط السّوي، وتشبّثوا ببعض هذا الدِّين العظيم، وإن كان أغلب هذا التشبّث كان ظاهريًا. ولاحول ولا قوة إلّا بالله. وللّه الأمر من قبل ومن بعد.
فقل على داركم العفاء * إن لم تدارك أرضها السّماء
يقول البحاثة مَولود قاسم: (... هل كان الشّعر في الأندلس سببًا في انحلال أخلاقها ثمّ سقوطها، أم كان لهما مجرد مرآة و انعكاس ؟). توخّينا أن نكوّن لأنفسنا فكرة عن صحة وبطلان ما يقال أنّ الشّعر في الأندلس، نوعًا من الشّعر، الّذي أصبح هو الغالب، كان سببًا من الأسباب العديدة في انحلال الأندلس، و بالتالي في سقوطها، بما بثّه في النُّفوس الضّعيفة و النّفس أمّارة بالسّوء ! من الميل إلى المتعة الحيوانية، وزرعه من الركون إلى الدّعة و اللّامبالاة، وعوّد عليه الأنفس من الجنوح إلى الاستسلام لدواعي النّصف الأدنى من الإنسان، و دعا إليه من ترك كلّ ما يتصل بالرّوح، والعقل، والمبدأ، والخلق، والقيمة، والمعنى، حتّى السُّقوط إلى الدّرك الأسفل من البهيمية العمياء ! أم كان ذلك الشّعر مجرّد وصف لما حدث لأسباب أخرى، وتسجيلًا فقط لما وقع باستقلال عنه، ولم يتجاوز دور المرآة، وصفحة الماء في عكس الصُّورة القائمة الموجودة بدونها، الموجودة بذاتها ؟ هل كان الشّعر معولاً للهدم و الخراب، وأداة للمحو والإذابة، أم كان مجرد مرآة وانعكاس لما حدث، ومحض تصوير وتسجيل لما وقع ؟ لقد كان رأي الكثير من الملتقين - ونحن نشاطرهم هذا الرّأي إلى أبعد الحدود، وبدون أي تردّد ! - أنّ ذلك الشّعر السّخيف، الخليع، المسفّ، السّاقط، الدّنيء، البذيء، المنحّط، السّافل، السّفيه، الواطيء، العاهر، كان عاملًا أساسيًا في سقوط الأندلس، بإضعاف نفوس أهلها، وإذابة عزائمهم، وشلّ إرادتهم، وتأنيث رجالهم، وتخنيث طباعهم، بما كان يدعو إليه من غلاميات، وخمريات، ووصال، وخلاعة، انتهى بهم كلّ ذلك إلى خلعهم من الأندلس، فتحقّق حلمهم (بكؤوس الخلاعة)... التّي سقوها حتى الثّمالة ![18]. اه
ويمكن تحديد بداية السُّقوط زمنيا، وهو بداية القرن السّابع الهجري، الثّالث عشر الميلادي، عندما خرج الأندلسيون عن طاعة الموحّدين.
يقول الإمام المفسّر القُرطبي (ت 671) تعليقاً على ما رُوي عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، قوله: (إذا كانت سنة تسع و تسعين و خمسمئة يخرج المهدي)[19]: (وقد كان سنة تسع وتسعين و خمسمئة ولم يكن شيء من ذلك. بل كان بالأندلس تلك السّنة وقعة الأرك، الّتي أهلك الله فيها الرُّوم، ولم يزل المسلمون من تلك الوقعة - وهذا محلّ الشّاهد - يرجعون القهقرى إلى أن استولى عليهم العدو، وغلبهم بالفتن الواقعة بينهم، و التّفصيل يطول، ولم يبق الآن من الأندلس إلّا اليسير، فنعوذ بالله من الفتن والخذلان، والمخالفة والعصيان، وكثرة الظُّلم والفساد والعدوان.) اه[20].
ويقول في موضع آخر، عند تفسيره لقول الله تعالى:" كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرّ لكم و الله يعلم وأنتم لا تعلمون".(البقرة/216): (.....وهذا صحيح لا غبار عليه، كما اتفق في بلاد الأندلس، تركوا الجهاد، و جبنوا عن القتال، وأكثروا من الفرار، فاستولى العدّو على البلاد، وأيّ بلاد ؟! وأَسر وقَتل وسبى واسترقّ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون ! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته !) [21]اه.
يقول الشّاعر المجيد أبو المُطرِّف أحمد بن عميرة المخزومي الأندلسي المتوفى 658 ه:
صاحَ بهم صائحُ الرحيل فما فيهم على البينِ واحدٌ سَلِمَا
وجاسَ بالرَّوْع عُقْرَ دارهم من بعد ما كان سِرْبُهُم حُرَُما
ويقول أبو عبد الله محمد بن عبد الله البلنسي ثم التونسي، المعروف بابن الأبّار المتوفى 658ه، مستصرخا بالأمير أبي زكريا بن عبد الواحد أبي حفص التونسي:
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا إن السبيل إلى منجاتها درسا
وسقطت قرطبة ؛ أعظم عواصم الأندلس وقتئذ، ومحطّ العلم و العلماء، في أيدي القشتاليين، سنة (633ه/1236م)، و بدأ مسلسل السُّقوط أوّل حلقاته، ثم سقطت بُلَنْسِية بعدها بسنتين (635ه/1238م)... و توالت الهزائم، وبدأ يتقلّص سلطان المسلمين عن تلك الأرض، حتى انحصر في غِرناطة [22]، وهي آخر القلاع، و جنوب الأندلس حيث الجزيرة الخضراء، وتمكّن القوط من باقي المدن الأندلسيّة لتسقط هي الأخرى، تحت الضّغط و الحصار، و يسلِّمها سلطانها أبو عبد الله محمّد الثّاني عشر، المعروف بأبي عبد الله الصّغير[23]، آخر سلاطين بني الأحمر، أو بني نصر، لملكي أراغون وقشتالة إيزابيلا وفيرديناند، في اتفاقيّة مشهورة، يوم الجمعة 23 المحرّم 897ه، الموافق 25 نوفمبر 1491م، وكان التّسليم الفعلي لها، يوم الاثنين 02 ربيع أول 897ه ، الموافق 02 جانفي 1492م. وتضمّنت الاتفاقيّة سبعة و ستين بندا (67)، نقضها القشتاليون بنداً بنداً، و نكصوا على أعقابهم، وأعلنوا حربهم جهرة على الإسلام، وأهله، وكانوا في ذلك من المعتدين... فعمدوا إلى التّنصير و التّهجير[24]، فلم تكتمل سنة 1500م، حتّى عمّ التّنصير غِرناطة وضواحيها، رندة، وبسطة، والبشرات، ومرية، ووادي آش... وحّولوا مساجدها كنائس، واغتصبوا ما فيها من الحَبوس، ونهبوا وسرقوا ريعها، ومتاعها، ثمّ أحرقوا ما وجدوا من الكتب الإسلاميّة، والعربيّة [25]. ولم يصل بهم الأمر إلى هذا الحّد فحسب، إنّما (بل) تجاوزوه إلى تأليف محاكم التّفتيش، وأعلنوا رسميّا زوال الإسلام عن الأندلس.
أورد الإمام المفسّر القُّرطبي (ت 671 ه) في تذكرته حديثًا مرويًا عن معاوية بن أبي سفيان ( رضي الله عنهما)، أنّ الأندلس ستفتح، ولكن سيتغلّب عليها أهل الكفر، فيأخذون الأموال، ويسبون النِّساء و الولدان، ويهتكون الأستار، ويخرّبون الدِّيار، ويجلو أكثر النّاس عن الأندلس، ولا يبقى فيها إلّا القليل. ثم قال: (قلت كلّ ما وقع في حديث معاوية هذا فقد شاهدناه بتلك البلاد، وعاينا معظمه.)[26]اه
وقد روى أيضًا في تذكرته عن شيخه أبي جعفر أحمد بن أبي حجّة، عند شرحه لقوله " وأن تلد الأمة ربّتها "، قال: سمعت شيخنا الأستاذ المحدِّث النّحوي المقرئ أبا جعفر أحمد بن محمّد القيسي القرطبي، المعروف بأبي حجّة يقوله غير مرّة، وهو الإخبار عن استيلاء الكفار على بلاد المسلمين، كما في هذه الأزمان، الّتي قد استولى فيها العدو على بلاد الأندلس و خراسان، وغيرهما من البلدان، فتُسبى المرأة وهي حبلى أو ولدها صغير، فيفّرق بينهما، فيكبر الولد، فربما يجتمعان، ويتزوّجها، كما وقع من ذلك كثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون. [27] اه
بقي المقاومون من أهل الإسلام، يقاومون، ويدافعون؛ عن هويتهم، وعن دينهم، وعرضهم، ومالهم، وما يكسبون، وأعلنوا عدّة ثورات وغزوات، ولكنها لم تثبت في وجه تلك الهجمة الشّرسة، المشفوعة بالقوة و العتاد، الّتي شنّها القوط، وكانت ضرباتها تأتي على المسلمين تترى[28]. ودام الصّراع و البقاء بتلك البلاد بين الطّرفين ردحّا من الزّمن، وإن كان طرف المسلمين ضعيفًا قليلًا مهزومًا، لكن قوة إيمانهم ودينهم العظيم، حافظت شيئًا ما على بقاء تلك المدّة، فقد ثاروا سنة 1501م، ثمّ سنة 1568م، ثمّ سنة 1571م، ليأتي قرار فيليب الثّالث ملك أسبانيا الظّالم الفاجر، الّذي أصدره في 09 أفريل 1609 م، يقضي بنفي جميع ما بقي من المسلمين عربًا وبربرًا وقُوطًا وفرسًا وأتراكًا وصقالبة، وإجلائهم تمامًا عن أرض الأندلس، أسبانيا و البرتغال حاليا.[29]
هؤلاء المقاومون الأندلسيون الأحرار، الّذين تمّ ترحيلهم وتهجيرهم قسرًا إلى المشرق و شمال أفريقيا، ولم يُبدِّلوا دينهم، و ضحّوا بالنّفس والنّفيس، وأنفقوا ما عندهم في سبيل الله، واختاروا وجهتهم الأولى، الإسلام والعربيّة، لهم النّجاة والرُّضوان الأكبر. فقد استقربهم الأمر بشمال المغرب والجزائر وتونس، وهم الغالبية منهم، للقرب الجغرافي، ومجموعة منهم لا بأس بها اختارت الشّام ومصر، وعُرفوا بعد ذلك بالموريسكيين. أما من بقي منهم، وبدّلوا دينهم كُرها، وانضّموا إلى المجتمع الأسباني، فعرفوا بالمدجّنين. وآخرون منهم لقوا حُتوفهم جريرة ثباتهم على دينهم.
يقول الباحث صالح عبّاد: ( عرف المغرب الهجرة الأندلسيّة في القرون الّتي سبقت سقوط الإمارات العربية الإسلاميّة، الأندلسيّة، فالكثير من الأندلسيين هاجروا إلى فاس الإدريسيّة منذ القرن التّاسع الميلادي، و كانت انتفاضة الرّبض ضد الأمير الحاكم في نفس القرن و فشلها سببًا في هجرة المنتفضين نحو بلاد المغرب. التّجار الأندلسيون هم الّذين أسّسوا مدينة وهران في القرن العاشر الخ. لكن هذه الهجرات المحدودة تحوّلت إلى هجرات جماعية كبيرة، لمّا استولى الأسبان على الإمارات العربية الإسلامية مثل طليطلة و قرطبة و إشبيلية و سرقسطة وبلنسية وغيرها، لأنّ غرناطة لم تتمكّن من استيعاب المهاجرين إليها، فكان لابد من الانتقال إلى المغرب. واشتدت الحركة أكثر بعد سقوط غرناطة 1492 وفشل انتفاضة جبال البشارات (1499/1502). فقد خيّر الأسبان المسلمين في الانتفاضة بين اعتناق المسيحيّة أو مغادرة البلاد. بلغت الهجرة الأندلسية أوجّها إثر قرارات الطّرد الجماعية الّتي أصدرها الملك الإسباني فيليب الثّالث عام 1609. بلغ عدد الفارِّين سنة 1611 وحدها حوالي 275 ألف مهاجر، منهم من انتقل مباشرة إلى الغرب، ومنهم من فرّ عبر جبال البرانس وفرنسا [30].) اه
الموريسكيون في الجزائر
تعريف الموريسكيين: أو الموريسكوس بالقشتالية؛ هم المسلمون الّذين بقوا في أسبانيا بعد سقوط غِرناطة، وزوال حكم المسلمين عن الأندلس تماماً، وخُيّروا بين اعتناق المسيحيّة أو ترك أسبانيا، فأبوا، وقاوموا، وصبروا، ومُورست عليهم ألوان التّعذيب والتّنكيل، فهجِّروا قسرًا من بلادهم[31].
يقول العلاّمة المؤرِّخ المحقق المعدّل مولاي علي الرّيسوني: (الأندلسيون هم الّذين رحلوا أو تمّ ترحيلهم من الأندلس، قبل سقوط الدّولة الأندلسية تماما. أمّا الموريسكيون فهم الّذين تمّ تهجيرهم بعد سقوط آخر قلاع هذه الدّولة، تحت الضّغط، ومحاكم التّفتيش، أو استمرُّوا في العيش تحت حكم الملوك الكاثوليكيين، والّذين تم ترحيلهم أيضًا في عمليات طرد كثيفة ومتتالية، استمرّت حتى حدود 1614م.)[32]اه
وقيل الموريسك هي تصغير لكلمة "مورو"، وذلك للتّحقير، ومورو عند الأسبان هو المسلم، وقيل أنّ كلمة موريسكي بالأسبانية مصدرها كلمة مورو باللّاتينيّة، الّتي تعني سكان شمال أفريقيا.
بدأ خروج الموريسكيين – تحت الضّغط والحصار والتّعذيب – من بلاد الأندلس وتحديدًا من غِرناطة، وضواحيها، سنة 899ه /1493م، وامتدّ إلى سنة 1614م، وقيل سنة 1712م، وتوجّهوا عبر أثباج البحر إلى شمال أفريقيا للقرب الجغرافي كما ذكرت آنفا، ومنهم من توجّه إلى مصر والشّام بالمشرق، وكان خروجهم أوّل مرّة خفيّة، وغير منظّم، مرّة يخرجون أفرادًا، ومرّة يخرجون جماعات وأسرًا، ثمّ صار جهرة، ومنظّم حسب العوائل والأماكن، ويسلكون ثلاثة طرق؛ هي من أرغونة إلى فرنسا، ثمّ إلى تونس، ومن قرطاجنة إلى الجزائر، ومن السّواحل الجنوبية للأندلس إلى المغرب الأقصى، ويكون ذلك كلّه ليلا، وساعدهم في هذه الرّحلة؛ وبالتّحديد إلى تونس والجزائر بنو عثمان (الأتراك)، الّذين كان لهم سلطانٌ على هذين القطرين، وقاد حملة هذه المساعدة الأخوان البحّاران خيرالدِّين بربروس؛ الّذي تُوفي بإسطنبول سنة 1546م، وعرُّوج بربروس ؛ الذي توفي مقتولاً سنة 1518م بتلمسان، على يد الأسبان. فالّذين استقرّ بهم الأمر منهم بالجزائر، كانت وجهتهم ومحطّهم مدن الشّمال ؛ حيث تلمسان، ووهران، والمرسى الكبير، وتنس، ودلس، والقليعة، وشرشال، ومليانة، وتيبازة، والبليدة، والعَربة، وبوقرّة، والجزائر العاصمة، وبومرداس، والقُلّ، والقالة، ومنهم من اختار ؛ وهم الفلاحون منهم، الأراضي الفلاحيّة الخصبة كمتيجة بالوسط، ومستغانم، وتسمسيلت، و سهول الونشريس وسفوحه بالغرب، وسهول سطيف و قسنطينة بالشّرق.
يقول الأستاذ محمّد فكري عبد السّميع:( ملأ الأندلسيون مدينة الجزائر[33] بعد ثورة غرناطة عام 1501م، وما ترتّب عنها من صدور مرسوم يجبرهم على اعتناق المسيحيّة. وكانت وهران بدورها ماضية في إيواء أعداد كبيرة ممّن لجأ إليها من الغرناطيين منذ عام 1493م. وكان الأخوان عرّوج و خير الدِّين بارباروخا يسهلان لهم ومن خلفهما عمليات هجرة الأندلسيين، وكانوا يُجنِّدون المهاجرين في الحملات و العمليات الهجومية على المسيحيين، كما يسّرو لهم الاستيطان في أراضيهم، حيث أفادوا منهم في زراعة الأراضي الخصبة في سهول المنطقة المعروفة بمنطقة متيجة، والّتي تقع ما بين الجزائر العاصمة وبليدة، وذلك في الفترة من 1501م إلى 1529م.وقد ساعد المهاجرون الغرناطيون بانضمامهم إلى صفوف الجيش، الّذي يقوده المدعو " العلج علي"، المورسكيين المتمرّدين في حرب البشارات، على مغادرة إسبانيا [34]، حيث تولّوا تنظيم عمليات نقل الآلاف منهم في أعقاب الهزيمة، التي لحقت بهم [35]) اه
ويقول الأستاذ محمّد القسنطيني: (عند سقوط الأندلس بدأ تنقل الأندلسيين في بادئ الأمر إلى المشرق، ثمّ لمّا كثر عمران المغرب قبيل عصر الضّعف والانحطاط، بدأ انتقال الأندلسيين إلى المغرب، واستقرّوا خاصّة في البلدان كفاس بالمغرب، وعديد المدن المغربيّة، وفي الجزائر عُرفت ثلاث مدن باستقطابهم، وهي تلمسان، والجزائر، و قسنطينة [36]...) اه
وتختلف الإحصائيات في تحديد أرقام المهجّرين جميعًا آنذاك[37]، سواء الّذين توجّهوا المشرق، أو إلى المغرب، أو حتى إلى فرنسا، فقد ذكرت بعض المصادر أنّ عددهم قُدِّر بحوالي (300.000 نسمة)، أي ما يُعادل 04٪ من العدد الإجمالي لسكّان أسبانيا وقتئذٍ [38]، وقيل(350.000 نسمة[39]) أي بنسبة 4.66 ٪. واختلفت أيضا في أرقام الّذين توجّهوا منهم إلى شمال أفريقيا (المغرب، الجزائر، تونس) ؛ يقول المؤرِّخ المغربي محمّد بن عزّوز: ( إنّ المغرب استقبل أكبر عدد من الموريسكيين المهجّرين قسرًا، فهو البلد العربي والإسلامي، الّذي تُوجد به أكبر نسبة من العائلات الموريسكيّة، وهناك مدن أندلسيّة حقيقيّة مثل تطوان وشفشاون [40]) اه.
لكن الخلاف مازال قائمًا لندرة الإحصائيات الرّسميّة المضبوطة، في تحديد البلد المغاربي، الّذي هاجر إليه أكبر عدد من الموريسكيين، فقد قال بعضهم تونس، وقال آخرون الجزائر، فالجزائر فيها مدنٌ أسّسها الموريسكيون ؛ مثل مدينة القليعة، وهي مدينة جميلة، فيها ملامح أندلسيّة، في العمران والحرف والصِّناعات والزّراعة، وبعض العوائل القاطنة بها، تفتخر بأصولها الأندلسيّة، وحتّى مدينة وهران الضّخمة، أثّر فيها الموريسكيون تأثيرًا، في عدّة ملامح، وتحديدًا في اللّهجة الّتي ينطقها الوهرانيون، فهي تحوي 800 كلمة أسبانية[41]، و فيها مدنٌ كانت ميتة، فأحيوها، مثل مدينة شرشال، يقول الباحث صالح عبّاد نقلاً عن الحسن بن محمّد الوزان الفاسي، من كتابه وصف إفريقيا:(....وصف الوزان دورهم في شرشال بقوله: هُجّرت (شرشال) أثناء حروب ملوك تلمسان وملوك تونس، وبقيت خالية من السُّكّان زُهاء ثلاثمائة سنة حتّى سقوط غرناطة في أيدي المسيحيين، فقصدها الغرناطيون إذ ذاك وأعادوا بناء عدد مهمّ من دورها، وجدّدوا القلعة ووزّعوا الأراضي بينهم، ثمّ صنعوا كثيرًا من السُّفن للملاحة و اشتغلوا بصناعة الحرير، إذ وجدوا هناك كميّة لا تحصى من أشجار التّوت الأبيض والأَسْود [42].) اه
وينقل البحّاثة مَولود قاسم نايت بلقاسم عن شارل أندري جوليان، في كتابه تاريخ شمال أفريقيا، أنّ عدد الّذين أنقذهم خيرالدِّين بربروس، من الموريسكيين وجلبهم إلي الجزائر، بصفته رئيس (دولة الجزائريين)، حينذاك، قد تجاور السّبعين ألفا[43](70000). أمّا الإحصائيات الحديثة، فتقول أنّ عددهم في المغرب، بلغ أربعة ملايين نسمة[44] ، وقد يكون العدد نفسه أو أقل أو أكثر في الجزائر. وليست عندنا إحصائيات مضبوطة في هذه هذا الشّأن.
هكذا استقرّ الموريسكيون بالجزائر، و أقاموا فيها، و عمروها، ونقلوا معهم، ما عهدوه من علوم و فنون وتجارب و عمران، بتلك البلاد الجميلة، الّتي افتكّها القوط افتكاكًا، ظلمًا و غدرًا و نقضًا للمواثيق و العهود، وأفادوا بها من وجدوه قبلهم، و تضامنوا فيما بينهم، مُنذ نزوحهم من أرض الأندلس إلى الجزائر، واشترى أثرياؤهم مساكن عديدة ؛ كبيرة وصغيرة، ووقّفوا (أوقفوا) ريعها على حماية فقرائهم وضعفائهم، و كان هذا الرّيع يُدار ويُسيّر بطريقة محكمة من طرف منهم ؛ أي أندلسي (موريسكي). وهم كانوا يعيشون في بلاد خضراء صيفًا وشتاءً، رغد، وخضرة، وأشجار، وحدائق، وبساتين غنّاء، و بروج، وقصور، وصروح فعندما هُجِّروا إلى هذه البلاد، لم يقطنوا الصّحراء، لقساوة و خشونة العيش فيها، إنما اختاروا المتاتيج و السُّهول و سفوح الجبال. وشمال الجزائر أغلبه كذلك، فمن كان منهم يسكن – سابقا - المدن و الحواضر، اختار المدن الكبرى، كتلمسان، ووهران[45]، والشّلف، والجزائر، والبليدة، وحتى قسنطينة، ومن كان منهم يعش في الرِّيف والبراري، فاختار ما يناسبه من بلاد المروج و الخضروات. وقد استعمل الأتراك بعضهم في الجيش، و حتّى في الحرس الخاصّ بهم، فجنّدوهم و قلّدوهم رتبًا وأوسمة، وحظوهم برعاية تامّة، حتّى نالوا ودّهم وولاءهم. فقد لعب الموريسكيون المجنّدون دورًا بارزًا في دعم السّلطة العثمانيّة الحاكمة في الجزائر، والوقوف إلى جانبها، ممّا جعل الكثيرين من أهل الجزائر في استياء مستمر منهم. واستفاد الموريسكيون من هذا التّجنيد، في إنقاذ ما تبقىّ منهم، بالسّاحل الأسباني، الّذين ينتظرون النّجدة، والفرصة للهرب. يقول الأستاذ محمّد فكري عبد السّميع: ( كان الموريسكيون يقومون بتسليح مراكبهم الشّراعيّة، بمساعدة القباطنة الأتراك، و كذلك الفرقاطات، ثمّ يُبحرون مُتجهين نحو تلك المواقع على السّاحل الإسباني، حيث يقيم ذووهم وأصدقاؤهم. وكانوا يدخلون بمساعدة هؤلاء، مرتدين الملابس المسيحيّة، ويتحدثون الإسبانيّة، أو لغة أهل فالنسية. وبذلك كانت تسهل لهم عمليات السّلب والسّطو واختطاف الأسرى، إضافة إلى مساعدة موريسكيين آخرين على الهرب [46].) اه.
وبعض الموريسكيين الّذين سكنوا السّواحل الجزائرية، عُنوا بتعمير الموانئ، وصناعة السُّفن، والقوارب الشّراعيّة، والجرادات، وأعادوا هيكلة الملاحة البحريّة، فأصبحت نشيطة، على طول الخّط السّاحلي ؛ وهران، المرسى الكبير، مستغانم، تنس، الجزائر، دلّس، بجاية، القالة، فجلّهم كانوا أصحاب صنعة ودراية في المجال البحري، اكتسبوها حين وجدوهم ببلدهم الأصلي الأندلس، الّذي تحيطه مياه البحر الأبيض المتوسط ، والمحيط الأطلسي.
أمّا الّذين عُنوا منهم بالفلاحة و الزّراعة وتربية المواشي والدّواجن والنّحل، فقد كانت أغلب زراعتهم في القمح، والذُّرَة، والكَرْمة، والزّيتون، والخضر، والبندورة، والبصل، و الفواكه، والحمضيات، والموز، والأرز، وقصب السّكر، والشّمندر، والقطن، وغيرها، وكلّها تُعرف، وتُزرع في بلدهم الأصلي. فأسبانيا والبُرتغال، من الدُّول الفلاحيّة المشهورة اليوم بأوروبا، وهما المصدر الأوّل لها، في الخضر والبقول والفواكه والحمضيات، وزيت الزّيتون، والأسماك و النّحل.
أمّا البنّاؤون منهم، فقد حافظوا على طريقة البناء الّتي كانت موجودة و مشهورة وقتئذ بالحواضر الأندلسيّة (طليطلة، وبلنسية، وإشبيلية، وقرطبة، وسرقسطة، ومرية، ومرسية، وبطليوس، ومالقة)، واستعملوها في بنائهم، حينما بنوا المباني في بعض المدن الجزائريّة؛ الواقعة في الشّمال، مثل تنس، والقليعة، ودلّس، وبجاية، والقالة، وفي بعض البراري الواقعة قرب البليدة، والشّلف، وعين الدّفلى، وتسمسيلت، والمدية، وكلّ من زار هذه الأماكن الّتي ذكرنا، وكان على علم بفن العمارة الأندلسيّة يلحظ هذا جيّدًا، فبنوا الأحواش [47] وهو بناء معروف ومشهور عندهم، حتّى عُرفوا به، والبيوت الفاخرة، والحمّامات العامّة، والحصون المنيعة، وحتّى المساجد الرّائعة، وحافظوا فيها على فن العِمارة الإسلامية.
وقد اختار الموريسكيون في الجزائر ألقابًا [48] وأسماءً، لعوائلهم وأفرادهم، تتناسب وتتناغم مع أصولهم الأولى، وهم - كما نعلم - أمشاج [49]، فيهم العرب، وفيهم البربر، وفيهم القوط، (وهم السكّان الأصليون بعد الوندال قبل الفتح لأسبانيا والبرتغال)، وفيهم الفُرس، وفيهم الأتراك، وفيهم الصّقالبة، ومع حواضرهم المعروفة أيّام القرون الثّمانيّة بالأندلس، من لدن الفتح الإسلامي، إلى تسليم غرناطة، منها: الأندلسي وهو لقبٌ شائعٌ عندهم، وعند الكثير من العوائل الجزائريّة، ومنها: قرطبي، ومنها: إشبيلي، ويُقال شبيلي، ومنها الشّبلي، وهي مدينة معروفة بجنوب العاصمة الجزائريّة، ومنها: الغُوتي، وهي أصل كلمة قُوطي، و البربر ينطقون غ، أحيانًا ق ؛ وهي نسبة إلى القُوط، وقد تكون الغَوثي، كما هو معروف عند أهل وجدة بالمغرب الشّقيق، وتلمسان، ووهران، وعين تموشنت، بالغرب الجزائري والغَوثي هو المُعين، من معنى المغيث، والنّاصر، والغُوثي نسبة إلى الغوث، وهي مكانة صالحة، عند المتصوّفة، وهو لقبٌ يُخلع على من بلغ رُتبة عالية، في التّزكية، والصّلاح، والزُّهد. و الغيّاث هو الله. ومنها: مرسي، وهو لقب شائع أكثر بمصر، و منها ابن فارس، و هو لقب موجود بالجزائر العاصمة بكثرة، لعوائل من أصول أندلسيّة.
وقد يكون هذا الاختيار أيضًا عند سكان الجزائر الأصليين من العرب و الأمازيغ ؛ وضعوه محبّة في أهل الأندلس ؛ أوتفاخرًا وإعجابًا بماضي المسلمين هناك، وهذا كذلك كثير.
لقد حافظ الموريسكيون على زيّهم، ولباسهم، وفنّ الموسيقى ؛ الّذي كان معروفًا عندهم، وأنواع طهيهم، وعاداتهم في الاحتفال بالأعياد، وجاؤوا بها إلى حيث استقرّوا، ففي الجزائر – مثلا – لاسيما مدن الشمال منها أدخلوا كثيرا من ذلك، فغيّروا شيئًا من عادات اللِّباس والزِّينة، والطّبخ، والاحتفال، وأضافوا موسيقى لم تكن تُعرف عند الجزائريين من قبل ؛ هي الموسيقى الأندلسيّة، وهي أشكال ودروب، كما هو معروف.
يقول الباحث صالح عبّاد: ( لقد نقل الأندلسيون (الموريسكيون) إلى الجزائر أشياء جديدة من العادات و الصِّناعات و الثّقافة، كما هو الشّأن بالنّسبة للموسيقى الأندلسيّة الّتي لازالت حيّة إلى اليوم [50].) اه
وحاولوا في كلّ مناحي الحياة، أن يجعلوا من حياتهم، حياة سعيدة رغيدة، وكانوا في ذلك من النّاجحين (الفائزين). والتزموا المذهب السّائد في الجزائر، وفي شمال أفريقيا ؛ المذهب المالكي، في معتقده، ومنهجه، وفروعه، ولم يحيدوا عنه. وحافظوا على النّسق الدِّيني العامّ، الّذي وُجد قبلهم، وهو من تمام الأمن و الاستقرار، ودرء الفتنة و الشّقاق، عدا القليل منهم، من تفرّق بين المذهب الحنفي ؛ وهو موجود في الجزائر بنسبة لا يُستهان بها، والمذهب الظّاهري ؛ الّذي كان موجودًا بكثرة في الأندلس ؛ وهو أحد المذاهب السُّنّيّة المقرّرة، والقليل القليل منهم، من حافظ على مذهبه القديم ؛ مذهب عبد الرّحمن الأوزاعي، الّذي اندثر، في الأعصر المتأخّرة. واندمجوا في المجتمع الجزائري، اندماجًا كليًا، وصاروا من مكوّناته، ومميّزاته، وبقوا يفتخرون (مفتخرين) بانتمائهم إلى الأصول الأندلسيّة (أصولهم الأندلسيّة).
حقوق الموريسكيين، وواجب أسبانيا اليوم تُجاههم
لم يكن الموريسكيون - قطّ - يطمعون في بلاد غيرهم، وإن كانوا من بني جلدتهم، ويدينون بدينهم، ولهم عليهم حقّ ؛ ما فرضه الإسلام بين المسلمين، بواجب مدّيد العون و المساعدة إليهم. ولكنّهم اضطرّوا اضطرَارًا ؛ لما مُورس عليهم من ألوان العذاب و الاضطهاد الكثير، وتحت ألم الموت والحرمان، إلى النُّزوح والهجرة، واللّجأ إلى ديار الإسلام، للحماية والأمن، وتركوا أراضيهم، ومزارعهم، ومواشيهم، وصنائعهم، وقصورهم، و أحواشهم، وخيراتهم، وكتبهم، وما سطّروه ؛ من فنون ومعارف، في أيدي القشتاليين الظّالمين الغادرين، ومن على شاكلتهم، فاشتغلُّوا ذلك، ونهبوه، وسلبوه، وأحرقوا كلّ ماله صلة بالإسلام والعربيّة، من كُتب، ورسائل، ووثائق، تُعدُّ بالآلاف، فيها زهرة ما أنتجه الفكر المسلم، بتلك البلاد. فالله عاقبة الأمور، والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون.
وقد استلم القوط آخر قلاع المسلمين، وسلطانهم في أرض الأندلس، مدينة غِرناطة وضواحيها، وفق معاهدة، مشهورة، وقّعها أبو عبد الله محمد الصّغير، آخر ملوك بني الأحمر. وملكا قشتالة وأراغون، في 23 المحرّم 897ه، الموافق25 نوفمبر 1491م. وتضمّنت سبعة وستين بندًا، منها أن يحتفظ المسلمون بدينهم، وما يملكون، وتبقى لهم محاكمهم الشّرعيّة ؛ الّتي تقضي بينهم، وفق شريعة الله ورسوله، ومساجدهم، ومقارئهم، ومكتباتهم، وجميع حقوقهم المدنية. لكن ما حوته هذه الاتّفاقية بين المسلمين و القشتاليين، فُسخ بندًا بندًا، من طرف واحد ؛ هو إيزابيلا وفيرديناند. يقول العّلامة المؤرّخ المحقّق المعدّل مولاي علي الرّيسوني: ( لقد جاؤوا إلى المغرب نتيجة قرار تعسّفي، وإجراء ظالم، وتصرّف غير حضاري، وغير قانوني. إنّه عملٌ انتقامي، ونقض للعهد، ورجوع عن الوعد، وعدم تنفيذ لاتفاق رسمي، تمّ توقيعه بإسم دولة إسبانيا. إنّ رجل الدّولة إذا وقّع اتفاقًا، وبصمه بخاتمه، فإنّه يلتزم بتنفيذ جميع ما تتضمنه الوثيقة. هذه عادة متّبعة لدى المسؤولين، الّذين يتحمّلون المسؤولية، وإذا حقّ لكلّ مسؤول أن يتراجع عمّا وقّع عليه، فمعنى هذا أنّه مسؤول طائش، المعاهدة تمت قبل الهزيمة. لقد وقّعت المعاهدة خلال حصار غِرناطة في نونبر من سنة 1491 م، وغِرناطة تمّ تسليمها سلمًا وليس حربًا. ليس من حقّهم أن يتراجعوا، لا في القوانين الدّولية، ولا في العُرف، ولا في الأخلاق. من غير الممكن التّراجع في المعاهدات، والمشين التّراجع عمّا وعدوا به. إنّها معاهدة تمّت وفق القوانين، والأعراف، المعمول بها مع دولة الإسلام، الّتي بقيت في جنوب إسبانيا، في إمارة غِرناطة بعد أن تقلّصت الدّولة الأندلسيّة، مع مرّ السّنين، والّتي كانت تشمل كلّ التّراب الإسباني حاليًا و دولة البرتغال. هذه الإمارة كانت قائمة و يرأسها أمير معترفٌ به، ولذلك فإن المعاهدة الّتي وقّعها مع ملك الكاثوليك، كانت تستوفي كلّ شروط المعاهدات الدّولية، وإلّا لماذا يوقّعونها إذن !؟ إنّ نصّ تلك المعاهدة، كان يتضمّن، أن يراعي الجانب المسيحي كلّ حقوق المسلمين، ولا ينتقص منها شيئًا، في حفظ حقوق وواجبات، وأملاك المسلمين، وحماية وضمان حرية ممارساتهم الدِّينيّة، وحفظ معتقداتهم [51].) اه
هذا هو الصّحيح والواجب علمه وفعله، ونحن هنا إذ نتحدّث عن الموريسكيين؛ لا نتحدّث عنهم عاطفيًا، أو تعلّقًا، أو تسليةً، أو تعجّبًا، فحسب. إنّما نتحدّث عنهم وفق نظرة عقلانية، شرعيّة، منزّهة عن الغُلو ؛ يرتبط معها الاتّعاظ، والتّذكر، والتّنبيه، وطلب الحقوق، ممّن سبّب لهم الأسى، والمحن، والويلات، والحرمان، في أبشع صورة ؛ عرفتها البشريّة، للاضطهاد الدِّيني، للمسلمين، الّذي لازالت تتكرر صوره، في هذه الأزمنة الّتي نعيشها. وقد قام البرلمان الأسباني، إثر جهود وضغوط وتحرّكات جمعويّة، لأحفاد الموريسكيين، تصبُّ في هذا المنحى، بفتح هذا الموضوع، وتشريع قانون ينصّ على ردّ الاعتبار لأحفاد الموريسكيين ؛ الموجودين في شمال أفريقيا، وتوطيد العلاقات الثّقافية والاجتماعية والاقتصادية معهم. وهذا طيّب، لكنّه غير كاف، فالواجب الاعتذار الرّسمي إليهم، من طرف الدّولة الأسبانية، عن تلك الجريمة الشّنعاء ؛ الّتي مُورست في حقّ أجدادهم، وتعويضهم جميع الحقوق و الممتلكات، في تلك البلاد، وتسهيل عملية عودتهم إليها، وحصولهم على الجنسيّة الأسبانية، فالمسلمون الأسبان، الّذين طُردوا قبل أربعة قرون لم يكونوا غرباء عن تلك البلاد الّتي طُردوا منها، إنّما كانوا أصلاء فيها، وهم شريحة لايستهان بها، من شرائح المجتمع الأسباني، والإسلام جزء مُتجذّر في هويته، وإن كان أغلب الموريسكيين ؛ الموجودين – على الأقّل – في الجزائر، لا يرغبون كثيرًا، ولا يودُّون العودة إلى بلاد أجدادهم (أسبانيا و البرتغال)، فقد استقر بهم الحال، أكثر من أربعة قرون مضت، و انسجموا انسجامًا متناغمًا مع المجتمع الجزائري، وأضحوا شريحة من شرائحه، لا تنفك ولا تذوب، وحافظوا على هويتهم ودينهم، وعملوا وانتفعوا، وانتفع المجتمع الجزائري منهم. ويحقُّ لهم أن يعودوا إلى بلادهم الأصليّة. وقد فعلت أسبانيا هذا مع اليهود، فاعتذرت إليهم سنة 1992م، وقرّرت منح الجنسية الأسبانية سنة 2012م لأحفادهم ؛ الذين طُردوا منها، سنة 1492م. ويمكن تحديد الموريسكيين الموجودين في شمال أفريقيا، وفي غيره، بتتبّع أماكنهم وآثارهم وطرقهم وأسمائهم وأنسابهم، وضبط ذلك في قوائم وسجلات ؛ وهو عملٌ ضخمٌ، يتطلّب جهدًا بشريًا وماديًا كبيرًا، تقوم به الحكومات العربية [52]، بالتّنسيق مع أسبانيا[53]، ورعاية هيئة الأمم.
تواريخ مهمّة في تاريخ الأندلس
1)- 92 ه / 711م. تاريخ فتح الأندلس [ أسبانيا والبرتغال ].
2) - 422 ه /1031 م. سقوط الخلافة الأموية بأرض الأندلس.
3)-479ه /1086 م. معركة الزلاقة، وانتصار المرابطين على الإفرنج بأرض الأندلس.
4)- 484ه / 1091م. زوال حكم ملوك الطوائف في الأندلس.
5) -609ه / 1212م. زوال حكم المرابطين في الأندلس.
6) -633 ه/ 1236م. سقوط قرطبة، وصار حكمها بيد القشتاليين.
7)- 635 ه / 1238م. سقوط بُلنسية، أوبلنسية [فالنسيا].
8)- 667ه / 1269م. زوال حكم الموحدين في الأندلس والمغرب.
9)- 897ه / 1492م. سقوط (تسليم) غرناطة تحت الحصار، في اتفاقية مشهورة يوم الجمعة 23 المحرم 897ه، الموافق 25 نوفمبر1491م. والتسليم الفعلي كان يوم الاثنين 02 ربيع أول 897ه، الموافق 02 جانفي 1492م.
10)- 904ه - 907ه / 1499م –1502م. انتفاضة جبال البشارات.
11)- 906ه - 1501م. أول ثورة للمسلمين بغرناطة على قرار تسليمها.
12)- 907ه - 1502م. صدور مرسوم التنصير وتعميمه على جميع أراضي الأندلس.
13)- 927ه / 1521م. معركة الرعاع، و انتصارهم على القشتاليين وتأييدهم للبلنسيين.
14)- 933ه / 1527م. بداية التهجير القسري لمسلمي الأندلس.
15)- 975ه - 978ه / 1568م – 1571م. نشوب حرب غرناطة.
16)- 978ه / 1570م. نهاية العرب بالأندلس.
17)- 05/01/1018ه / 09/04/1609م. صدور قرار فيليب الثالث بطرد الموريسكيين عن أرض الأندلس جميعا.
18)- جماد ثان 1018ه / سبتمبر1609م. المباشرة في تطبيق قرار فيليب الثالث المشؤوم بطرد النهائي لمسلمي الأندلس و إبعادهم عنها بشتى الطرق و الوسائل.
19)- 1023ه / 1614م . ظهور بشكل جلي وواضح محاكم التحقيق، أوما تعرف بمحاكم التفتيش.
20)- 1124ه / 1712م. آخر تهجير لمسلمي الأندلس و جلائهم منها تماما وزوال بقائهم بها نهائيا.
(*) الموريسكيون في الجزائر: تأليف للشيخ "سعيد هرماس" يسلط الضوء على الأندلسيين المهجرين قصرا من بلادهم إلى الجزائر منذ ما يزيد على أربعة قرون خلت، وقد طبع كدورية في المغرب الشقيق عام 2015م، وهو يقع في حوالي مائة (100) صفحة ...
(**) للموضوع مصادر و مراجع
صورة تحاكي طرد الموريسكيين من ميناء دينايا
صورة لمحاكاة ركوب الموريسكيين في القوارب من بلنسية ( فالونسيا )
صورة لنزول الموريسكيين في ميناء وهران
هوامش
[1] - بين سنة 1609م، وسنة 1614م، تمّ التّهجير القسري للموريسكيين تحت التّعذيب، وأشد ألوان العنف و القسوة ؛ من القتل والتشريد. أو ما يُعرف بمحاكم التّفتيش.
[2]- هم سلالة استولت على أسبانيا و الأرغون والبرتغال، بعد الوندال , وقطنت فيها، قبل أن يفتتحها المسلمون سنة 92ه /711 م، وجعلت مدينة طليطلة عاصمة لنفوذها، وجعلت من مدينة سبتة المغربية بوابة لنفوذها وسيطرتها على بربر تازة، وسجلماسة، ومكمهون، ونيرعاس، وتوهات، ومغراوة، وجراوة، وبني يفرن في الأوراس. ولم تكن مدينة سبتة فقط نفوذاً للقوط، فقد كانت أيضا عيناً للرُّوم. وكان آخر من حكمها قبل فتحها، القونط (الدوق) لوليان، وهو رجل حكيم ذو بصيرة ٍ، ساعد المسلمين في فتح الأندلس.
[3] - الأندلس الصغرى هي : المرية و غرناطة وجيان و قرطبة و مالقة وقادس وإشبيلية وولبةوبيتكا و النهر الكبير.
[4]- طارق بن زياد، أصله من البربر، ولد سنة 50ه/670م،أسلم على يد موسى بن نُصير، وأصبح من أشدّ وأقوى رجاله، ولي طنجة سنة 89ه توفي سنة 102ه/720م، في خلافة يزيد بن عبد الملك (ت105ه). - الأعلام للزّركلي، جزء03، ص313.
[5] - أبو عبد الرّحمن موسى بن نصير اللّخمي، أصله من عين التّمر بالشّام، ولد سنة 19ه/640م، افتتح بلاد المغرب، و كان فاتحًا مغوارًا شجاعًا شهمًا. ولي القيروان. توفي سنة 97ه/715م، في خلافة سليمان بن عبد الملك (ت99ه). - البداية و النهاية لابن كثير، جزء 05، ص (287-289).
[6] - ردريق أو روزريق أو أذرينوق ملك أسبانيا و البرتغال، قتل ريتشارد، واستولى على الملك، ووالى الرُّوم، عاداه أعيان القوط ؛ أوباص، ولوُليان، و سيزوت....، و انتقموا منه، عندما حلّ المسلمون بقيادة طارق بأرض مملكته.
[7]- وهو عبد الرّحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي، ولد سنة 113ه/731م بدمشق، هرب من ملاحقة العبّاسيين إلى أفريقيّة ودخل الأندلس و نزل في المُنكّب، و جمع أنصاره واستمال غيرهم، فبايعوه، واستقرّ له الأمر، إلى أن تُوفى سنة 172ه/788م، لُقب بالدّاخل،لأنّه أوّل من دخل الأندلس من سلاطين بني أميّة، وسُمي أيضًا صقر قريش لشجاعته وشدّته وبأسه.
- البداية والنّهاية لابن كثير، الجزء الخامس (05)، ص (454).
الأعلام للزّركي، الجزء الرّابع (04)، (113/114).
[8]- قال الشاعر أبو علي الحسن بن رشيق المسيلي ثم القيرواني ثمّ المازري (ت463ه):
ممّا يزهدني في أرض أندلس أسماء معتمد فيها و معتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
وقيل قالهما الشاعر الوزير ابن عمار(ت477ه).
[9] - المرابطون أو الملثّمون سلالة من قبائل البربر، من لمتونة تحديدًا ؛ وهي إحدى بطون صنهاجة، حكموا المغرب والأندلس، وأسّسوا دولة قوية ؛ من سنة 448ه/1056م إلى 541ه/1147م، زال حكمها على يد الموحّدين. أشهر حكّامهم يوسف بن تاشفين ت (500ه/1106م) ؛ الّذي قهر الأفرنج في معركة الزَّلَّاقة سنة 479ه/1086م، وأنهى حكم ملوك الطّوائف، ونفى المُعتمِد بن عبّاد حاكم إشبيليّة إلى أغمات بالمغرب، سنة 1091م، في خبر يطول ذكره.
[10] - الموحّدون أو المؤمنيّون، نسبة إلى عبد المؤمن بن علي ت (558ه/1163م) خليفة القائد ابن تومرت ( ت (524ه/1130م )، وهم سُلالة مغربية، أسّسوا دولة كانت من أقوى دول المغرب الإسلامي، من سنة 515ه/ 1121م إلى 667ه/1269م، وامتد نفوذها إلى الأندلس.
[11] - هم سلالة عربيّة، حكموا في الأندلس، واتخذوا من مدينة غِرناطة عاصمة لدولتهم، قائدهم الأوّل المؤسِّس هو محمّد بن يوسف بن نصر، المعروف بابن الأحمر، الّذي شيّد قصر الحمراء، المعروف، والموجود إلى يوم النّاس هذا، امتدّ حكمهم من سنة 635ه/1238م إلى 897ه/1492م .
[12] - رواه أحمد وأبو داود من طريق نصر بن عاصم، عن سُبيع بن خالد، عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه). وأورده العّلامة الألباني في الصّحيحة، برقم (1791). وجاء أوّله بلفظ: (( إن كان لله خليفةٌ في الأرض...... )) الحديث.
[13] - رواه البخاري و مسلم و أبو داود.
[14] - الرِّحلة الأندلسية لعلي بن سالم الورداني، تحقيق عبد الجبّار الشّريف، ص(65/66).
[15] - يقال أنّ الإسبان العارفين بعادات إخواننا الأندلسيين –وهلهم وحدهم في ذلك ؟! - كانوا يتحينون السّاعات الأخيرة من اللّيل، أو الأوّلى من الصّباح، كما شئت، للانقضاض عليهم، إذ هي السّاعات الّتي يسترخون فيها، بعد الخمريات، والغلاميات، والقيان، والعربدة، و الشّطيح! ولذا قرّر الإسبان هذه المرّة أيضًا كما في كثير غيرها !- مفاجأتهم في مدينة لقنت، قبيل أذان الفجر، وقالوا : نباغتهم «قُبيل أن يغني علي! )) أي قبل أن يؤذن علي أذان الفجر لصلاة الصبح ! بالإسبانيّة ((قبل أن يغني علي! )) ante que alicante» بالفعل المنصوب للمفرد الغائب subj cante من contare فأدمج علي ali وغناؤه cante فأصبح الإسم alicante .
هل لهذه القصّة من أصل حقيقي ؟ أم هي مجرد رمز ؟ على كلٍّ تنطبق الحكاية كلّ الانطباق على عادات القوم، واللّوم : كلّ اللّوم :على أهل النّوم ! أين كنت يا عمر؟! وأنت يا صلاح الدِّين ؟! مولود قاسم.أصالية أم انفصالية، ج02، ص 131.
[16] - أصالية أم انفصاليّة لمولود قاسم، ج : 02، ص (127131 ).
[17] - أصالية أم انفصاليّة لمولود قاسم، ج : 02، ص (131133 ).
[18] - أصالية أم انفصالية لمولود قاسم، ج : 02، ص (9798 ).
[19] - الأثر فيه مقال.
[20] - التّذكرة بأحوال الموتى و أمور الآخرة للقرطبي، ج : 02، ص 359.
[21] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج :02، ص 168.
[22] - يقول العلاّمة المحقّق الكبير الأستاذ الدّكتور محمّد بنشريفة : ( عرف العصر الغِرناطي ازدهارًا علميًّا ممتازًا، وهو في الواقع ليس سوى استمرار و امتداد لما قبله. ويتجلّى هذا الازدهار في الكّم و في الكيف، يشهد للأوّل هذا العدد الكبير من أعلام مملكة غرناطة في مختلف فروع المعرفة، ويدلّ على الثّاني أمثال ابن الخطيب والشّاطبي وابن الأزرق وابن عاصم وابن ليون وابن لبّ والقلصادي، وغيرهم، ممّن تركُوا أثارًا أدبية وعلمّية، ما تزال فاعلة ومؤثّرة في الثّقافة العربية عمومًا، والثّقافة المغربيّة خصوصا إلى يومنا هذا. وعلى مدى قرنين ونصف أنجبت مملكة غرناطة أجيالا من العلماء، تعاقبوا على تحمّل الأمانة والنهوض بالرسالة جيلا بعد جيل ) اه، ويقول أيضا : ( يمكن تصنيف أعلام غرناطة في خمس طبقات، أو خمسة أجيال، حسب الاستعمال الشائع، ويمكن التمثيل بابن الجياب في الطبقة الأولى، وابن الخطيب في الطبقة الثانية، و أبي بكر بن عاصم في الطبقة الثالثة، و بأبي يحي بن عاصم في الطبقة الرابعة، وبابن الأزرق في الطبقة الخامسة) اه ، فهرسة المِنتوري، ص 11.قلت عدد المسلمين الذين كانوا موجودين بغرناطة وضواحيها(قبل سقوطها) هو مليونان وأربعمئة ألف نسمة (2400000 ن).
[23] - في كوكبة من رجاله و أفراد أسرته.بكى ورقرقت عيناه بالدموع على فراق غرناطة , فصاحت به أمه عائشة قائلة : أجل فلتبك كالنساء ملكا لم تدافع عنه كالرجال.
[24] - بعد تسليم غرناطة بقي القتل و التشريد و الحرب القسرية على المسلمين لمدة خمس سنوات متتاليات(متواليات).
[25] - كان ذلك في حدود أكتوبر 1501 م.قلت عدد المخطوطات التي أحرقها القوط بعد سقوط غرناطة هو ثمانون ألفا(80000 مخطوط)، بقي منها ألفان (2000) موجودة في مكتبة أسكوريال بأسبانيا (حاليا).
[26] - التّذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي، ج02، ص 349.
[27] - التّذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي، ج02، ص 376.
[28] - جبال شمال شبه جزيرة إيبريا التي لم يفتتحها المسلمون , كانت هي مكمن الخطر عليهم, فقد تجمع بها القوط الملاعين , وقامو بضربات موجعة ضد المسلمين.
[29] - يذكر البحاثة مَولود قاسم نايت بلقاسم، أن المسلمين بقوا مصابرين مرابطين مقاومين محافظين على دينهم، وكانت آخر ثورة لهم ضد القوط الصلبيين في سنة 1712 م. وأكد ذلك. أصالية أم انفصالية، ج01، ص 98.
[30] - الجزائر خلال الحكم التركي لصالح عباد ( 1514 – 1830 )، ص19.
[31] - تحديد المعنى الحقيقي للموريسكيين :هم أعداد أظهروا النصرانية و أبطنوا الإسلام بعد سقوط غرناطة و حملة التحقيق و التفتيش القوطية. وقال بعضهم : هم العرب و البربر و القوط الذين بقوا مقاومين للتهجير و التنصير القسري , ثم خرجوا تحت الضغط الوحشي , إثر الطرد النهائي سنة 1609م , و كانوا يعيشون بغرناطة و قشتالة وبلنسية وأرغون و ليون وقطالونيا ونافار و البرتغال(حاليا).أما الأندلسيون المواركة-تحديدا- هم العرب الذين بقوا في قشتالة و مملكة غرناطة , إثر صدور مرسوم التنصير سنة 1502م.
[32] - حوار مع الشّيخ علي الرّيسوني حول الأندلسيين. جريدة المساء المغربيّة.04/06/2007 م.
[33] - أصبحت مدينة الجزائر في العهد التّركي أكبر مدينة جزائرية، في عدد السّكان.وأكثر تطوّرًا و نماءً و ازدهارًا، و أصبحت هي عاصمة البلاد، تأتيها الإتاوات و الضّرائب و الرّسوم، وغنائم البّر والبحر، وفيها أخلاطٌ من النّاس، وكان للأندلسيين المهاجرين إليها تأثير كبير عليها (فيها).
[34] - يقول الباحث صالح عبّاد : ( كان الأندلسيون يخبرون الأتراك بتحرّكات الأسطول الإسباني كما سوف يحدث سنة 1601، كما كانوا يسهّلون عمليات القرصنة بالاتّفاق مع المهاجرين منهم إلى الجزائر. كان المهاجرون يسعون بدورهم لإثارة الباقين من إخوانهم في شبه الجزيرة الإيبرية، كما حدث سنة 1562، حيث رجع أحد هؤلاء المهاجرين مع مجموعة من الأشخاص من الجزائر إلى بلنسية لإثارة الانتفاضة، إلّا أن السّلطة الإسبانية ألقت عليه القبض.لاشك في أن الأتراك كانوا يشجّعون مثل هذه الانتفاضات ضدّ عدوّهم الأكبر إسبانيا. ) اه
الجزائر خلال الحكم التركي 1514 1830، ص ( 91 ).
قلت و كان للقائد علج علي دورٌ كبير في تفجير الانتفاضات في شبه الجزيرة (الأندلس) و إثارتها، وفي حماية المهجّرين منها، وقد حاول مرارًا وتكرارًا في إنجاحها، بإرسال المُدد والذّخائر و الأسلحة، وحتّى جنود الإنكشارية،عبر السُّفن و القِطع البحرية، إلى سواحل مرية، وإعداد الخطط لاستعادة غِرناطة، لكنّ الحظّ لم يسعفه.
[35] - مقالة "موريسكيون في الجزائر"، محمّد فكري عبد السّميع، المجلس الأعلى للثّقافة، الطّبعة الأولى 2006م .
[36] - محمّد القسنطيني paleominius Benz. 11:53:03. 2013/08 /19. النّت.
[37] - بلغ عدد الموريسكيين حسب تقديرات سفير البندقية , في أواخر القرن السادس عشر الميلادي (1580م-1590م)زهاء ستمئة ألف نفس(600000)، وقيل أربعمئة ألف نفس (400000). ووجدت في بعض المصادر أن عدد العرب الذين نفوا من الأندلس، و تم إجلائهم عنها، بين سقوط غرناطة، و العقد الأول من القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادي، قد بلغ حوالي ثلاثة ملايين (3000000).
[38] - مقالة مفصّلة : طرد الموريسكيين من إسبانيا.
[39] - موريسكيون، من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، موريسكيون، التعداد الكلي 350.000 نسمة "القرن السّادس عشر".
[40] - مقالة مفصّلة : طرد الموريسكيين من إسبانيا.
[41] - مقالة مفصّلة : طرد الموريسكيين من إسبانيا.
[42] - الجزائر خلال الحكم التركي ( 1514 – 1830 ) لصالح عبّاد ، ص (19).
[43] - أصاليّة أم انفصاليّة، لمولود قاسم، ج01، ص(95).
[44] - إحصاء2007م، المغرب،عدد السكان الإجمالي 35 مليونًا. نسبة الموريسكيين في المغرب حديثًا تقدر ب 11.40٪.
[45] - قيل أنّ كلمة وهران أصلها مُوريسكي، و هي مُثنى لكلمة وهرن، و تعني بالعربيّة الأسد. وهران : الأسدان. و الله أعلى و أعلم.
[46] - مقالة : موريسكيون بالجزائر. محمّد فكري عبد السّميع، المجلس الأعلى للثّقافة،الطّبعة الأولى 2006م.
[47] - ومفردها حوشٌ، وهو فناء الدّار، أو ما حول الدّار، أو الحظيرة ؛ مكان محاطٌ تُصان فيه الحيوانات. أما المصطلح المقصود من الحوش، فهو ذلك البناء، الّذي عُرف به الموريسكيون في عمرانهم.
[48] - الوضع الفعلي للألقاب، أو النّكاوي، ج "نكوة "، في الجزائر، من ناحية وقوعه الزّمني ، يختلف من منطقة إلى أخرى، فالبنّسبة للشّمال، فغالب الألقاب، وُضعت نهاية القرن التَاسع عشر الميلادي. وأمّا بالنّسبة لقسنطينة ، وبعض مدن الشّرق، فكان سنة 1886م. وأمّا الغرب الجزائري فغالب الألقاب، وضعت سنة 1891م. وأمّا التّيطري، والسّهوب، والزّاب، وبعض مدن الجنوب، فكان سنة 1929م، وسنة 1930م.
[49] - يقول بعضهم : أغلب الموريسكيين كانوا عربًا. وهذا غير سليم، وتأباه الطّبيعة التّاريخية، فالأندلس قبل السُّقوط كانت خليطًا مُتعدِّد الأجناس، يجمعه الإسلام و اللِّسان العربي.
[50] - الجزائر خلال الحكم التركي ( 1514 – 1830 ) لصالح عبّاد، ص 19.
[51] - حوار مع الشّيخ علي الرّيسوني حول الأندلسيين. جريدة المساء المغربيّة. 04/06/2007 م .
[52] - لقد قامت المملكة المغربيّة الشّقيقة فعلًا بذلك، ممثّلة في جمعيتها؛ جمعية ذاكرة الأندلسيين، الّتي تأسّست يوم 12 ماي 2012 م، بالرِّباط، برئاسة الدّكتور محمّد نجيب لُبريس أو لوباريس، وعضويّة العلامة المُؤرِّخ النّسّابة علي الرّيسوني، وغيره، وأنا عضوٌ عامل فيها، فضلاً عن جهود علمائها وباحثيها، الشّيخ علي الكتاني ، والشّيخ محمّد بنعزوز، والشّيخ محمّد بنشريفة، والشّيخ محمّد رزوق، والشّيخ محمّد بن عبّود، والشّيخ عبد الواحد أكمير، وغيرهم، في الشّأن نفسه.
[53] - مؤسّسة الإدريسي المغربيّة الأسبانيّة للبحث التّاريخي و الأثري و المعماري، برئاسة الدّكتور أحمد الطّاهري، و المركز الثّقافي الإسلامي ببلنسية (فالونسيا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.