الإرادة المزدوجة السياسية والشعبية .. ضرورة حتمية بقلم: نور الدين مباركي إن طريق الرقي والتطور في أي مجتمع وأي دولة صعب تتخلله مشاكل وظروف تؤدي إلى أزمات هذه الأزمات قد تكون نتيجة الماضي العسير الشاق الذي مرت به الدولة كما قد تكون وليدة الحاضر الذي فرض سيطرته على المجتمع. هذه السيطرة ليست سياسية أو اقتصادية وإنما هي سيطرة فكرية ايديولوجية تضبط العقل البشري وفق قواعدها وتوجهاتها. بل أكثر من ذلك تجعله حبيس أفكارها التي لا يستطيع العيش وضبط سلوكه من دونها. ربما هي قوى خارقة للعادة يستحيل هزيمتها !. لكن لو عدنا بالزمن إلى الوراء قليلا والقينا نظرة عن بعض المجتمعات والدول التي استطاعت الخروج والهروب من السيطرة الفكرية بل أبعد من ذلك استطاعت هزيمتها. هناك عدة أمثلة نذكر على سبيل المثال ألمانيا التي كانت شبه محطمة بعد الحرب العالمية الأولى لكن وفي ظرف وجيز جدا استطاعت العودة بكل قوة إلى الساحة الدولية وإعلاء رايتها وبالرغم أيضا من سقوطها للمرة الثانية في الخرب العالمية الثانية إلا أنها استطاعت النهوض مرة أخرى وتجاوزت الأزمات حتى أضحت اقوى بلد اقتصادي أوروبيا ومن اقوى البلدان عالميا. كذلك اليابان هذا البلد الذي دمرته الحرب إلا أنه أخذ موقفا صارما تعلم من الغرب وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وعمل على تكوين نفسه بنفسه تكوين المجتمع على أسس وقواعد وقيم تربوية علمية خالصة. وما إن فتئت اخوان الحرب تمضي حتى استطاع هذا البلد اعتلاء المراكز الأولى عالميا اقتصاديا وتكنولوجيا... هي أمثلة وأخرى عن مجتمعات ودول أبت إلى رفع التحدي والعمل من أجل الرقي والتطور والازدهار. هي لم تبقى سجينة الماضي وإنما وضعت المستقبل أولى أولوياتها من أجل التقدم وإعطاء معنى لتواجدها المجتمعي واصالتها الفكرية أرى أن التطور هو افضل رد على الماضي خاصة إذا كان ماض اليم.. إن الدولة القوية بكل مقوماتها سواء بمؤسساتها وشعبها لا تبنى ولا تقوم لها قائمة إلا بتوفر عناصر متعددة مهمة وضرورية. ولعل أهمها هو الارادة يقول Samuel Ferdinand-Lop : La route qui suit notre existence est parsemée d embûches il nous faut avoir l énergie et la volonté de les surmonter. إن الدولة والمجتمع الجزائري لا اظنه يفتقر إلى مصدر فكري فهو يملك مصدرا وأصالة فكرية عريقة وقوية. لكنه لا يزال سجين تلك القوى الفكرية الشريرة التي انتهوا الفرصة ذات مرة وتدخلت وعملت على ترسيخ ايديولوجية فاسدة وتثبيتها في المجتمع. هي كلها عوامل أدت إلى ظهور هذه القوى وأهمها العوامل التاريخية أي الماضي الأليم الذي لا يزال يتصارع المجتمع مع مخلفاته وآثاره الفكرية والنفسية التي لا تأبى مفارقته. لكن ليس على المجتمع البقاء مكتوف الأيدي والفكر والعقل. يجب العمل على اجتياز هذه العقبة رفع التحدي ومواجهة الماضي بالمستقبل. فلناخذ اليابان او ألمانيا مثالا ولنأخذ كذلك وخاصة إرادتهما منهجا والهاما. هي إرادة أراها مزدوجة يعني إرادة بدرجة أولى سياسية وإرادة شعبية بدرجة ثانية. اما الأولى هي ضرورة نظرا للوضع السياسي الذي مرت به البلاد على مر السنين والذي هو ليس وليد اليوم او الأمس ومازالت تتصارع مع مخلفاته. لقد نجحت هذه القوى الفكرية الفاسدة على بسط وفرض منطقها من خلال انتهاز فرصة تمثلت في اللااستقرار السياسي ! مما جعل منها منهجا فكريا ذو طابع سياسي. من هذا المنطلق يجب العمل كخطوة اولى على المستوى السياسي من أجل إعادة النظر وإعادة هيكلة القواعد والمبادئ والقيم لإعطاء دافع وانطلاقة جديدة. إن الإرادة السياسية هي بمثابة إشارة الانطلاق وهي ضمان للعمل الجدي يمكن ملاحظتها من خلال الأعمال والتحركات والقرارات المتخذة في كل المجالات والميادين ولعل أهمها وأولها التربية والتعليم. لابد وبصورة مستعجلة وضرورية إعادة النظر في نظام التربية هو ركيزة المجتمع ومصنع الأجيال وضمان المستقبل. أرى أن الخلل الكبير يكمن في هذا القطاع الحساس والهام جدا هو قاعدة المجتمع لذا يجب وضع منظومة تربوية ذات الأمد البعيد فلنكن بعيدي الأفق واسعي النظر. لكن السؤال المطروح حتى إن كانت هناك إرادة سياسية نلاحظها من خلال القرارات والتحركات...الخ كيف يمكن تفعيل وإنجاح هذه الإرادة؟ او بصيغة أخرى هل يمكن للإرادة السياسية وحدها إخراج البلد والمجتمع من الأزمة وتخليص من القوى الفكرية الفاسدة تلك ؟ هل يمكن للإرادة السياسية وحدها الارتقاء بالبلد وتطويره؟ بالطبع لا وهذا ما يدفعنا للحديث عن الإرادة الشعبية إن الإرادة الشعبية لا تقل أهمية عن سابقتها (الإرادة السياسية) بل هي الخطوة الثانية نحو التغيير والتحول الفكري من أجل التخلص من تلك القوى الفكرية الفاسدة والارتقاء بالمجتمع والبلد. إن دور الشعب لا يقل أهمية عن دور السياسي ولا يمكن أبدا أن يكونا منفصلين. بالعكس يجب أن يتكاملان ويتوافقان من أجل بلوغ الهدف المنشود. هذا التكامل والتوافق ليس فقط ضرورة هو نظرية قائمة بعواملها لا يمكن في أي حال من الأحوال الاستغناء عن أحد الأطراف كما لا يمكن الحديث عن الرغبة في بناء دولة جديدة قوية دون الجمع والربط بين الارادتين. إن الإرادة الشعبية تتمثل في جاهزية وقابلية الشعب لتجسيد تلك الإرادة السياسية على أرض الواقع. هذا التجسيد يقوم من خلال احترام أسس ومبادئ الدولة على رأسها القانون إن هذا الأخير هو الرابط بين السلطة والشعب. إن إخلال أحد الطرفين بهذا الالتزام يؤدي إلى تفكك العلاقة وحدوث ما يسمى بالتباعد والتنافر والأخطر من ذلك فقدان الثقة ! لو أردنا إلقاء نظرة وجيزة عن هذه العلاقة في الحاضر فكيف يمكن تصورها او التعبير عنها ؟ هل هي علاقة جيدة ؟ هل الثقة قائمة بين الطرفين؟ بصفة مختصرة أظن أن العلاقة كانت دائما متوترة وهذا لعدة اعتبارات اهمها تاريخية كما ذكرنا سابقا ولكن هناك أيضا اعتبارات أخرى تتمثل في تدخل أطراف أخرى خارجة عن نطاق المجتمع هذه الأطراف لعبت ولا تزال تلعب دورا في إطار حماية الفكر الفاسد وتعزيزه من أجل ضمان البقاء. تحاول بشدة وبكل الوسائل ربح معركتها لكن بتوافق وتكامل وترابط الارادتين (السياسية والشعبية) لن تكون هناك فرصة ولا حتى مكان لهذا الفكر الدخيل الفاسد في المجتمع. خلاصة القول لابد من توافق وترابط الارادتين فلا مجال ولا فرصة للتقدم والرقي دون هذا التكامل وهذه الازدواجية التي تكمل الواحدة الأخرى. الاختلاف الوحيد بينهما يكمن في الأشخاص ودورهم فالسياسي له دور أساسي يتمثل في كيفية تنظيم المجتمع وسلوك الفرد داخل المجتمع وكيفية حمايته أيضا وحماية حقوقه وتكريسها. لكن هذا الدور لا يقل أهمية عن دور المواطن في تقبل ما يصدر من السياسي وتجسيده والقيام بواجباته. ربما هي عقيدة لابد من التمسك بها ومنهج يجب اتباعه. لا أشك أبدا في قدرة كلا الطرفين على التجاوب وتشكيل هذه العلاقة وخلق الثقة بل أشك في ضعف القوى الفكرية الفاسدة التي بضعفها ستزود المجتمع بطاقة فكرية نابعة من اصالته. كما ستمنحه عزيمة وإرادة قوية كما يقال شروط ثلاثة تشكل ضرورة مطلقة لننجح في الحياة هي : الإرادة والإرادة والإرادة... .