مراصد إعداد: جمال بوزيان الجزء الأول أخبار اليوم ترصد آراء أساتذة ومثقفين حول النشر على الحكومات العربية الاهتمام بسوق الكتب واقتصاد المعرفة للكتب دَور كبير في نشر العلوم والمعارف والتكنولوجيات الحديثة وقد جعلت كثيرا من الشعوب والأمم في مقدمة المتفوقين حضاريا.. سألنا أساتذة ومثقفين عن الكتب التي يحتاجها الناس عموما لتطوير قدراتهم واستعداداتهم وتساهم في العمران الواسع ودَور الكتب ما بعد كورونا 19 لا سيما الفكرية والاستشرافية وأيضا في المجال الطبي والصحي وعن مشاركة سوق الكتب في اقتصادات العالَم العربي مِثل بُلدان أوروبا وأمريكا ومقترحاتهم لازدهار هذا المجال في ظل منافسة الكتب الإلكترونية. وترصد هنا أخبار اليوم آراء أساتذة ومثقفين حول الكِتاب. الأستاذ كرم رضي أديب – مملكة البحرين نتمنى مَعارِض متخصصة في كتب الصناعة والتكنولوجيا العربي غالبا لا يشتري الكتب إلا من مَعرض إلى مَعرض وينفق ميزانية معتبرة ثم يصوم طول المدة بين مَعرضيْن عن الشراء لا أعتقد أن كورونا أثرت كثيرا أو عملت فارقا في صناعة الكِتاب لدينا.. فهي كانت تعاني أصلا قبل كورونا ولديَّ أصدقاء كتبهم مكدسة في الرفوف قبل كورونا وأثنائها.. لقد حرمتنا كورونا من مَعارِض الكتب المباشرة والتي كانت فرصة لدُور النشر للبيع.. فالعربي غالبا لا يشتري الكتب إلا من مَعرض إلى مَعرض حيث ينفق ميزانية معتبرة في المَعارِض ثم يصوم طول المدة بين مَعرضيْن عن الشراء.. كما أن المَعارِض لم تكن فقط فرصة لشراء الكِتاب ولكن أيضا فرصة لنا عشاق الكتب لنلتقي ونتسامر في الحديث عنها وحولها.. وأما شأن الكِتاب الإلكتروني فهو في كل العالم نعمة على صناعة الكِتاب لكنه في المجتمع العربي نقمة ونكبة لدُور النشر والمؤلفين ولو أنه فرصة ونعمة للقراء عشاق الكِتاب فآلاف الكتب تتوفر على الإنترنت بلا حقوق للناشر ولا للمؤلف وهي ربما تسرق فور صدور أول طبعة وتروج بحيث لا يكاد الكاتب قد باع منها أقل عدد حتى يُفاجَأ بصديق يرسل له نسخة من كِتابه على الإنترنت فلا يدري أيضحك فرحا بالرواج أم يبكي حزنا للخسارة؟ ومع ذلك وبرغم يُسر هذا الانتشار للجيد والرديء والصالح والطالح لا تزال الرقابة العربية في كثير من الأحيان تتعامل مع الكِتاب بصفته سلعة خطِرة تذكرنا برواية (اسم الوردة) للكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو التي تدور حول كِتاب محظور كل من يلمسه محاولا قراءته يتسمم ويموت ولا تدرك الرقابة العربية البائسة أن الكِتاب يُواجَه بالكِتاب وليس بالمنع.. وللأسف صار المنع أيضا سلاحا جيدا لترويج الكِتاب السيئ حيث يتباهى مؤلفه بأن كتابه قد مُنع فينتشر وهو غث فقط بسبب سمعة المنع.. وعلى صعيد ثان لا تزال نوعية الكِتاب المتداولة لدنيا محدودة جدا وتأتي في المرتبة الأولى الكتب الدينية ثم كتب التنمية الذاتية ثم الكتب الأدبية ثم كتب الطبخ.. لكن لا تروج لدينا كتب العلوم الحديثة والتقنيات والاكتشافات والصناعة لأننا أمة مستهلكة لا منتجة ولذلك أعتقد يمكن أن تزدهر صناعة الكِتاب أكثر لو أقيمت مَعارِض متخصصة في نوعية الكتب التي لا تشهد رواجا والتي هي ما يصنع تقدم العالَم مثل كتب الصناعة والتكنولوجيا والتقنيات.. ويكفي هذه الأمة كل هذا الانثيال المَرَضي على كتب الدِّين والشعر والروايات.. فنحن نحتاج رواج كتب العلوم العقلية كالفلسفة والعلوم الحديثة كالطب والصناعة والتقنية فهذا وحده ما يصنع تقدم العقل.. ومع أني أديب إلا أني أشعر بالقرف من كل هذا الولع بالدِّين والأدب على حساب نوعيات أخرى من الكتب.. كما أعتقد أنه آن الأوان أن تفرض قيود مشددة على نسخ الكتب إلكترونيا بلا حسيب ولا رقيب حتى ولو أني كقارئ سأتضرر لكن هذه المجانية التي يتوفر بها الكِتاب تمثل خسارة للمؤلف وخسارة لدار النشر ما يجعل صناعة الكِتاب لا تساوي الاهتمام بها. الأستاذ أبو طالب بن محمد شاعر – المملكة العربية السعودية الاهتمام بالمكتبات العامة والقراءة ليس للاقتصاد فحسب بل للإنسان وعقله لا فائدة من التقدم الصناعي والاقتصادي في جو يفتقر الإنسان فيه إلى الشعر والقصة والطرفة! يحتاج الإنسان أولا للكتب التي تبنيه وتتواصل مع جانبه الإنساني والتي تتمثل في كتب الأدب بشكل عام ليفهم من خلالها كوامن النفس الإنسانية وطريقة عملها وأشكال تفاعلاتها وما تحتاجه شعوريا وسلوكيا داخل المجتمع الإنساني المعقد وبالتالي تتكون لدى قارئ الأدب قاعدة صلبة يبني عليها المعرفة والأفكار وعامة عناصر الحضارة ويساهم بعد ذلك في التقدم المعرفي البشري من خلال القراءة التخصصية التي يحددها بعد ذلك مع عدم إغفال جوانب المعرفة والثقافة العامة. ولا بد أن نعيَ جيدا أنه لا فائدة من التقدم الصناعي والاقتصادي في جو يفتقر الإنسان فيه إلى الشعر والقصة والطرفة! وعلى كل حال فإن الإنسان يحتاج الكتب الأدبية لإنسانيته وإلى الكتب الفكرية لتصحيح نظرته للأشياء وإلى الكتب العلمية لاستمرار حياته وتيسيرها. الكِتاب هو سنمّار العصر الحديث! وهو الذي بنى الحضارات وراكم الرصيد المعرفي للبشرية. يجب علينا ألا نلقيَه إلى الأسفل بعد كل هذا!. من سمات هذا العصر أنه تحيط بالإنسان فيه تغيراتٌ كبيرةٌ متسارعةٌ ويبقى في إثرها محتاجا للقراءة الفكرية والاستشرافية حتى يُضبط الإيقاع التقدمي قدر الإمكان. ولا شك أن كورونا 19 سيجتاح العقول بعد اجتياح الأجساد وسيغير في طرق التفكير ويعيد سبك المخاوف والآمال لدى الأمم.. وهذا هو المطلوب! وهذا الشبح –أعني كورونا- أعاد الإنسان قليلا إلى تواضعه ووضَعَهُ في موضعه الصحيح من العلم ولا شك أنه إشارةٌ إلى وجوب بناء مدننا وعقولنا وسلوكياتنا على النمط الصحيح الذي يساعد على عدم تورطنا مرة أخرى في جائحة عالمية كهذه. السوق لا تجذب الباعة والمستثمرين إن كان عدد المشترين أقل من المعقول والمشترون لا تجذبهم التفاهات التي تنشرها بعض دُور الكتب التي لا تريد من وراء هذا النشر إلا الربح المادي. وفي عالمنا العربي قد يعيش كثير من الأفراد طيلة حياتهم لم يشتروا أكثر من كِتاب أو كِتابين خارج نطاق الدراسة. لكننا –رغم هذا الواقع للأسف- نحتاج التفاؤل وبذل جهد أكثر في لفت انتباه الإنسان العربي إلى جدوى القراءة في إنقاذ واقعه حتى نعود به إلى ما كان عليه أجدادُه ليسير تلقائيا في ركب التقدم الأمريكي والأوروبي. ولا أعتقد نجاح أسواق الكتب العربية أو قدرتها على المنافسة في اقتصادات العالَم في ظل ضعف مستوى الكِتاب العربي الجديد تزامنا مع الانصراف الجماعي عن القراءة. إن القارئ الجاد يعي تماما الفارق بين الكِتاب الورقي والكِتاب الإلكتروني وإذا آمن البعض بجدوى الكتب الإلكترونية فلن يستطيعوا الإيمان بتفوقها على الكتب الورقية من حيث تداعي الأفكار أثناء القراءة ومهارات الحفظ والاستذكار بعد الانتهاء من القراءة. ولا أعني بالكِتاب الروايات والقصص. وما دمت ذكرت هذا الجانب فإنه يؤسفني جدا أن ينحصر معنى الكِتاب لدى أغلب القراء الجدد في الرواية فقط!. وأنا من هذا المنبر أقترح على القائمين على وزارات التعليم الاهتمامَ بالجانب الذي هو (عشق المواطن العربي للكِتاب) وليس فقط الاهتمام بكيفية إعطاء الطلبة المعلومات لأن تعليم الصيد خير من إعطاء السمك!. نحن نفتقد إلى المكتبات المنزلية وهذه المكتبات لا تكون إلا من الكتب الورقية التي تقرؤها الأم ويقرؤها الأب ويتشاركانها ويشاركانها من ثم مع الأبناء ليعيشوا ويكبروا محبين للقراءة ومتطلعين للمعرفة معتادين عليها. وعلى الحكومات العربية الاهتمام بسوق الكتب واقتصاد المعرفة وبالمكتبات العامة وكل ما يتعلق بالقراءة لا لأجل الجانب الاقتصادي فحسب بل لأجل الإنسان وعقل الإنسان. الدكتور محمد بن الحاج جلول باحث – الجزائر ضرورة الاعتناء بالكتب مطالعة وتعلما وتعليما يتعذر حصر القراءة في أوقات دون أخرى لأنها منهج حياتنا وعنوان شخصياتنا إن من أثمن صرف الأوقات في ظل الحَجْر الصحي المنزلي ما تعلق بالجانب العقلي والفكري والمتمثل في القراءة والمطالعة فكما أن الأبدان محتاجة إلى الغذاء لضمان بقائها فكذلك مدارك العقول مفتقرة إلى القراءة لتحضرها وتقدمها وما نراه اليوم مما وصل إليه عالمنا المعاصر من أبحاث ودراسات معرفية وتكنولوجيات حديثة وهيمنة عالمية سياسية واقتصادية وعسكرية إلا جراء الاعتناء الكامل بالعلوم على تنوع اختصاصاتها وتشعب ميادينها. إن فلسفة القراءة بالنظر إلى تعلقها بأطراف المجتمع لا تخلو في نظري إلى ثلاث فئات ارسمها على النحو الآتي: الفئة الأولي: وهي الطبقة الراقية في أي مجتمع من المجتمعات وهي تلك التي تشكلها طائفة العلماء والدكاترة والباحثين الجامعيين فنظرة القراءة والاعتناء بالكتب يحكمها التخصص الذي ينتمي له كل عالِم أو باحِث سواء في كان جانب التخصص أدبيا أو علميا فما الحَجْر المنزلي لهذه الطبقة إلا فرصة لتجديد علومهم وفسحة لاغتنام أوقاتهم. والفئة الثانية: ولك أن تسميها بالطبقة المثقفة كحال الكثير من الأساتذة في الأطوار التعليمة الثلاثة فالمطالعة عند هؤلاء الطبقة تتجاذبها الميولات زيادة على مادة التخصص ومن أهم الكتب التي أظن أنها مفيدة لمثل هذه الفئة ما كان متعلقا بالثقافة الدينية التي لا يعذر الجهل بها كتعلم مبادئ القراءة الصحيحة للقرآن الكريم وما يتعلق أيضا بالأحكام العامة لقواعد الإسلام وأركانه هذا في الجانب الديني وأما الجانب الأدبي فيحسن مطالعة ما كتب في الأدب والروايات المفيدة ك النظرات للمنفلوطي وكتابات الأديب أحمد أمين أو ما تعلق بالإعجازات العلمية في الكِتاب والسُّنَّة. والفئة الثالثة: وهي ما اصطلح عليها بعوام المجتمع التي تشكل ثلثين منه وهي التي لا تنتمي لاختصاص علمي فالأحرى بهذه الطائفة في مثل هذه الظروف اغتنام أوقاتها فيما يحقق لها نفعا معرفيا ويليق بهذه في منظوري جملة من الكتب أراها تحقق المقصود فأول الأولويات لهذه الطائفة مطالعة ما تعلق بأمور دينها بالدرجة الأولى كتلاوة القرآن الكريم وما تعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ككِتاب الرحيق المختوم للمباركفوري أو فقه السيرة النبوية للعلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله أو ما تعلق بالأخلاقيات كِتاب جدد حياتك للعلامة الإمام محمد الغزالي رحمه الله.. ومنها ما يأتي في الدرجة الثانية كتب الثقافة العامة مثل التنمية البشرية أو تعلم الطبخ وغيرها لفتة النساء. إن ضرورة الاعتناء بالكتب مطالعة وقراءة وتعلما وتعليما يتعذر حصره في أوقات دون أخرى لأنها منهج حياتنا وعنوان شخصياتنا إذ بها تتمايز صنوف الناس وتتفاوت رتبهم في المجتمعات وقد قيل قديما لكبير فلاسفة اليونان أرسطو طاليس: كيف تحكم على إنسان؟ فقال: أسأله كَمْ كِتابا يقرأ وماذا يقرأ؟.. وأنا أقول:قل لي كَمْ تقرأ أقول لك من أنت.. وقريب من ذلك يقول المتنبي: أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الأنام كِتاب. ...يتبع...