مختصون يدقون ناقوس الخطر: جائحة الخوف أخطر من كورونا! * عواقب نفسية وعضوية خطيرة عادت نوبات الخوف والهلع في كافة أنحاء المعمورة بعد ارتفاع الوفيات والإصابات بكورونا في الموجة الثانية الأكثر شراسة التي تفتك بالعالم ويحذر المختصون في علم النفس أن الآثار النفسية تكون أخطر على الأفراد والتي تترتب عنها أعراض عضوية على غرار أمراض القلب والضغط وجلطات الدماغ بسبب الإفراط في التحذير من الوباء بأساليب اقرب إلى التهويل وزرع الرعب والهلع في النفوس. نسيمة خباجة كورونا تضرب بقوة في موجتها الثانية إلى درجة أخلطت الحسابات في الكثير من الدول في أنظمتها الاجتماعية والاقتصادية والصحية فإلى جانب مختلف الإخفاقات تتوالى المصائب الناجمة عن الجائحة التي تترصد صحة الإنسان من كل جانب سواء العضوية أو النفسية وحتى العقلية واجتمعت مختلف آراء المختصين من اجل التروي وحفظ الصحة النفسية والتخفيف من آثار الذعر والهلع والبحث عن سبل للترويح عن النفس والخروج من قوقعة الأخبار المتدفقة والمملة عن الوباء الفتاك التي تفتك بالصحة النفسية للمصابين والمتعافين على حد سواء. مخاوف مدمرة حذرت رابطة أمراض القلب الأمريكية من مخاطر انتشار القلق من الإصابة بفيروس كورونا المستجد في أوساط الأفراد خصوصاً المراهقين والأطفال. نوهت الجمعية بأن هذه المخاوف ربما تتفوق في الخطورة على المرض نفسه حيث يعاني كثير من المراهقين من أعراض تبدو وكأنها كورونا مثل ضيق التنفس ولكن عند إجراء التحليل والأشعة المقطعية والكشف الإكلينيكي يتضح أن المريض يعاني من نوبة هلع نظراً لتواتر الأخبار عن زيادة أعداد الإصابات ونسب الوفيات وأكدت أن البالغين قادرون على تجاوز القلق من الأزمات المختلفة بدون أن يترك ذلك آثاراً نفسية تؤدي إلى أمراض عضوية بعكس المراهقين وصغار السن حيث يمكن أن تترك الصدمات النفسية أثراً دائماً عليهم وأوضحت الجمعية أن نشر الأخبار الإيجابية عن فيروس كورونا المستجد يمكن أن يقلل من حدة المخاوف وأشارت إلى أن الفيروس لا يعد مميتاً حتى وإن كان سريع الانتشار. وهناك نسبة كبيرة جداً من المرضى تصل إلى 80 في المائة ربما لا يشعرون بأي أعراض على الإطلاق. وفي الأغلب لا تتعدى الأعراض نزلة البرد العادية. أما المرضى الذين يحتاجون للحجز في المستشفيات وإجراء تنفس صناعي فنسبتهم أقل من 5 في المائة ونسبة الوفيات لا تتعدى ال3 في المائة من الإصابات في العالم. وذكرت الجمعية أيضاً أن كثيراً من مرضى القلب البالغين الآن كانوا قد تعرضوا في طفولتهم أو مراهقتهم إلى أحداث مأساوية مثل الأعاصير أو الزلازل أو الحروب مثل إعصار كاترينا الذي ضرب الولاياتالمتحدة في عام 2005 والذي تسبب في خسائر مادية وبشرية كبيرة وعانى الكثير من المراهقين خصوصاً من الأصول الأكثر فقراً من الأمراض النفسية التي أدت إلى إصابتهم بأمراض عضوية لاحقاً منها أمراض القلب. مضاعفات نفسية وعضوية أشار الخبراء النفسيون إلى أن استجابة الجسم للقلق والتوتر في البداية يمكن أن تحمي الإنسان من المخاطر ولكن استمرار التعرض لهذه المؤثرات لفترات طويلة يؤدي إلى العديد من الأمراض النفسية والعضوية. وعلى سبيل المثال في حالة تعرض المراهق لخطر الوجود في موقف معين يتطلب الهروب السريع يقوم الجسم بإفراز الهرمونات المختلفة المحفزة للهروب من الموقف بسرعة كبيرة مثل الأدرينالين و الكورتيزول . و الأدرينالين يقوم برفع الضغط في شرايين الجسم وزيادة ضربات القلب لكي يمكن إيصال الدم إلى جميع أجزاء الجسم بما فيها الأطراف مثل القدميين واليدين. ولكن استمرار تعرض المراهق لمثل هذا الخطر (الذي يشابه الإقامة في مبنى قديم على وشك الانهيار) يؤدي إلى التعرض لكوابيس وعدم القدرة على التركيز الدراسي وصعوبة النوم فضلاً عن أن استمرار ارتفاع الضغط يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالمعاناة من ضغط الدم العالي (hypertension) لاحقاً الذي يمكن بدوره أن يؤدي إلى الإصابة بجلطة القلب والذبحة الصدرية والسكتة الدماغية. وأكد الأطباء أن الأطفال والمراهقين برغم علمهم بأنهم أقل الفئات تأثراً من المرض إلا أن هناك أسباباً أخرى للمخاوف التي تنتابهم أهمها الخوف من مرض أحد الأبوين وإمكانية أن يتعرض للمعاناة في ظل نقص أماكن الحجز بالمستشفيات فضلاً عن عدم توافر العناية الطبية بشكل سريع نتيجة لزيادة الأعداد ويتحول هذا القلق إلى شكل مرضي مع المتابعة المستمرة لوسائل الاتصال المختلفة خصوصاً مع التركيز على حالات الوفاة التي يتم استعراضها في جميع بلدان العالم. كانت دراسة حديثة قام بها أطباء نفسيون من جامعة المنصورة بمصر أشارت إلى أن هناك نسبة تزيد عن 90 في المائة من الأطفال من عمر 9 إلى 12 عاماً يعانون من الهلع من فقدان أحد الأبوين. اضطراب الحياة حذرت الدراسة من أن الأطفال حتى الصغار منهم مدركون لحجم العواقب الاقتصادية للجائحة مع فقدان عدد كبير من أفراد الأسر وظائفهم أو انخفاض الدخل بشكل ملحوظ وما تبع ذلك بالضرورة من إمكانية عدم توافر الكميات المعتادة للطعام في كثير من الأحيان ما يمكن أن يؤدي إلى أمراض تتعلق بسوء التغذية مثل الأنيميا أو نقص أنواع معينة من الفيتامينات والمعادن. وبالطبع يتفاقم هذا الوضع في البلدان الأكثر فقراً التي تعاني من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية فضلاً عن أن هذه الأسر في الأغلب تعاني بالفعل من الأمراض المزمنة نتيجة لتدني المستوى المعيشي ما يجعلها أكثر عرضة لمضاعفات كورونا في حالة حدوثها. ونصح الأطباء بضرورة التعامل بجدية مع هذه المخاوف المفرطة واللجوء إلى الاستشارات النفسية عبر الإنترنت في الوقت الحالي والتعرف على الأسباب الحقيقية للآلام العضوية حيث إنه في كثير من الأحيان يعاني المراهق أو الطفل من أعراض جسدية تماماً ولكن في الأصل تكون مجرد تعبير عن الاضطراب النفسي. وتكون الشكوى إما عبارة عن عدة أعراض متفرقة في الوقت نفسه أو عرض واحد متكرر بدون سبب عضوي واضح. وفي الأغلب يكون ذلك على شكل: الصداع أو آلام المعدة والقولون ومثل هذه الآلام لا تستجيب للعلاج الدوائي وتستمر في التدهور. ضرورة تقديم الدعم النفسي كما نصحت منظمة الصحة العالمية بضرورة تقديم الدعم النفسي وتوافر الأطباء والمعالجين النفسيين للرد على مخاوف المواطنين والمراهقين بشكل خاص من خلال اتصالات هاتفية نظراً للتوقعات بإمكانية حدوث العديد من الأمراض النفسية نتيجة للخوف سواء من المرض أو عواقبه على كل المستويات خصوصاً وأن العالم لم يتعرض لجائحة بهذا الحجم منذ قرن مضى. وحذرت من أن الوباء سوف ينتهي في فترة قصيرة ولكن المرض النفسي يمكن أن يلازم الفرد بقية حياته. التربية بين التهذيب والعقاب كثيرًا ما نسمع هذه العبارة التربية فنّ كما هو معروف في مجال التربية والتعليم. ومن هنا يأتي السؤال الذي يخالج أفكارنا: كيف لهذا الفن أن يتحقق فعليًا في ظل الصعوبات التي يواجهها التربويون والعاملون في مجال التربية والتعليم؟ خصوصًا مع صعوبة طباع بعض الأطفال وصعوبة ما يواجهون في هذه الأيام. أما السؤال الأهم والذي طالما يهزّ مضاجع البعض ويشغل تفكير البعض الآخر ما هو الطريق الأنسب للتعامل مع التلاميذ والأطفال في المدرسة أو في المنزل وما هو الطريق الأفضل والأكثر فاعلية في هذا النطاق الحساس؟ يجيب البعض: إن أفضل الطرق وأقصرها والتي تعطي مفعولًا واضحًا وناجعًا العقاب الجسدي! أما البعض الآخر: فهو يرحب بالطرق الأطول الاستماع الصبر والإرشاد قد يكون العقاب البدني هو وسيلة فعالة لا بل وسيلة ناجعة وفاعلة في زمن قياسي لا تسابقه عليه أي وسيلة أُخرى ولكن هذه الوسيلة أثبتت فشلها لأن الطفل الذي عُوقب خلال سنة كاملة مازال يتابع الفعل نفسه والمربي لم يزل يستعمل هذه الوسيلة التي اتخذها لحظية ليس إلا وإن كان العقاب بأشكاله المختلفة يعطي في بدايته نتائج إيجابية سريعة لكن علينا أن نعرف أن ما نزرعه على هذه الأرض اللينة التي هي الطفل لن تُعطي إلا ثمر العنف والتمرد إن لم يكن في الوقت ذاته سيظهر في وقت آخر وبشكل أكثر عنفًا مستقبلًا. فهذه الطريقة ليست هي الأمثل بل هي التي تعلّم الطفل المكر والكذب وفنون التحايل. فمن يلمس الألم لا يستطيع بسهولة نسيانه خصوصًا إن كان طفلًا. أما الطريق الصعب فهو ذلك الذي يؤدي في آخر المطاف إلى وعي حقيقي بأن التهذيب ما هو إلا لتعليم التلميذ وتربيته. ولذلك لزامًا علينا أن ننتهج مبدأ التعزيز الإيجابي في التصرف كمربين والابتعاد قدر المستطاع عن التعزيز السلبي الغير فعّال لا بل علينا أن ننهج نحن الكبار نهجًا يقتدي به الطفل نهج الناضج فنكون كصورة جميلة وقدوة صالحة كي يساعده ذلك على الحذو على الخطى الصحيحة. أما سؤالنا اليوم فهو: مَن مِن واجبه القيام بتوعية الآخرين لهذه السبل الأكثر أمانًا؟ ومن سيحمي الطفل ويحمل الرسالة إلى الذين يمارسون العنف كغذاء يومي لأطفالهم؟ علينا اليوم أن نقف أمام أنفسنا وأمام تطور فنون التربية والتعليم وأن نتأمل ما يُعاش حولنا وما يعيشه الطفل من ناحيته. دورنا اليوم هو أكبر من أن نكون معلمين أو مدرسين للمواد بل مربين لأطفالنا دورنا هو أوسع من أن نكون تربويين على صفحات الورق ليس إلا. إن دورنا الحقيقي ينجلي بأن نصنع من الطفل طفلًا يعيش واقعه بسلام دون خوف إنسانًا فاعلًا وفعّالًا في المجتمع وأخيرًا مواطنًا قادرًا على تحدي الواقع دون مراوغة أو تحايل. نستشعر من خلال هذه الكلمات الفرق بين التفهم والرعاية من ناحية وبين العنف من ناحية أُخرى فوجب أن نتخطّى هذه الهوة بالطرق الأسلم لكي لا يظل الطفل الفريسة السهلة للعنف التربوي بسبب مرض اسمه العقاب الجسدي الذي يمهد للرياء الاجتماعي.