كبار السن والمرضى أكثر الفئات تأثراً هكذا نحصّن صحتنا النفسية في زمن كورونا *المرافقة النفسية ضرورية للمصابين مع تنامي انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) بات الناس في حيرة من أمرهم وانتشر الفزع والقلق والهلع والخوف في أوساط كثير منهم وخاصة الأطفال وكبار السن. ويعود ذلك لانتشار كثير من الإشاعات المخيفة المضللة التي ساهمت في بثها بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي إضافة إلى الأخبار المتضاربة حول الوصول إلى لقاح أو دواء ناجع بجهود العلماء والباحثين ونتائج الأبحاث العلمية المتواصلة في دول العالم المتقدم التي بدأت منذ الوهلة الأولى من تفشي كورونا. نسيمة خباجة / ق. م رغم أن كل حكومات العالم كلاً بحسب إمكانياته وقدراته قد اتخذت الاحتياطات اللازمة كافة لمحاصرة ذلك الخطر والقضاء عليه فإن الحالة النفسية وما ينتابها من اضطرابات جراء معايشتنا لهذه الأزمة وما نسمع ونشاهد طوال يومنا تظل موضع اهتمام القائمين على الصحة بشكل عام والمتخصصين في الصحة النفسية بشكل خاص اذ من الضروري المرافقة النفسية والصحية للمصابين بالوباء اثناء المرض وبعد الشفاء لكونه يترك اثارا نفسية قد تؤثر على المريض في حياته وسلوكاته الاجتماعية . ارتباك وشكوك يرى المختصون أن من أهمّ ردودِ الأفعال النفسية على الكوارثِ (كالأوبئة ومنها كوفيد-19 ): الهلعُ نتيجة التعاملِ مع المجهول ثم ترقّب الإصابة بالمرض. ومع انتشارِ الوباء والفزَع على نطاق واسع تشتدُّ وطأة الخوف الجماعي مما يزيدُ من ارتباكِ كثير من الناس وشكوكِهم في صحة ما يصلهم. ويزدادُ الفزعُ بانتشار المعلوماتِ المغلوطة والتحليلاتِ الخاطئة والإشاعاتِ المُقلقة ونظريّات المؤامرة نتيجة انفتاحِ العالم عن طريق وسائلِ الإعلام الحديثة والتواصلِ الاجتماعي دون رقابة على الغثّ والسّمين فضلاً عن فوبيا الجراثيمِ والعدوى. من ضمن السّلوكيات المُختلفة وقت الأزمات التشاؤمُ المُفرط واعتبارُ الأزمة عقاباً لآخرين ورحمة لغيرهم وتفسيرُها على أساس الدِّين وحدَه أو العلم فحسْب والتوبة والاعتصام بالله وتأنيبُ الضمير أو اللامبالاة والاستهتار والسُّخرية والتشتّت والجزَع والسّخط والتشكّك والإحباط. ومن المُلاحظ أنّ أحدَهم -خلال الأزمات والأوبئة- يقومُ بإسقاط مُعتقداته الشّخصية عليها وإخراج بعض النّصوص الدينية من سياقها وتطويعِها لتتناسب مع رأيهِ وفكرهِ وثقافته الشّخصية خارج الواقعِ ودون تجرّد والأخطر إيقاعِ الأحكام الدّينية على الناس وتفصيلِ أقدار الله على مِزاجه وبخاصّة في مُجتمعات تنتشرُ فيها الأدلَجة الفكرية والهوسُ الدّيني كما تزدادُ حُمّى المزايدة على دين الناس والشّماتة فيهم دون وازع من ضمير ولا رادع من أخلاق فبعضهم قد يعتقدُ بمحاباة الله له ضدّ غيره خلال الأزمات العامّة. التعامل العقلاني مع الأزمة الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الأحداث تكون بالموازنة والموضوعية في التصرف مع الحدث وضرورة تحري المصدر الرسمي عند الحصول على المعلومات وعدم الانسياق الأعمى وراء الإشاعات والتحذير من نشرها. لعدم الإفراط أو التفريط وبمعنى أدق: ألا نقلل من حجم الخطر وفي الوقت ذات ألا نبالغ أو نهول من حجمه فينتج من ذلك الإهمال الصحي أو حدوث إجهاد نفسي يتمثل في صورة نوبات شديدة من الخوف والذعر مع نوبات من الهلع الشديدة نتيجة لإفراز كميات كبيرة من هرمونات القلق أهمها الكورتيزون الذي يؤدي بدوره إلى إنهاك جهاز المناعة داخل الجسم البشري فيصبح ضعيفاً ولقمة سائغة لمهاجمة الفيروس له. فالهدوء والثبات الانفعالي هما الطريق الفاعل للتحكم في الضغط النفسي الذي يؤثر بشكل مباشر عنيف على الصحة العامة للأشخاص. فيروس قابل للشفاء هذا بشكل عام أما بالنسبة للأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية سابقاً فننصحهم بضرورة مراجعة المختصين في الصحة النفسية وأخذ علاجاتهم بانتظام مع ضرورة البعد قدر الإمكان عن مواطن الضغط النفسي والهوس وراء متابعة الأخبار ولا داعي إطلاقاً للخوف والقلق فالإحصاءات العالمية تؤكد ضعف هذا الفيروس وأن نسبة الشفاء منه تقارب 85 في المائة. هناك فئات في المجتمع يطلق عليهم الفئات الهشة إما لعدم اكتمال جهاز المناعة لديهم مثل الأطفال وإما نتيجة لضعف جهاز المناعة لديهم مثل كبار السن (لمن هم فوق الثمانين من العمر) وهم في الغالب يعانون من أمراض جسدية مزمنة كالضغط والسكري وأمراض القلب... إلخ. إدارة الانفعالات في ظل الأزمة بالنسبة للأطفال من المهم أن تتم توعيتهم بعبارات لا تخيفهم وتتناسب مع مستواهم العقلي وأن لا يظهر الوالدان القلق أمام أولادهم وعدم التحدث الزائد عن الموضوع. وهذه فرصة أيضا لتوعيتهم حول النظافة الشخصية وملء أوقات فراغهم جيدا مع مراعاة عدم انقطاعهم عن التعليم لمدة طويلة وأن لا يبقى الطفل حبيس المنزل أيضا يجب أن يتعرض للهواء والشمس تحت الإشراف بعيدا عن أي أطفال مرضى. أما المسنون فيكادون يكونون أكثر رقة من الأطفال ولديهم هشاشة صحية ونفسية أعلى من غيرهم لذلك من المهم البقاء بالقرب مهم والتواصل معهم مع الحرص الشديد على عدم نقل العدوى لهم ودعمهم من الناحية المعنوية والصحية بما فيها من تغذية ورياضة وتهوية جيدة والاهتمام بظهور أي أعراض مرضية حتى لا تتأخر الرعاية الصحية اللازمة. هناك أيضا القطاع الطبي الذي يقدم الخدمة للمصابين فهؤلاء يدخلون في ضغط إضافي نتيجة زيادة الأعباء عليهم إذ عليهم أن يبتعدوا عن أبنائهم وأزواجهم وعائلاتهم ولديهم محاذير أكثر من الآخرين خصوصا أن بعض مقدمي الخدمة الطبية أصيبوا بالفيروس. لذلك كان لزاما الثناء على ما يقومون به ودعمهم مجتمعيا وتقديم الدعم والمشورة النفسية لهم وعدم لومهم وانتقادهم في كل صغيرة وكبيرة. ولا يمكن إغفال شريحة أهل المريض الذين يكونون بأمسّ الحاجة للمعلومة الطبية المتزنة والمطمئنة. كيف يهتم مريض كورونا بصحته النفسية؟ يجب فور شعوره بالأعراض أن يلجأ سريعا للمساعدة الطبية ويلتزم بالتعليمات ولا يخاف من الإجراءات الطبية وأن يهتم بما يمتعه نفسيا كالتواصل الإلكتروني مع الأصدقاء والأهل وساعات النوم المتوازنة مع الابتعاد عن الطرق غير السوية لتخفيف القلق كالتدخين والابتعاد عن الأخبار المقلقة وأن يشتت انتباهه بالكوميديا والموسيقى مثلا ويحافظ على تغذية متوازنة وتهوية مناسبة ويمارس الرياضة. وأكبر تحد نفسي يواجه المصاب هو الشعور بالملل والوحدة والاكتئاب والعجز فهذا يؤلمه أكثر من الأعراض الجسدية التي قد لا تظهر على الجميع لذلك من المهم عدم وصم المصابين مجتمعيا وتكثيف التواصل الإلكتروني معهم ومنحهم بعض الاستقلالية لتخفيف وطأة العزل. الرعاية النفسية للأطفال الاهتمام برعاية الأطفال الجسدية والنفسية واجب وسلوك ومشاعر وردود أفعال الوالدين قد يكون لها مردود سلبي عليهم لذا ينبغي الحذر من ذلك خاصة عند حدوث تغير مفاجئ في السلوك والتصرفات لدى أطفالنا مثل ظهور عدوانية مفاجئة مع عزلة اجتماعية وتقلب في المزاج والخاطر. وقد يلاحظ الوالدان تغيراً في نمط وتوقيت نوم طفلهما مع تبول ليلي لا إرادي وهي أعراض نفسية قد تكون مؤشراً خطيراً على تمكن الخوف والذعر من الأطفال جراء الإشاعات والأخبار المزيفة عن الخطر المحدق من كورونا خاصة التهويل من خطر الموت أو فقدان عزيز وغال من العائلة إذ قد يتخيل الطفل أو يعتقد جازماً أن أحد والديه وخاصة الأم ثم الأب قد يموت بسبب كورونا. إذن كيف يتصرف الوالدان في هذه الحالة؟ الجواب يكمن ببساطة في التحلي بالهدوء والتقرب من الأطفال ومنحهم مزيداً من الدعم والدفء اللازمين مع تمرير المعلومات الصحية بأسلوب هادئ بعيداً عن التهويل أو المبالغة أو حتى الكذب عليهم. امنحوهم كثيراً من الحنان والمشاعر الإيجابية الكفيلة بشعورهم بالأمان والاطمئنان. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأطفال هم الأقل إصابة بالفيروس مقارنة بباقي الفئات العمرية. أما الفئة الأخرى من المجتمع فهم بركتنا كبار السن الذين يعانون غالباً من كثير من الأمراض العضوية المزمنة وهذه فرصة سانحة لرعايتهم وتلبية احتياجاتهم المعنوية قبل المادية. المريض النفسي وكورونا يؤكد الاطباء والمختصون أن المرضى النفسيين يتأثرون أكثر من غيرهم بالأزمات ومنها كورونا وفرض الحجر المنزلي وهم على مجموعتين: - المجموعة الأولى: تشمل مرضى الأمراض العصابية مثل الاكتئاب البسيط والقلق العام والوسواس القهري ونوبات الهلع وهم في الغالب مدركون لحالتهم المرضية ويأخذون علاجهم ويراجعون الطبيب النفسي بانتظام. وعليه فهم يتبعون التوجيهات ويطبقون الإجراءات الوقائية. وهؤلاء يحتاجون فقط إلى النوم الجيد والغذاء الصحي وممارسة النشاط الرياضي البسيط. أما أصحاب الشخصية القلقة المتوترة ومن لديهم هوس أو وسواس قهري للنظافة فعليهم تقنين متابعة الأخبار وعدم الانصياع للمبالغة فيها وأن يأخذوا المعلومة الصحيحة من المصادر الموثوقة. - المجموعة الثانية: تشمل مرضى الأمراض الذهانية مثل الفصام الذهاني والاكتئاب الذهاني واكتئاب ما بعد الولادة والإدمان على المخدرات وهم غير مستبصرين الوضع وليسوا مدركين ضرورة أخذ العلاج بانتظام. وهؤلاء يجب أولاً إعطاؤهم كامل الثقة داخل البيت. ثانياً منحهم الفرصة لأخذ العلاج من تلقاء أنفسهم مع مراقبتهم عن بعد حتى لا يصبحوا في هياج وعدوانية وعنف وتكسير للأشياء وعدم الإلحاح عليهم بأخذ العلاج أو إشعارهم بأنه لا دور لهم في المجتمع فنتسبب في انتكاستهم. ثالثاً تنظيم نومهم ليلاً وشغل وقت فراغهم نهاراً بأي عمل يحبونه كالرسم والألعاب الإلكترونية والنجارة. رابعاً منحهم غرفة بالبيت مستقلة جيدة التهوية خالية من أي أدوات تشكل خطورة على حياتهم وعلى الآخرين تُخصص للتدخين وشرب الشاي فمعظم مرضى الفصام يحبون ذلك بشراهة. خامساً التنويم فوراً بأقرب مصحة نفسية لعلاج من فقدت العائلة السيطرة عليه بعد عمل كل تلك الاحتياطات والإجراءات وأصبح عدوانياً ولديه ميول انتحارية يرفض العلاج وتنتابه نوبات من الهياج النفسي. الخوف يضعف المناعة ينصح المختصون بعدم المبالغة في الخوف والقلق من انتشار هذا الفيروس فذلك يُضعف جهاز المناعة ويجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة به. وعليه فإننا نحتاج إلى التعرف على بعض الوسائل التي تساعد في تقليل مستوى الخوف والقلق كي تمضي أيام الحجر المنزلي بسلام واستغلال الوقت بالقيام بأعمال ونشاطات مختلفة مثل: - ممارسة الرياضة المنزلية وحث أفراد الأسرة على ذلك والتشجيع فيما بينهم وتطبيق الاسترخاء التنفسي بين الحين والآخر فهو يساعد على التقليل من مستوى القلق والخوف. - ممارسة الهوايات المحببة كالرسم والتأليف وقراءة الكتب وإنجاز الأعمال المؤجلة. - البدء باتباع نمط حياة صحي في الغذاء فهو يساعد على رفع قدرة جهاز المناعة على مقاومة العدوى. - توطيد العلاقات داخل الأسرة من خلال تقديم الدعم فيما بينهم. - تدوين الأحداث والإنجازات وأي شيء جديد قد تم تعلمه في المذكرات اليومية للاستفادة منها بعد انتهاء الأزمة. - تخصيص وقت لقراءة الكتب. - تجنب الاجتماعات العائلية خارج المنزل لمواجهة الفيروس وحرصاً على سلامة كبار السن. - طلب الاستشارة من المختصين في المجال النفسي إذا استمر الشعور بالخوف والقلق. خطة لتعزيز السلامة مع استمرار جائحة كوفيد-19 عالمياً ومحلياً وتضامناً مع الجهود والإجراءات المتخذة على مستوى الحكومة يظل دور أفراد المجتمع رئيسياً في نجاح خطة اجتياز الأزمة بسلام وأمان. واتباع الخطة الاتية: - البقاء في المنزل واتباع التوجيهات والإرشادات من مصادرها الرسمية ذات العلاقة فقط. - الابتعاد قدر الإمكان عن مخالطة الصغار وكبار السن حال الشعور بارتفاع درجة الحرارة. - تجنب لمس الوجه والأنف والعين إلا بعد غسل اليدين بالماء والصابون جيداً ولمدة لا تقل عن 40 ثانية أو بعد استخدام المعقمات الكحولية لمدة لا تقل عن 20 ثانية. - تناول الطعام الصحي مع النوم الهادئ الكافي. - المساهمة في تخفيف أعراض القلق والتوتر عن باقي أفراد العائلة. - إذا كنت مصاباً بأحد الأمراض العضوية المزمنة استشر طبيبك الخاص ولا تحاول إيقاف العلاجات من تلقاء نفسك. -إذا كان لديك مرض نفسي سابقاً استمر في أخذ العلاجات بانتظام. - لا تتناول المسكنات إطلاقاً إلا بعد استشارة طبية فبعضها قد يكون ضاراً ويساعد الفيروس على التكاثر. - ابتعد عن التهويل والمبالغة وتتبع الإشاعات المغرضة المضللة. - مارس قسطاً من الرياضة داخل فناء المنزل مع التعرض الكافي لأشعة الشمس. - الامتناع عن التدخين. - عزز الجانب الروحي وكثرة الاستغفار. - امنح المحيطين بك مزيداً من الدعم المعنوي والطاقة الإيجابية خاصة الأطفال وكبار السن. - كن دائماً متفائلاً إيجابياً لرفع كفاءة الجهاز المناعي لديك. المهم هو المحافظة على الروتين لأنه ينظم الحياة أما الفراغ فيزيد من التشوش لذا علينا إيجاد بدائل تساعدنا على أن نكون مرنين ومنتجين كي لا نقع ضحية لفريسة القلق والتوتر الناتج عن الفراغ. بعد كورونا.. مناعة نفسية أعلى إضافة للمناعة النفسية التي سيكتسبها الفرد والمجتمع سيكتسب تعلم الأمور الصحية بشكل عام وتعلم الحفاظ على الصحة الشخصية وتعلم المسؤولية تجاه المجتمع وتعلم التعامل الإيجابي مع الأزمات وتعلم المرونة الإيجابية مع تغير الروتين في الحياة وأوقات الفراغ وتعلم الزهد في الأمور التي اعتاد الأفراد عليها واختفت مع وضع الطوارئ. أزمة فيروس كورونا أصبحت وباء عالميا والتعاون المجتمعي والمسؤولية الفردية سيجعل الناس يعيشون هذه الخبرة بألم نفسي وفقدان وحزن أقل وبالمقابل سيشعرون بالفخر لما أظهروه من إيثار ومسؤولية هناك مثل ياباني يقول الأزمات فرص وهذه الأزمة هي فرصة لتعلم قيم مهمة للنسيج المجتمعي. ويرى المختصون في علم النفس ان بعد انتهاء الفيروس ستكون مناعة الناس النفسية أعلى نحن اليوم نستلهم الشجاعة من الأزمات التي مررنا بها سابقا لكل مجتمعات أزماتها الخاصة الأزمات تجعل الفرد والمجتمع أقوى وتظهر صفات المجتمع الحسنة من التطوع والتعاون والمسؤولية المجتمعية ويرجح المختصون أن هذه الأزمة ستجعل المجتمعات أفضل سيتعلمون الحفاظ على الهدوء الشخصي وتقديم العناية اللازمة للأشخاص المحيطين بهم .