ارتبط "العنف" و"الخوف" خلال السنوات الأخيرة، ارتباطا وثيقا ببعض الأحياء الجزائرية عبر عديد المناطق في الوطن، خاصة في المدن الكبرى التي استفحل فيها الإجرام بشكل فظيع، فمثلا في الجزائر الوسطى، يرعب شارع "طنجة" كل من يمر عليه، وفي باش جراح، كما في الحراش، يلتزم بعض الغرباء الذين يرتادونه من حين إلى آخر الحيطة والحذر الشديد، خوفا من عصابات الأحياء والاعتداءات.. أحياء شعبية معروفة في جميع الولايات، تأجج فيها عنف العصابات، بعد ضغط الحجر الصحي للوقاية من كورونا، دفع بالسلطات العليا في البلاد إلى التدخل وإصدار قوانين تجرم الظاهرة وتحاربها، حيث برز الردع بشكل رسمي ضمن الأمر رقم 20.03 المؤرخ في 30 أوت 2020، المتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء! شباب ب"الكمامات" بين أحضان البطالة والانحراف والحاجة والفراغ القاتل، وتحت تأثير المهلوسات والمخدرات، وعلى حافة الانفجار والانتحار، وعصابات تستغل ظروفهم القاسية، وتراكمات أزماتهم، هي قليل من كثير أنتج واقعا مريرا أرعب الجزائريين في كل مكان وجعلهم يستفيقون يوميا على جرائم شنعاء دفن فيها القاتل والمقتول جنبا إلى جنب. حقوقيون: القانون وحده لا يكفي لاقتلاع الجريمة ويرحب بعض الحقوقيين، بهذا القانون الذي يردع الجريمة في الأحياء ويعيد الطمأنينة لساكنيه، لكنهم لا يرونه كافيا لاقتلاع الجريمة من جذورها، ولا يوجد حل علاجي وحيد ومناسب في ظل تطور أساليب وتقنيات العمل الإجرامي، حيث طالب حقوقيون وأصحاب الجبة السوداء، بتعيين وزير منتدب مكلف بمعاينة مشاكل الأحياء الشعبية وأبنائها من الشباب والعمل بالتنسيق مع جمعيات هذه الأحياء للوقاية من الداء قبل تقديم الدواء. في السياق، يرى المحامي، ابراهيم بهلولي، أستاذ في جامعة الحقوق ببن عكنون، أنّ البحث عن كيفية تطبيق العقوبة أهم بكثير من سنّ قوانين هذه العقوبة، وأن الجريمة تطوّرت من ناحية الأساليب والتقنيات، وأصبحت حتى الكمامة في زمن كورونا تستغل في الجريمة، حيث الواقعة المادية حسبه، تسبق الواقعة القانونية. وقال بهلولي، إن قانون الوقاية من عصابات الأحياء ومكافحتها، إجراء مهم يعيد الطمأنينة للفرد وإلى سكان الأحياء والأماكن العامة، ويعطي أريحية في الفضاءات العمومية وأماكن الاستجمام، ويشعر الجزائريين بالأمان. السّجن لا يغيّر المنحرف وإنّما يكوّنه وأكد المختص أن المشكل ليس في القوانين، حيث نملك، حسبه، ترسانة من هذه القوانين، وإنما في كيفية تطبيقها على أرض الواقع، وإيجاد آليات الردع دون الخروج عن الإطار الإنساني وعن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومع البحث عن نتائج ملموسة لهذا الأمر رقم 03.20 المؤرخ في 30 أوت 2020. وقال المحامي، إبراهيم بهلولي، إن السجن لا يغير المنحرف، بل أصبح في الكثير من الأحيان، يكوّن العصابات حيث تتحوّل العصابات الموجودة في الأحياء إلى عصابات وطنية، وأن التحويل من سجن إلى سجن آخر لم يثمر هو الآخر نتائج تغير من عقلية المجرم وتدمجه في المجتمع. الأعمال الشاقة في الصحراء.. العقاب المناسب لعصابات الأحياء وأكد بهلولي، أن العقاب وحده لا يحل مشكل عصابات الأحياء، والقانون وحده تحصيل حاصل، ورغم حصول المسجونين على شهادات جامعية في السجون، وشهادات تكوين، إلا أنه لا فائدة منها، لأن المسبوق قضائيا مرفوض من طرف مؤسسات العمل، ولأن الإدماج غير موجود. واقترح بهلولي حلولا مناسبة لردع إجرام الأحياء، وانحراف الشباب، بتشغيلهم كعقوبة بديلة في الصحراء لإصلاح الطرقات وفي التشجير والبناء، وهي آلية لتسهيل الاندماج في المجتمع الجزائري، وتنفيذ هذه العقوبة يكون في فترة الإدانة، مع تمكين هؤلاء من حكم رد الاعتبار القضائي لهم. ودعا أستاذ القانون في كلية الحقوق ببن عكنون، إلى تحميل المسؤولية لجميع الأطراف فيما يخص انتشار عصابات الأحياء، منهم المسؤولون المحليون، والسعي لتغيير عقلية "البايلك"، وتغيير الذهنيات المتعلقة بالموروث القديم للعشرية السوداء، حيث أصبح كل شخص، حسبه، يسكت على الباطل إلى درجة أن الباطل أصبح حقا. تفكيك العصابات يكون بمستشارين يعيشون واقع الشباب وفي ذات الموضوع، قال المحامي عمار حمديني، رئيس الهيئة المدنية لإدماج ذوي السوابق العدلية والوقاية من العود، إن تفكيك نواة عصابات الأحياء، لا يكون ببناء 81 مؤسسة عقابية، ولا بالتحويلات عبر السجون، حيث أن هذا الإجراء لم يأت، حسبه، بنتيجة ولم يقض على هذه العصابات، التي تبدأ –حسبه- صغيرة، وتتطور من خلال التخطيط داخل السجون، حتى أصبح الكثير منها عصابات وطنية ودولية. ويرى أن إدماج عصابات الأحياء مرة أخرى يحتاج إلى أيام دراسية من طرف وزارة العدل وبمشاركة وزارات أخرى، وأن يقترح خبراء وأساتذة في جميع الاختصاصات انشغالاتهم والحلول التي يرونها مناسبة. وتساءل المحامي، عمار حمديني، عن مشروع الجزائر الجديدة، الذي يسعى إلى إعطاء الفرصة للشباب ليعبروا عن مشاكلهم وأفكارهم، حيث قال إن المستشارين الذين يسنون القوانين عليهم أن يعيشوا واقع الشباب اليوم، حيث طالب بتعيين مستشار أو وزير مكلف بمهمة لحل مشاكل شباب الأحياء الشعبية، أو لجنة وزارية للبحث في مشكل عصابات الأحياء. واستنكر المحامي عمار حمديني، تهميش المسبوقين قضائيا، ورفض إدماجهم في مناصب شغل، والتعامل معهم على أنهم ليسوا جزائريين، وعدم فتح الحوار معهم، الأمر الذي جعلهم مفصولين عن المجتمع. وحذّر عمار حمديني، من هذه العقلية التي ستؤدي، حسبه، إلى انهيار تماسك المجتمع، ففي كل مرة تجرم مجموعات ينتهي الأمر بأن يصبح المجتمع كله مجرما. علاج رواسب أزمة كورونا أولا.. ودور المجتمع المدني مهم من جهته، علّق المحامي مصطفى الأنور، على قانون الوقاية من عصابات الأحياء قائلا "إن المسألة تحتاج إلى نظرة عميقة وإلى معالجة اجتماعية في العمق، من خلال دراسات وعودة حقيقة للأحياء الشعبية ومعرفة مشاكلها". وأشار إلى أن مرحلة وباء كورونا تركت أثرها في المجتمع الجزائري، وتضرر منها الشباب، وسببت لهم ضغطا وأمراضا نفسية خاصة بعد المكوث في البيت لوقت طويل، ونظرا لوجود مشاكل قبلية كالبطالة والفقر، والإدمان، يزداد العنف من طرف فئات واسعة منهم، وتبرز العصابات وتتغذى بترسبات كورونا في الأحياء الشعبية. وقال الأنور، إن الدولة انتبهت إلى ارتفاع معدل الجريمة في الآونة الأخيرة، وذلك من خلال جرائم القتل لأتفه الأسباب، لكن وضع قانون محاربة الجريمة وعصابات الأحياء لا يأتي وحده بنتيجة، حيث على المجتمع المدني أن يلعب دورا مهما في تطهير ترسبات مرحلة فيروس كورونا، وتشخيص المشاكل والنقائص واحتياجات الشباب في الأحياء مثلها مثل مناطق الظل. شبابنا "ينتحر" هربا من المعاناة بممارسة العنف ضمن العصابات قالت البروفسور صباح عياشي، رئيسة مجلس الأسرة والمرأة، إن عصابات الأحياء باتت مشكلة تحتاج إلى دراسة جدية، والوقوف على أسبابها وأبعادها قصد إيجاد حلول تربوية وأمنية، وتوعوية وأهمها تصحيح التصورات لدى المراهقين والشباب ومنها فكرة أن تكوين العصابة هو بطولة أو هروب من واقع إلى واقع آخر. وترى عياشي أن زيادة حدة العصابات واستقطابها للعنصر النسوي، يهدد الأرواح ويروع الأشخاص، موضحة أن أغلب أفراد العصابات يعيشون الفقر والتفكك الأسري، وعدم الشعور بالأمن الاجتماعي، وسيادة التنمر في العلاقات اليومية بين أفراد المجتمع الجزائري. وأكدت أن العنف أصبح وسيلة لإثبات الذات عند الشباب وهذا بسبب التهميش، وأكثره التهميش من المسؤولين المحليين، وكما أن عدم إدماج المسبوقين قضائيا من جهة، حسب عياشي، وانتشار عقلية التفاخر بالسجن من جهة أخرى، سبب من أسباب زيادة العنف والتكتل بين المجرمين كقوة يرونها صفة من صفات التباهي والسيطرة، كمفهوم خاطئ للعصابة. وقالت البروفسور عياشي، خبيرة علم الاجتماع، إن المتاجرة في الممنوعات المتمثّلة في المخدرات وتعاطيها، من بين الأشياء التي تجعل أفراد العصابة متفقين، ومتفاهمين على أمر واحد، وبينهم رابطة وعلاقة وثيقة. ودعت عياشي إلى تعيين مختصين في علم النفس العائلي، ومرافقة الأسرة الجزائرية، وخاصة الشباب بدءا من المدرسة أين يتم رصد الحالات النفسية المميزة بسلوكها وردات فعلها والتقرب من التلاميذ حسب حالاتهم الاجتماعية. وأشارت إلى أن الأخصائي العائلي يمكن أن يحل 85 بالمائة من الآفات الاجتماعية. وأكدت البروفسور، أن الأزمات الجديدة التي تسببت فيها جائحة كورونا، تستدعي وضع استراتيجية لمرافقة الأسرة والشباب على وجه التحديد، وتفعيل دور المختصين في علم الاجتماع العائلي. وحذرت مما سمته انتحارا شبابيا عن طريق ممارسة الإجرام وهي حالة نفسية واجتماعية خطيرة، انتشرت بين الشباب الذي سئم الحياة والتهميش فهرب إلى عصابات بدافع التخلص من معاناته والانتحار عن طريق تحدي القوانين، وتعريض نفسه للعنف بممارسة العنف وعدم الخوف من السجن، وهي ظاهرة تستدعي تكاثف الجهود والبحث عن علاج عن طريق الاستعانة بالمختصين.