(استقلال الجزائر لم يكن قضية الجزائريين فقط، بل كان قضية كلّ من يؤمن بالعدل والمساواة والأخوّة) هكذا تصف ضيفتنا القضية الجزائرية، إنها المناضلة الفرنسية إيفلين لافالات حرم الصحفي الفقيد بودالي سفير، بدأت نضالها مع الكشافة، ثمّ صارت كاتبة في العاصمة، وبعد أن قرأت بيان الفاتح من نوفمبر 1954 قرّرت أن تناضل من أجل القضية الجزائرية، كتبت رسالة الشهيد زبانة لوالديه بطلب من بن يوسف بن خدّة وحرّرت بيان إضراب الطلبة في 19 مارس 1956، كما كانت تصل بين الجزائر ووهران· اِلتقينا السيّدة لافلات و(سرقنا) منها حوارا سريعا، وهي التي لطالما حاولت أن تختفي عن الأضواء· حوار: مصطفى مهدي - كم كان سنّك عندما اِلتحقت بالنّضال؟ -- لقد بلغت الرّابعة والثمانين، وحين انطلقت الثورة أو عندما اِلتحقت بها سنة 1955 كان عمري 26 سنة· - حسنا، كيف حتى اِلتحقت بصفوف جبهة التحرير؟ -- كانت البداية الأولى في النّضال عبر الحركة الكشفية، كنت كاتبة في العاصمة عندما تعرّفت على جزائريين من أصول مسلمة أو هكذا كان يُطلق عليهم، ثمّ وفي سنة 1955 قرأت بيان الفاتح من نوفمبر فقرّرت أن أصبح مناضلة لجبهة التحرير، فكّرت في أن الهدف كان نبيلا وأنني سأخدم قناعاتي إن فعلت، ففعلت دون تردّد ولا شيء، فصرت واحدة من بين كثير من المناضلات مثلي اللاّئي ساهمن بما يملكن من أجل تحرير هذا الوطن· كتبت رسالة الشهيد زبانة لوالديه بطلب من بن يوسف بن خدّة· وفي 19 ماي 1956، أي تاريخ إضراب الطلبة كنت من كتب بيانه، ورقّنت أوّل عدد من جريدة (المُجاهد)، كما كنت عنصر ربط بين الجزائر ووهران· - ... وكنت خلال الثورة تُخفين مُجاهدين مسؤولين·· - أجل· كنت على اتّصال دائم بيوسف بن خدّة، كنت قد استأجرت منزلا كان يتوافد عليه أشخاص لم أكن أعرفهم في البداية، ثمّ تبيّن أنهم يتقلّدون مسؤوليات في جبهة التحرير الوطني، ما قمت به كان بسيطا، كنت أعثر على مخابئ لهم· - مثل العربي بن مهيدي وعبان رمضان·· -- أجل، وكريم بلقاسم، عمر أوعمران، مصطفى بن بولعيد وغيرهم· - ما الذي يمكن أن تقوليه لنا عن شخصية عبّان رمضان؟ -- كان رجلا مستقيما ومثقّفا وله صفات المسؤول، لقد أبهرني بشخصيته وشجاعته ونضاله المُستمرّ، ومن بين المناضلين المُصمّمين على نيل الاستقلال كان يعرف كيف يجمع كلّ طبقات المُجتمع ليضمّهم إلى جبهة التحرير الوطني، لكن أيضا وحتى الذين انخرطوا عن تطوّع وتصميم كان يفعل كلّ هذا وأكثر، فهو كان رجلا متفتّحا، كان يجمع الجميع الطلبة والعمّال وغيرهم، فما إن يلحظ في جماعة أو في فرد استعداده للعمل الثوري حتى يضمّه إلى الجبهة، كانت له قدرة خارقة على الإقناع، لهذا استطاع أن يلحق بالجبهة عشرات ومئات المُناضلين· - هل نقلوا لك ذلك التصميم والاقتناع بالاستقلال؟ -- أجل، صار الاستقلال بالنّسبة إلينا شيئا مُحقّقا، أتذكّر جيّدا توقيع إتفاقيات (إيفيان) كنت مع أصدقاء فاِتّصل بي أصدقاء، كنت مع الدكتور بن تامي رئيس الهلال الأحمر الجزائري آنذاك، وقال إن التوقيع تمّ، قال هذا ثمّ بكى· - وبالنّسبة للعربي بن مهيدي·· -- نفس الشيء هو رجل مُصممّ، أي كان مصمّما على ما كان يفعله ومقتنعا به كما لو كان يدرك أن الاستقلال آت لا محالة، كان هكذا، وكان أيضا يُحدّثني كثيرا عن واجباتي وما كان عليّ إنجازه كمناضلة في جبهة التحرير الوطني، لكنه مع ذلك طلب منّي أن أكون حذرة وحدّثني منذ البداية عن الأخطار التي يُمكن أن أتعرّض لها وأنا أخفيه عندي، بل إنه طلب منّي أن أعود إلى فرنسا إن لم أكن مقتنعة فعلا بما أفعله، وأنني إن لم أكن فعلا مصمّمة على الكفاح فلا بأس إن تراجعت، هكذا كان يقول لي· - هل كنت تعرفين اسمه حينها؟ -- لا، لم نكن على اِطّلاع على الأسماء، كنت أعرف أنه مسؤول لكن لا يمكن أن أعرف اسمه في تلك الفترة، كنت أقوم بإخفائهم وكنت أفعل ذلك في مرّات كثيرة، ولم أجمعهم أبدا مرّة واحدة، كان ذلك مخالفا للسرّية التي كان يجب أن نكون عليها· - أين كان هذا الملجأ؟ -- في54 شارع (لاغير)، ثمّ 35 خليفة بوخالفة· - حيث تمّ توقيفك··· -- أجل· - وبعدها حوكمت فيما سميّ بمحاكمة المثقفّات··· -- بالفعل· - متى كان ذلك؟ -- تمّ توقيفي سنة 1956· - كم بقيت في السجن؟ -- بقيت في السجن لمدّة ثلاث سنوات، منذ سنة 1956 حتى سنة 1959· - بعدما أطلق سراحك هل عدت واِلتحقت بالمناضلين؟ -- لا، بعدما تمّ إطلاق سراحي ذهبت إلى فرنسا، حيث تمّت مُطاردتي من طرف الأيادي الحمراء، فاِتّجهت إلى سويسرا، وهناك شاركت في الهلال الأحمر وعملت فيه كموظّفة دائمة، كان ذلك مع الدكتور بن تامي، ثمّ عدت وأكملت دراستي، وفي سنة 1962 تمّ ترشيحي كنائبة في البرلمان في أوّل اجتماع، ثمّ عملت ووُظّفت في وزرة العمل· - حسنا ما الذي دفعك إلى أن تختاري أن تكوني مع الثورة والمناضلين؟ -- في البداية رأيت ما يحدث في الجزائر وفكّرت في أن شيئا ما ليس على ما يرام، أي يجب تغييره أوّلا، فعندما وعيت على هذا الاستعمار وكلّ تلك المشاكل التي كانت الجزائر تعيشها، الاجتماعية، الاقتصادية، ثمّ السياسية قرّرت أن أناضل مع من رأيت أنه يناضل من أجل الحقّ، وعندما سمعت باِنطلاق ثورة نوفمبر 1954· - هل تمّ الاعتراف بك وبنضالك من طرف السلطات منذ الاستقلال أم تمّ إهمالك وتجاهل تضحياتك مثلما حدث مع البعض؟ -- بالنّسبة لي لطالما اِعتُرف بي، كنت نائبة أوّل مجلس تأسيسي، وانتخبت مرّتين، ثمّ عملت في وزارة العمل، هذا يعتبر إعترافا، لم أعاني من التجاهل وأرى أنني أخذت فرصتي وحظّي، أنا أتحدّث بالطبع عن نفسي وعمّا عشته شخصيا· - ونحن نحتفل بذكرى الاستقلال، ما الذي يمكن أن تقوليه لنا سيّدتي؟ -- أرجو أن تتحقّق يوما تلك الجزائر التي حلمت بها وباقي المناضلات والمناضلين، جزائر فيها أخوة، صدق وكلّ شيء جميل·