بقلم: علي إبراهيم* يُشكل الاستيطان واحداً من أبرز أدوات الاحتلال لتحقيق تغيير ديموغرافي مباشر في التركيبة السكانية للقدس المحتلة عبر جلب المزيد من المستوطنين إلى المستوطنات والبؤر الاستيطانية داخل القدس وفي محيطها ما يحقق للاحتلال غلبة سكانية مباشرة. وبالتوازي مع هذه المشاريع الاستيطانية تعمل سلطات الاحتلال على تطوير البنية التحتية التي تدعم الاستيطان وتسهل حياة المستوطنين. وتأتي مشاريع الاحتلال هذه في سياق استيعاب المزيد من أعداد المستوطنين وتعزيز الفصل التام بين المستوطنين والفلسطينيين خاصة في شبكات الطرق والأحياء السكنية. وفي إطار متابعة مشاريع البنية التحتية الخاصة بالاستيطان عملت سلطات الاحتلال على إقرار العديد من هذه المشاريع وتنفيذها وهي تنقسم إلى الفئات الآتية: - مشاريع مواصلات المستوطنين العامة. - مشاريع الطرق الاستيطانية. - مشاريع استيطانية ذات أهداف تجارية وسياحية. ونتناول في هذا المقال أبرز ما شهدته أشهر عام 2020 من إقرار مشاريع البنية التحتية الاستيطانية وتنفيذها وأبرز التطورات المتعلقة بها. *مشاريع مواصلات المستوطنين العامة تعمل سلطات الاحتلال على تطوير مجموعة من مشاريع المواصلات العامة في المدينةالمحتلة وهي مشاريع تخدم المستوطنين وتسهل تنقلهم ما بين المستوطنات المحيطة بالمدينة إلى أحيائها القريبة من المسجد الأقصى في سياق تعزيز قدرة المستوطنين على الوصول إلى باب المغاربة ومن ثم المشاركة في اقتحام المسجد الأقصى. وأبرز هذه المشاريع هي مشروع القطار الخفيف ومشروع القطار السريع. *مشروع القطار الخفيف يُعد القطار الخفيف في القدسالمحتلة أبرز مشاريع الاحتلال لخدمة بنية الاستيطان التحتية. وبحسب الموقع الرسمي للشركة المشرفة على القطار الخفيف بدأ عمله في شهر أوت 2011 ويقدم خدماته لنحو 160 ألف مستوطن يومياً. وقد وصفته الشركة بأنه العمود الفقري في نظام المواصلات العامة المتقدمة والجديدة.. وهو أحد المشاريع الكبرى في المدينة . وتعمل سلطات الاحتلال على تمديد خط جديد لمسار القطار الخفيف. ففي 29 ديسمبر 2020 أعلنت اللجنة المحلية للتنظيم والبناء في بلدية الاحتلال العمل على تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع القطار الخفيف وتتضمن هذه المرحلة ربط مستوطنات جنوبالقدس بشمالها عبر مسار الخط الأخضر وبحسب بيان البلدية فإنها ستنجز هذا المسار في عام 2023 في سياق تطبيق خطة حكومة الاحتلال لربط المستوطنات مع المدينةالمحتلة ليكون ثاني خط سكة حديد خفيف يعمل في المدينةالمحتلة وسيربط بين التلة الفرنسية والجامعة العبرية في الشمال وينتهي في جيلو جنوباً وسيضم 47 محطة على مسافة 20.2 كلم. وحول تكاليف المشروع كشفت مصادر صحفية أن الشركة المشغلة للقطار الخفيف تعمل مع شركة إسبانية لتمويل الخط الجديد الذي تصل تكاليفه إلى نحو 5.1 مليار شيكل (نحو مليار ونصف المليار دولار أمريكي). ولكن المسار الجديد لم يلق ترحاباً من عدد من فئات المستوطنين. ففي بداية شهر ديسمبر 2020 تظاهر مئات المستوطنين الأرثوذكس ضد بناء سكة القطار الخفيف في شارع بار إيلان المتاخم للأحياء الدينية بذريعة أنه يضر بالطابع الأرثوذكسي المتطرف للمنطقة. وبحسب شرطة الاحتلال أشعل المتظاهرون النار في الأدوات الهندسية المستخدمة في بناء مسار القطار الخفيف. *مشروع القطار السريع
يُشكل القطار السريع واحداً من الأدوات التي تسخرها سلطات الاحتلال لربط مختلف المناطق المحتلة وفي شهر سبتمبر 2018 دشنت سلطات الاحتلال مساراً للقطار السريع يربط بين القدسالمحتلة ومطار بن غوريون في تل أبيب . وتستغرق الرحلة بين المدينتين 21 دقيقة وتشمل الرحلة 40 كيلومتراً من الأنفاق وثمانية جسور ويمر جزء صغير منه بالضفة الغربيةالمحتلة وتبلغ سرعته 160 كيلومتراً في الساعة. ومن بين الشركات المشاركة فيه بومباردييه الكندية و ألستوم الفرنسية و سيمي الإسبانية. وفي سياق تطويع هذه المشاريع لأهداف تهويدية واستيطانية أعلنت سلطات الاحتلال عن تمديد مسار القطار السريع ليصل إلى سور الأقصى الغربي وعلى أثر رفض عدد من الجهات الإسرائيلية للمشروع أعلنت اللجنة الوطنية للبنية التحتية الإسرائيلية في 17 فيفري 2020 موافقتها على المشروع وأعلنت أن مسار القطار الذي سينتهي عند نقطة ستُستحدث عند سور الأقصى الغربيّ تحت اسم محطة ترامب في إشارة إلى تقدير جهود الرئيس الأمريكيّ السابق في دعمه المفتوح للاحتلال. وذكرت منظمة عمق شبيه أنّ المجلس الوطني للاستثمار صادق على المسار بسبب الضغوط السياسية التي مارستها منظمات المستوطنين ويشمل مسار القطار شريطاً يمتد تحت عشرات المنازل الفلسطينية في سلوان جنوب الأقصى بموازاة الجدار الجنوبي للمدينة القديمة. وبحسب منظمة عمق شبيه فإن مرور القطار فوق سطح الأرض إلى محطة ترامب سيستلزم تدمير الطبقات الأثرية في المكان فضلاً عن إلحاق الضرر بعين سلوان التاريخية وتلويثها. وبدأت سلطات الاحتلال بأعمال حفر تحضيرية لمسار القطار خارج البلدة القديمة وأقرت كذلك مخططات تحمل أسماء تاتال 108 (أ) وتاتال 108. ويتعلق المشروع الأول ببناء نفق سكة حديد تحت الأرض يصل ما بين الشطر الغربي من القدس ومنطقة باب المغاربة وصولاً إلى تخوم المسجد الأقصى بينما يتعلق الثاني ببناء سكة حديد فوق الأرض تجوب أحياء القدس المختلفة. *الطرق الاستيطانية: عزل أحياء القدس وتسهيل حركة المستوطنين وإلى جانب المشروعين السابقين أقرت سلطات الاحتلال العديد من مشاريع شق الطرق الاستيطانية في أنحاء القدسالمحتلة وإلى جانب ربط مستوطنات المدينةالمحتلة تعمل هذه الطرق على عزل المناطق الفلسطينية وتحويلها إلى جزر متفرقة يربطها حواجز وطرق الاحتلال. وفي عام 2020 أقرت سلطات الاحتلال العديد من هذه المشاريع أبرزها: - في 9 مارس 2020 صادق وزير الحرب في حكومة الاحتلال نفتالي بينيت على مشروع شق طريق جديد يفصل بين المستوطنين والفلسطينيين في القدسالمحتلة أطلق عليه طريق السيادة . وبحسب مصادر عبرية يهدف الطريق إلى فصل المواصلات العامة التابعة للمستوطنين عن المواصلات التابعة للفلسطينيين إضافة إلى أنه سيمهد الطريق لرفع حجم الاستيطان في المنطقة المسماة E1 . - في 15 جوان 2020 بدأت سلطات الاحتلال شق طريق استيطانيّ دائري في القدسالمحتلة يحمل اسم الطريق الأمريكي سيربط الطريق المستوطنات المقامة شمال القدسالمحتلةوجنوبها ويزيد الطريق عزل الأحياء والمناطق الفلسطينية المحيطة بالقدس. - في منتصف شهر أوت 2020 صادقت الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال على عدد من المشاريع الاستيطانية تهدف إلى ربط الكتلة الاستيطانية بنيامين قرب رام الله مع القدسالمحتلة ومن بين هذه المشاريع:
- شق طريق سريع يربط المنطقة الصناعية بنيامين مع المنطقة الصناعية عطاروت شمال القدسالمحتلة عبر نفق طوله 600 متر يمرّ تحت حاجز قلنديا وبلدة الرام. - تطوير شارع ال 60 الذي يستخدمه المستوطنون من مستوطنات آدم وبساغوت وبيت إيل وعوفرا للوصول مباشرة إلى القدسالمحتلة. -المصادقة على شق طريق آخر بين الكتلة الاستيطانية بنيامين والقدسالمحتلة يمتد من مستوطنة آدم حتى حاجز حزمة شمال شرق القدسالمحتلة. لم تكن المشاريع السابقة منفصلة عن رؤية إسرائيلية واضحة تسمح لهذه المشاريع بدعم الاستيطان وتطويره في المدينةالمحتلة. ففي نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 أعلنت وزيرة المواصلات في حكومة الاحتلال حينها ميري ريغيف خطة استراتيجيّة لتطوير شبكة المواصلات بين مستوطنات الضفة الغربيةالمحتلة وتمتد الخطة على مدى عشرين عاماً وتشمل إقامة شوارع التفافية تصل بين المستوطنات وشوارع أفقية وعموديّة جديدة. وعرضت ريغيف الخطّة أمام رؤساء المستوطنات في الضفة الغربيّة وأمام رؤساء الإدارة المدنيّة للاحتلال في الضفّة. وبحسب خطة ريغيف تنقسم هذه المشاريع على ثلاثة مراحل: الأولى قصيرة المدى تنتهي في عام 2025 والثانية متوسطة المدى تنتهي في عام 2035 والأخيرة بعيدة المدى تنتهي في عام 2045. وفي سياق خطة التطوير هذه أعلنت ريغيف في 6 ديسمبر 2020 عن تخصيص ميزانيّة قدرها 400 مليون شيكل (نحو 120 مليون دولار أمريكي) لتطوير شبكة المواصلات بين المستوطنات. *مشاريع استيطانية ذات أهداف تجارية وسياحية وإلى جانب ما سبق تعمل سلطات الاحتلال على تنفيذ مشاريع استيطانية تهدف إلى تعزيز البنية التجارية والسياحية للمناطق الاستيطانية. ففي 17 سبتمبر 2020 كشفت صحف عبرية أن بلدية الاحتلال في القدس و الصندوق الدائم لإسرائيل و الوكالة اليهودية وقعوا اتفاقاً لإقامة مشروع استيطاني وسط القدسالمحتلة على أن يكون من أضخم المشاريع في الشرق الأوسط وسيقام في المنطقة التي تضم مركز المؤتمرات مباني الأمة على مدخل القدسالمحتلة. وستبلغ كلفة المشروع نحو مليار و800 مليون شيكل (نحو 500 مليون دولار أمريكي) على أن يضم تسع ناطحات سحاب إضافة إلى خمسة مبان متعددة الطبقات. وإلى جانب الدعم التجاري والسياحي تحاول سلطات الاحتلال تغيير طبيعة المناطق المستهدفة بهذه المشاريع. ففي 8 نوفمبر 2020 كشفت معطيات صحفية عبرية أن اللجنة اللوائية الإسرائيلية في القدس أودعت مخططاً ضخماً يحدد سياسات التنظيم في مركز مدينة القدسالمحتلة لسنوات قادمة. ويشمل المخطط شارع المصرارة والشارع رقم واحد مروراً بشوارع السلطان سليمان وصلاح الدين والزهراء والأصفهاني والرشيد وصولاً إلى منطقة الشيخ جراح وفندق الأمريكان كولوني وامتداداً على الشارع رقم واحد الفاصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي ويطلق عليه الاحتلال مشروع مركز المدينة شرق . ومن أبرز التغييرات التي يقرها المخطط تحويل شارع صلاح الدين إلى شارع خاص بالمشاة وبحسب متخصصين من القدسالمحتلة سيؤثر المشروع في 300 ألف فلسطيني في الشطر الشرقي من المدينة. وفي سياق تغيير المدينةالمحتلة كشفت صحيفة هآرتس العبرية في 14 ديسمبر 2020 أن بلدية الاحتلال في القدس تعتزم تنفيذ مشروع استيطاني ضخم وصفته مصادر الاحتلال بأنه عملية تجميل كبيرة ويستهدف بحسب هذه المصادر واحدة من أهم الوجهات السياحية في المدينة متمثلة ببوابة يافا في البلدة القديمة . وبحسب الصحيفة ستعمل سلطات الاحتلال على تحويل المنطقة إلى مجمع سياحي مفتوح يضم متحفاً تحت الأرض إضافةً إلى ساحات عامة تسهل وصول السياح والمستوطنين إلى المنطقة.