ما إن تشرق الشمس على الكثير من الأحياء حتى يسمع السكان الصيحات المتعالية لأطفال صغار يصرخون: »اللي عندو خبز يابس«، فيقوم قاطنو العمارات وبحركة آلية برمي أكياس الخبز اليابس من النوافذ، ليسارع هؤلاء الأطفال إلى التقاطها وحملها على أكتافهم والذهاب بها بعيدا. هو حال فئة من الأطفال الصغار الذين يعيشون على بقايا الخبز اليابس، يبيعونه ويأخذون مقابله ثمنا زهيدا، يسترزقون منه ويعيلون به أسرهم، ويومهم العادي يبدأ في الصباح الباكر، حيث يستفيقون ويتوزعون على أحياء من العاصمة، حاملين عادة أكياساً كبيرة وسلاحهم صوتهم والعبارات التي يحفظونها عن ظهر قلب، والتي صارت مع الوقت عبارات مألوفة لدى السكان، ينتظرونها في وقت محدد، وقد يجهز البعض منهم ما تبقى له من خبز ويضعه أمام العمارة. وعادة ما يبيع هؤلاء الأطفال الخبز اليابس إلى أصحاب الماشية، والذين يتاجرون بالأغنام، حيث أنّ ثمن الكيس الكبير من الخبز يعادل المائتي دينار، أما ظروفهم والأسباب التي أدت بهم إلى امتهان هذا العمل فهي كثيرة، ولكنها عنوان لمصير واحد، الفقر وقلة الحيلة والحاجة إلى كل دينار ينتفعون به، حيث قال لنا بعض هؤلاء الأطفال الذين اقتربنا منهم، ومنهم سمير، 12 سنة، إنّ أمّه مريضة ووالده قد أحيل على التقاعد، وإنه اضطر إلى العمل، خاصة بعدما خرج من الدراسة لأنه لم يستطع تغطية المصاريف اللازمة للدراسة، كل هذا جعله يمتهن هذه الحرفة، على الأقل حتى يجد عملا أحسن. أمّا حسام، 13 سنة، فقد وجدنا صعوبة كبيرة في الحديث إليه، حيث أنه كان مستاء خاصة بعدما طرده زميله الذي ادعى أنّ المكان له، فقال لنا إن هذا العمل لا يمارسه لوحده، بل إن الحي الذي يسكنه بأكمله قد احترف هذه المهنة، فهم فقراء ولا يكادون يجدون لقمة العيش، خاصة بالنسبة للذين لهم أولياء عاطلون عن العمل، كما وجدنا فتاة في الرابعة عشر من العمر، كانت بدورها تحمل كيساً أكبر من جسدها الضعيف والهزيل، وكانت تتبع أخاها بصمت، وربما كانت المرّة الأولى التي تعمل فيها، فقد كانت لا تزال خجولة وحيية، ولا شك أن الحياة كلها مخاطر ومجازفات تنتظرها. وقد لاحظنا ونحن نرقب تحركات هؤلاء الأطفال، والذين اغتصبت منهم براءتهم، أنهم قد قسموا الأحياء وحتى العمارات بينهم، وهذا حتى لا يتصارعوا على حي أو مكان معين، لكن ومع ذلك، فكثيرا ما تنشب شجارات بينهم، حيث يحاول أحدهم أن يعمل في حي الآخر، بعدما لم يجد الشيء الكثير في الحي الذي يعمل فيه، وبالتالي يضطر إلى البحث في مكان آخر، حيث يصطدم بصديقه فينشب بين الاثنين الصراع، خاصة وأن ضغط الحياة اليومية والفقر والجوع والمأساة التي يعانيها هؤلاء الأطفال لا ترحم.