غالبا ما يعتمد مربو الأبقار و الأغنام في إطعام مواشيهم على العلف و الكلإ إلا أن هناك من يستبدل هذه المادة بالخبز اليابس الذي يعتمدونه غذاء رئيسيا لزيادة وزن الأغنام التي سيسوقونها بمناسبة عيد الأضحى، لذا تحولت ظاهرة جمع الخبز اليابس إلى حرفة يمتهنها العديد من الجزائريين بحثا عن المال، فبعدما كان يقتصر جمعها على الأطفال مجانا بطرق أبواب البيوت أو يجدونها معلقة على أبواب العمارات يأخذوها بعد ذلك مباشرة إلى إسطبلات المربين مباشرة. أصبح الحصول على الخبز اليابس يمر اليوم عبر مراحل، فجامع الخبز اليوم ليس بالضرورة أن يكون من الرعاة أو المربين، بل أنه من الممولين للعملية فقط بجمع الخبز اليابس ثم إعادة بيعه للمربين ولأشخاص آخرين يستعملونه في صناعة بعض المواد مقابل مبلغ مالي يتقاضونه. ومن أجل تسليط الضوء على هذه الظاهرة ومعرفة خفاياها قمنا باستطلاع الأمر من أهله. كثيرا ما يلتقي الناس في الشوارع والطرقات بالأطفال وهم يجوبونها في رحلة البحت عن الخبز اليابس في كل مكان، يطرقون على أبواب البيوت ومحلات بيع الشواء وكذا محلات الأكل السريع التي تسجل فائضا من الخبز لا يمكن إعادة استعماله وهو الطلب المناسب لمن يحترف حرفة جمع الخبز اليابس والتي يمتهنها بعض الصغار وحتى الكبار لإعادة بيعها للمربين الذين يعتمدون عليها بدورهم كمادة أساسية لعلف المواشي، إذ زاد انتشار هذه الظاهرة في هذه الفترة بالذات وهي الحقبة التي تختار فيها المواشي للبيع في العيد الأضحى، وبذلك تعرف هذه الظاهرة منحى آخر ومنعرجا مختلفا عن ذلك الذي كانت تعرف به في الماضي، حيث أصبحت تشكل تكتلات في شكل شبكة تجارية ينشط في إطارها العديد من العناصر في شكل أفراد وجماعات من كل الأعمار و الفئات، بل حتى العنصر النسوي حاضر في شبه التنظيم هذا الذي يكون بين أولئك الذين يمارسون هذه المهنة في الميدان ويحرصون في كثير من الأحيان على جمع الخبز اليابس ووضعه في الأكياس وصولا لمرحلة توزيعه لإعادة بيعه لمن يحتاجه وأولئك الذين يدفعون ثمنا مقابل اعتمادها لتغذية مواشيهم من أجل زيادة وزنهم، وهي الحيلة التي يعول عليها الكثير من الموالين بحثا عن الربح السريع برفع سعر ماشيتهم أثناء عرضها في السوق بحجة أنها تتمتع بالصحة الجيدة كما أنها ثقيلة الوزن. "الخبز اليابس مطلوب خارج العاصمة " انطلاقا من مقولة تجد في ''النهر ما لا تجد في البحر'' كانت انطلاقتنا لدخول العديد من الشباب والأطفال والنساء إلى عالم الشغل خاصة في المناطق المتاخمة للجزائر العاصمة، وهي المنقطة التي بدأت فيها حرفة جمع الخبز اليابس لإطعام المواشي بعدما كان يعتمد عليه لتغذية الدجاج وذلك بتبليله ثم تفتيته في إناء حتى يتناوله الدجاج إلى جانب النخالة التي شهدت ارتفاعا في أسعارها لأنها الطعام الذي يقدم إلى المواشي. وهي الفكرة التي بدأت تستهوي الفقراء و البطالين. وبذلك أصبحت السيارات التجارية من نوع ''مازدا ''و ''بيجوا'' و ''رونو'' تجوب شوارع وأحياء وأزقة العاصمة لجمع الخبز لأن ما هو معروف عن سكان العاصمة أنهم من أكبر المستهلكين للخبز الذي يتخلون عنه بمجرد أن يمسي ليلقوا به في سلة المهملات ولتولي هذه الشبكات جمعه ليتحولوا بذلك إلى زبائن دائمين تمتلئ ببقايا خبزهم صناديق السيارات في اتجاهها إلى مربي المواشي لتتضح تدريجيا المعالم التجارية لهذه الصنعة الجديدة ة. وأثبت الجانب المخفي الذي كثيرا ما تساءل الناس عنه كسؤال أين يتم الذهاب بكل هذه الكميات من الخبز ليصل به الحد إلى هذا الاهتمام الكبير الذي يطرحه الكثير من المواطنين والمواطنات، لدرجة وصلت إلى حد امتناع العديد من الزبائن منح وإعطاء بقايا ما يتم جمعه منه دون مقابل أو نصيب مادي أو الحفاظ عليه ليتم أخذه لأحد الأقارب أو المتعاملين، بعدما اتضحت الملامح والخطوط العريضة لهذه الظاهرة، ولهذا فالكل يجمع الخبز من بائع الخضر والفواكه إلى صاحب الهاتف العمومي بل ووصل الأمر ببعض العائلات إلى تجمعيه لإعادة بيعه بأنفسهم والاستفادة ببعض النقود لا لشيء، إلا لأن السبب هو اقتراب عيد الأضحى. ينافسون المواشي في الخبز اليابس إجابة بسيطة أجابنا بها العديد من ممارسي هذه المهنة عندما تقدمنا بطرح السؤل عليهم عن الجدوى من الاستمرارية في جمع الخبز اليابس، رغم قلة الدخل الذي يوفره من خلال هذه التجارة خاصة وأن سر مهنتهم أصبحت معلومة لدى العام والخاص مما خلق نوعا من المنافسة لدى ممتهنيها ليكون الرد مباشرة واضحا وهو أن الرضا والقناعة بالقليل من المال الحلال خير من مد الأيدي للصدقة أو الانتظار بأن تمطر السماء ذهبا، وتحقق بذلك المعجزات لرد شبح الفقر المدقع الذي يضرب في كل مرة الوضع الاجتماعي للعائلات دون شفقة ومن أجل التخلص من الجوع والبطالة يضيف أحد من سألناهم قائلا ''حال شوارعنا وأرصفتنا التي تكسوها بقايا الخبز اليابس الذي تتركه العائلات على قارعة الطريق يسهل لنا كثيرا من المهمة التي نحن مكلفين بإنجازها بعدما تجاهلت نفس العائلات الأساليب التي يمكن أن تسترجع بها هذه المادة الأساسية وبالتالي استغلالها في إعداد الحلويات بدل طحين الفرينة أو استخدامها في إعداد بعض المأكولات ''كطبق السفيرية'' الذي تخلت عنه العديد من العائلات الجزائرية ليرسم بذلك وضعا اجتماعيا وواقعا مغايرا عن فكرة أن الشعب ليس بمبذر للخبز ليحتل المجتمع الجزائري بذلك أعلى معدلات التبذير. في حين هناك بعض العائلات عانت فعلا من الفقر ولم تجد حتي الخبز اليابس لإطعام أفراد أسرتها خاصة خلال العشرية السوداء التي أتت عواصفها الهوجاء على الأخضر واليابس، خاصة في القرى والأرياف والتي لم تسلم من آثارها السلبية، لذا من بين أهم المكاسب التي يجنيها هؤلاء من خلال إعادة تجميع الخبز اليابس رغم مشقته في تحصيل بعض الأموال وتقديم خدمة هامة لمالكي رؤوس الأغنام. "الخبز بديل عن العلف " يسعي أغلبية المربين إلى توفير الخبز اليابس بغية الحفاظ عليه كبديل للأعلاف خاصة في فترات نقص العلف وارتفاع أسعارها الذي يصل في كثير من الأحيان الى 3000دج وبدورها تؤثر بطريقة مباشرة في ارتفاع ثمن الخبز المستهلك يوميا الذي وصل إلى 10دج خلال هذه الفترة. ومهما كانت الحجج والمتغيرات حول العديد من القضايا والموضوعات فان الطرق الأخرى لاستغلال الخبز اليابس من قبل العائلات تكمن في فكرة تشجيع استرجاعه و تحويله الى مصدر رزق يغطي بعض تكاليف الحياة اليومية لعائلات تعاني من الفقر والحرمان ويعتمدون عليه كمصدر للاسترزاق يعدون به أطباقا تسد جوعهم، حيث يتم الاستعانة بها في فن الطهي وتحضير الأطباق، أو كما تعمل بعض الأمهات باستخدام الخبز كبديل للدقيق في عملية تحضير الخبز التقليدي أو ما يطلق عليه اسم المطلوع بالعامية إضافة لاستخدامات أخرى على رأسها الخبز الذي يتم دمجه مع مجموعة من التوابل والمقادير اللازمة لتصنع منه بعض الحلويات وهذا بشهادة أصحاب التجربة والخبرة في هذا المجال ببيع الخبز اليابس. وما يلفت الانتباه في هذه الفترة حسب ما أدلى به ممتهنو هذه الحرفة أنه يزداد الطلب عليه من قبل مربي المواشي لتغطية النفقات المتزايدة على موسم الأمطار وفصل الشتاء وهذه بطبيعة الحال ليست الوجهة الأولى والأخيرة التي تؤول إليها هذه النعمة الإلهية، ناهيك عن استغلال الأطفال وتكليفهم القيام بهذا النوع من الأعمال الشاقة وهم أصحاب الفكر الخاطئ، لكن الأثر النفسي الخفي على نمو وتكوين شخصية رجال المستقبل سيبقي أثره راسخا في عقولهم إلى الوقت الذي من المفروض أنهم يلتحقون فيه بمقاعد الدراسة.