تصاعد احتجاج سكان (ديار الشمس) بالمدنية في الجزائر العاصمة، ليلة الأحد إلى الاثنين، وعاش السكان ليلة رعب أبعدت النّوم عن جفونهم إلى غاية الساعات الأولى من صباح أمس بعد أن تمسّك السكان المعنيون بالترحيل بعدم التوجّه إلى منطقة بئر التوتة، وهي الوجهة التي كانت قد حدّدتها ولاية الجزائر بالتنسيق مع دائرة (سيدي امحمد)، ممّا حطّم طموح الكثيرين، سيّما وأن الوِجهة لم تكن من بين الوجهات التي وُعدوا بها من قبل، وهي التي تراوحت بين السبّالة وبابا علي وعين المالحة· هذا (الانسداد) أدّى إلى تواصل الاحتجاج وللمرّة الثانية على التوالي، سيّما وأن الاحتجاج الأوّل يوم السبت الماضي توقّف بناء على وعود الوالي المنتدب بإيجاد حلّ يرضي السكان واستبدال الوجهة إلاّ أن شيئا من ذلك لم يحدث وتمسّكت الولاية بنفس الوجهة إلى منطقة بئر التوتة، ممّا أدّى إلى وقوع اشتباكات عنيفة بدأت حوالي الساعة السابعة مساء من ليلة أوّل أمس واستمرّت إلى الساعات الأولى من نهار أمس. وشهدت اللّيلة مواجهات عنيفة بين المحتجّين وعناصر الشرطة أدّت إلى وقوع خسائر مادية في مفترق الطرق المؤدّي إلى حي (ديار الشمس)، أين تعرّضت مداخل المؤسسات للتخريب والرّشق بالحجارة، إلى جانب الخسائر البشرية، حيث أصابت الحجارة والوسائل الحادّة خمسة من عناصر مكافحة الشغب، كما استعملت قارورات الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، ممّا أدّى إلى دخول الحي في ضباب مكثّف تصاعد إلى سكان العمارات الذين تضرّروا كثيرا من تلك الرّوائح التي تسدّ النّفس وأجبروا على سدّ نوافذهم في عزّ الصيف. واستمرّت الاحتجاجات والمواجهات العنيفة مع عناصر مكافحة الشغب إلى غاية الساعات الأولى من صباح أمس، كما استمرّ غلق الطريق، ممّا أدّى إلى عرقلة حركة المرور وأجبر العاملون على قطع مشاوير الذهاب إلى عملهم مشيا على الأقدام ودخلت كامل المنطقة في موجة عنف، حيث ظهرت الأحجار مبعثرة هنا وهناك وكان المنظر أشبه بحرب، كما كان الكلّ يتفادى العبور من تلك النّاحية بسبب الحجارة التي كانت تتهاطل من فوق الجبل المحاذي للحي، والذي أزّم عملية التحكّم في الوضع واستعصاء القبض على المتظاهرين الثائرين· ** السكان يتمسّكون بعدم مغادرة الحي تمسّك العديد من السكان بعدم مغادرة الحي، كما توعّد الشبّان المتظاهرون بحرق شاحنات حمل العتاد المستعملة في عملية الترحيل إن هي وطأت الحي أمس والسبب هو أن الوِجهة التي حدّدت كانت عكس آمالهم وطموحاتهم التي بنوها منذ وقت طويل، وكان تاريخ 5 سبتمبر موعدا لترحيلهم، إلاّ أن الوجهة ألغت ذلك الحلم بعد أن تمسّك السكان بعدم الرّحيل إلى تلك الجهة المعزولة والبعيدة عن عاصمة البلاد، وهم الذين ألفوا العيش وسط العاصمة لعقود طويلة، ورأى الكلّ أن تحديد الوجهة إلى منطقة بئر التوتة وبالتحديد أولاد منديل فيه إجحاف وهضم لحقوقهم·. اِقتربت (أخبار اليوم) من بعض سكان الحي لرصد آرائهم والوقوف على الأسباب الحقيقية التي كانت وراء رفضهم الرّحيل إلى منطقة بئر التوتة فأوضح الكلّ أن كلّ الظروف لا تشجّع على مغادرة تلك الشقق الضيّقة نحو شقق تقع في منطقة معزولة وبعيدة عن عاصمة البلاد لا تتوفّر فيها أدنى متطلّبات الحياة الضرورية واستعصاء التأقلم مع تلك الظروف الصّعبة التي تحاصر المنطقة من كلّ جانب من حيث الأزمات التي تطالها فيما يخص ندرة الماء والكهرباء والغاز وهم الذين ألفوا حياة يسيرة في الحي على الرغم من ضيق السكنات. فالحي مهيّأ بكلّ الشروط الضرورية من حيث الماء والكهرباء والغاز، إضافة إلى الوضعية الكارثية التي بنيت بها تلك الشقق والتي لا تقارن البتّة مع الشقق التي رحّل إليها أقرانهم في الدفعتين السابقتين نحو جنان السفاري ببئر خادم والسبّالة بدرارية، ليفاجئوا هم في هذه المرّة بتحديد وجهة ترحيلهم إلى ناحية معزولة تبعد عن العاصمة بحوالي 50 كلم، ناهيك عن تصميم الشقق الذي لم يناسب طموحاتهم البتّة كونها ضيّقة ولا تقارن بشقق جنان السفاري، وكذا شقق السبّالة. كلّ تلك الظروف جعلت سكان الحي يتمسّكون أكثر بعدم الرّحيل إلى هناك، سيّما وأن كلّ الظروف لا تشجّع البتّة على مغادرة منطقة سكنية تقع وسط العاصمة إلى جهة معزولة وبعيدة عن العاصمة، وأجمعوا على عدم مغادرة الحي ولو تطلّب الأمر المكوث به لعقود أخرى، فهم يفضّلون الضيق الخانق على الإجحاف والظلم والحفرة التي تعرّضوا لها على حدّ تعبيرهم· ** سكان البناءات الفوضوية أولى بشقق السبّالة! وما تفاجأ له السكان وعبّروا عنه لنا هو حيرتهم من تحديد وجهة السبّالة لسكان البناءات الفوضوية بمنطقة العافية في الوقت الذي وعد فيه بها سكان (ديار الشمس)، ممّا أدّى إلى إشعال فتيل الاحتجاجات، سيّما وأنهم رأوا في ذلك ظلم لأصحاب السكنات الشرعية الذين قبعوا في تلك السكنات لعقود طويلة تفوق 60 سنة. هذا ما عبّر به أحد المواطنين الذي التقيناه وسط الحي صبيحة أمس، أين كان يشهد الحي سكونا تامّا وحدادا بعد أن أغلقت كلّ منافذه الرئيسية بحواجز ومتاريس، حيث قال: (القرارات العشوائية هي التي أدّت إلى إشعال نار الفتنة في الحي الواحد، فبعد أن تداول خبر ترحيلنا إلى السبّالة وبابا علي ها نحن نتفاجأ بتلك الوجهة التي تتقزّز الأنفس لسماعها بالنّظر إلى الظروف المحيطة بالمنطقة، ناهيك عن طريقة التصميم الهندسية، فهل رأيتم يوما غرفة صغيرة على شكل مثلّث؟ فباللّه عليكم كيف سيوضع فيها الأثاث؟!. ناهيك عن البعد، ممّا يؤدّي إلى مشقّة التنقّل إلى العمل في العاصمة واستبدال العديد من الحافلات، ما يؤدّي إلى استعصاء الأمر على الرجال فما بالنا بالنّساء ، سيّما وأن الحي يحتوي على فئة واسعة من الموظّفين يعمل أغلبهم وسط العاصمة، ضف إلى ذلك نحتار من الإجحاف والظلم الذي تعرّضنا له لنجد أشخاصا آخرين قطنوا سكنات فوضوية بطريقة غير شرعية استفادوا من سكنات كنّا نحن أولى بالاستفادة منها. وما زاد من تأجيج نار غضبنا هو تمسّك صنّاع القرار بنفس الوجهة في الوقت الذي وعد فيه أبناء الحي بعد الاحتجاجات الأولى التي كانت يوم السبت الماضي بإعادة النّظر في الوجهة وتأكيد استبدالها إلى ما هو أحسن، ليفاجأوا بالتمسّك بنفس الوجهة صبيحة اليوم الموالي، وكان غرض الجهات المسؤولة تأجيج نار الفتنة في الحي ليواجه أبناؤنا بالقارورات المسيلة بالدموع والرّصاص المطاطي والعصي بعد رفضنا وجهة الترحيل كحقّ شرعي مخوّل لنا قانونا مقابل التنازل عن شققنا بالحي). ** أثاث مبعثر وأمل باق في تغيير الوِجهة وفي ظلّ هذا وذاك تعيش أكثر من 390 عائلة معنية بالترحيل حالة كارثية في تلك الشقق ميّزتها الفوضى والأثاث المبعثر هنا وهناك، سيّما وأن معظم العائلات استعدّت منذ أشهر لشدّ رحالها وجهّزت نفسها على هذا الأساس لتصطدم بتلك الوجهة التي لم تخدم آمالها البتّة. وقد وقفت (أخبار اليوم) صبيحة أمس على تلك الوضعية لبعض الشقق التي زادتها حاويات الأثاث اختناقا ورصدت بعض الآراء للقاطنين بتلك الشقق الذين عبّروا عن مأساتهم مع الضيق الخانق وبعدها مع الفتنة القائمة بعد بزوغ شمس الأمل، حيث قالت إحدى السيّدات: (نحن في حيرة من أمرنا هل سنرحل أم لا؟ على المكلّفين بالأمر توضيح الأمر أو على الأقل استبدال الوجهة بناء على رغبات المرحّلين لتحقيق أمانيهم التي لطالما حلموا بها منذ أكثر ما يفوق الخمسين سنة. وبما أن أغلب السكان أجمعوا على عدم شدّ رحالهم إلى تلك الوجهة على السلطات المحلّية أن تجد حلاّ يخدم الجميع، سيّما وأن حالتنا كارثية). وقد وقفت (أخبار اليوم) على الفوضى الحاصلة في الشقق منذ أكثر من شهرين استعداد للرّحيل، ناهيك عن الذين تخلّصوا من أثاثهم القديم بغية استبداله في البيت الجديد لتذهب كلّ تلك البرامج في مهبّ الرّيح، لكن يبقى أمل سكان حي (ديار الشمس) باق في تغيير الوجهة في القريب العاجل للقضاء على نار الفتنة والغضب، وهي الأوضاع التي تغلب على الحي في هذه الآونة وإلى حدّ كتابة هذه السطور·