طقوس وعادات متوارثة عبر ولايات الوطن حركية واسعة في الأسواق بمناسبة رأس السنة الأمازيغية
تحيي العائلات الجزائرية اليوم ليلة رأس السنة الأمازيغية 2974 بطقوس وعادات متوارثة مند زمن بعيد تميزها أجواء الفرحة والبهجة واللمة العائلية إلى جانب تحضير الأكلات التقليدية التي تعتلي عرش الموائد وهي كلها مظاهر تجسّد التمسك بالطقوس والعادات المتوارثة كما شهدت الأسواق حركية واسعة عشية يناير لاقتناء المستلزمات الضرورية التي تتطلبها المناسبة على غرار التراز وهو الحاضر الأول في كل بيت. نسيمة خباجة تستقبل العائلات الجزائرية السنة الأمازيغية الجديدة بأجواء مميزة تعبيرا عن الفرحة والغبطة وهي من بين العادات المتوارثة مند زمن بعيد التي مارسها أجدادنا في يناير تفاؤلا بسنة سعيدة يكثر فيها الخير والبركة. أصل الاحتفال ب يناير تختلف الروايات عن أصول ينّاير أو ناير لكن الرواية الأبعد عن الأسطورة والأقرب إلى المؤرخين هي قصة وصول الأمازيغ إلى عرش مصر فالاحتفال برأس السنة الأمازيغية هو في الأصل احتفال بانتصار الملك شيشناق وهو أمازيغي من أصول ليبية على الفراعنة الذين كان يحكمهم رمسيس الثالث. ويقول مؤرخون إن المعركة حدثت على ضفاف النيل 950 سنة قبل الميلاد. وعلى إثر انتصاره أصبح الملك شيشناق الأمازيغي حاكم الأسرة الثانية والعشرين للفراعنة. هناك أيضا من يرجع أصول الاحتفال ب ينّاير إلى بعض الأساطير القديمة منها أسطورة العجوز التي تحدّت شهر يناير وظروف الجو القاسية لترعى أغنامها فطلب شهر يناير من شهر فيفري أن يعيره ليلة ونهارا للانتقام من العجوز وتؤكد الأسطورة أن يناير جمّد أوصال العجوز وأغنامها لذا يعتبر بعض الأمازيغ القدامى أن هذا اليوم يجب أن يكون يوم حيطة وحذر آخرون يعتبرون أن الاحتفال ب ينّاير سيجلب لهم الخير والسعادة والنجاح لأن يناير هو أول شهر في الرزنامة الأمازيغية الفلاحية. عادات وطقوس متنوعة لا يخلو شهر يناير من الاحتفالات والطقوس التي تعكس الهوية الأمازيغية خاصة في الدول المغاربية على غرار الجزائر بحيث تجتمع العائلة لإعداد أطباق خاصة بهذه المناسبة مثل طبق الشخشوخة أو الرشتة أو البركوكس بالإضافة إلى التراز وهو خليط مكون من الحلويات والتمر والفواكه الجافة. وتلتزم عائلات جزائرية بعادة لا جدال فيها بوضع اصغر فرد في العائلة وهو الطفل الأصغر وسط جفنة أو صينية كبيرة ويدورون حوله ويرمون فوق رأسه التراز تيمنا بالخير وزيادة الرزق للطفل والعائلة ككل. وشهدت الأسواق حركية واسعة استعدادا لإحياء يناير واقتناء المستلزمات الضرورية التي تحتاجها كل ربة بيت لتحضير الاطباق والحلويات الخاصة بيناير. اقتربنا من بعضهن للوقوف اكثر على العادات التي يلتزمن بها. تقول السيدة وردة في العقد الرابع إنّها تحتفل في كل سنة مع العائلة بمناسبة يناير وكانت تقتني الدجاج لتحضير طبق الرشتة إلى جانب أنواع من الحلويات والفواكه الجافة لتستعملها في خليط التراز كما اقتنت السميد والغرس لتحضير المبرجة كحاضرة أولى صبيحة 12 جانفي لإرفاقها بوجبة القهوة إلى جانب السفنج وتكون لمة عائلية رائعة في رأس سنة أمازيغية جديدة. أما الحاجة شريفة فقالت: بكل تأكيد نحتفل بمناسبة يناير.. وهي تستقبل أبنائها واحفادها لإقامة العشاء في بيتها يزيّنه طبق الشخشوخة التقليدي لتكون السهرة بالشاي والتراز وأضافت أنهم يلتزمون بعادة رمي التراز على اصغر حفيد بعد وضعه في الجفنة وصاحب الحظ في هذه السنة هو ابن ابنها البالغ من العمر ستة اشهر بحيث تقوم بوضعه في الجفنة وترمي عليه التراز وسط فرحة الاحفاد الآخرين وكل افراد العائلة صغارا وكبارا. تخضيب الايدي بالحناء هو أيضا عادة تلتزم بها العائلات الجزائرية كفأل حسن في يناير بحيث تخضب الأمهات ايدي الأطفال ويظهرون بأيدي تزينها الحناء وبأطقم تقليدية جميلة تتزعّمها الجبة القبائلية العريقة. الثلوج تعيد ليناير رمزيته بالبويرة ألبست الثلوج منذ عدة أيام مرتفعات وقمم جبال ولاية البويرة حلة بيضاء زادتها سحرا ترافقه موجة برد شديدة مع اقتراب حلول السنة الأمازيغية الجديدة (2974) وأعطت ليناير كل رمزيته وقسوة برودته الشتوية. فلقد تساقطت كميات كبيرة من الثلوج منذ الخميس الماضي على مرتفعات جرجرة وتيكجدة متسببة في انخفاض كبير في درجات الحرارة بكل أنحاء المنطقة التي يسودها برد شتوي قارس يعلن عن قدوم السنة الأمازيغية الجديدة (12 يناير) بخطى متسارعة. أكد الأستاذ الجامعي والباحث في الأدب والثقافة الأمازيغية محمد جلاوي في هذا الشأن أن عودة الثلوج والبرد تبشر بموسم فلاحي خصب ومثمر وترمز إلى شهر يناير قاس وارتباطه بالأرض والثلوج والأمطار وأضاف أن الاحتفال بالعام الأمازيغي الجديد كما كان منذ القدم يرمز للفرح والأمل من خلال طقوس وتقاليد تستذكر التاريخ الأسطوري ليناير. وتروي الأساطير الأمازيغية القديمة أن تاريخ يناير مرتبط بقصة عنزة أسطورية أثارت غضب يناير في آخر أيامه بسبب اغتباطها وسخريتها منه كون قساوة الشتاء وسيوله الجارفة لم تمسسها بضرر ووصفته ب الضعيف والعاجز عن إلحاق الأذى بها وللانتقام منها أقسم يناير أنه سيستعير بضعة أيام من شقيقه فورار (فيفري) لمعاقبتها عن عنجهيتها واستهانتها بقوته فأثار ذعر العنزة التي شرعت في الارتجاف خوفا من أن تجرفها سيول الشتاء الهائجة. ولفت الجامعي أن أسطورة العنزة الجاحدة تحمل رمزية كبيرة لقساوة الشتاء في شهر يناير وأنها لازالت حية في الذاكرة الجماعية. وجاء في تصريحات بعض الفلاحين لوكالة الانباء الجزائرية أن غالبية هذه الفئة في العديد من مناطق ولاية البويرة يعرفون أسطورة العنزة مع يناير وبعضهم سمع عن نفس الاسطورة ولكنها تروي قصة عجوز جاحدة رفقة عنزة حولهما يناير الغاضب إلى كتلتين جامدتين في اليوم الذي استعاره من فورار. ويرى الفلاح إسماعيل من قرية اغويلال الجبلية (لعجيبة) أن هذه القصة رغم كونها مجرد أسطورة فهي ترمز إلى تقاليد وطقوس أجدادنا في الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة ولارتباطهم بالأرض . البرد بشارة خير بموسم فلاحي ناجح عبر العديد من الفلاحين الذين التقتهم وكالة الأنباء الجزائرية بمنطقة أغويلال بقلب جبال جرجرة (شمال شرق البويرة) عن استبشارهم بموسم فلاحي وفير جراء الأمطار الأخيرة وعودة الثلوج إلى قمم الجبال. وقال أحد الفلاحين المسنين بالقرية يدعى محمد أن يناير كان دائما بالنسبة لنا رمزا للثلج والأمطار والبرد لذلك نحتفل بعودته كل يوم 12 يناير من كل عام للاستبشار بموسم فلاحي مثمر وأكد هذا الفلاح السبعيني أنه لا يزال يتذكر الأيام التي كان يجمع فيها الحطب مع عائلته للتدفئة خلال ليالي الشتاء الطويلة في يناير كل سنة مشيرا إلى أن البرد آنذاك كان جد قاس وكثيرا ما كانت ربات البيوت تحضرن المرق الساخن والخضروات يقتات منها أفراد العائلة لمواجهة قساوة البرد القارس. وعشية الاحتفال بيناير 2974 توافد العديد من السياح لاسيما العائلات للمركز الوطني للرياضة والترفيه بتيكجدة للاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة في الجبال ووسط الثلوج. ولن يجد المتأخرون عن الحجز مكانا بهذا المركز التي حجزت غرفه بالكامل منذ نهاية الأسبوع الماضي اثر توافد عدد كبير من العائلات والسياح من عدة ولايات من الوطن. وهو ما أكده المكلف بالاتصال والتنشيط بالمركز خالد جلال الذي قال أن المركز محجوز عن آخره ولم يعد هناك أي مكان بسبب قدوم عدد كبير من العائلات للاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة (يناير).