بقلم: أدهم أبو سلمية في 7 أكتوبر 2023 نفذت المقاومة الفلسطينية في غزة عملية طوفان الأقصى التي هزت أركان الكيان الصهيوني محدثةً صدمة في المنظومتين: العسكرية والسياسية. العملية التي أدت إلى تدمير فرقة غزة التابعة للجيش الإسرائيلي في اليوم الأول وضعت إسرائيل أمام واقع جديد لم تعهده الجبهات الإقليمية دخلت ساحة المعركة وتوسعت المواجهة لتشمل أطرافًا في لبنان والعراق واليمن ما أدّى إلى تحويل الصراع من نزاع محلي إلى معركة إقليمية أوسع. إن هذا التصعيد ليس مجرد حادثة عابرة بل يمثل نقطة تحول قد تشير إلى بداية انكسار المشروع الصهيوني الذي طالما اعتمد على التفوّق العسكري والدعم الدولي. المشروع الصهيوني كما أشار العديد من المفكرين هو مشروع استعماري استيطاني يعتمد على القوة العسكرية والدعاية المضللة. ومع أن إسرائيل كانت لسنوات تعتمد على التفوق العسكري لتثبيت مشروعها فإن طوفان الأقصى جاء ليؤكد هشاشة هذا الكيان.. تمامًا كما كانت معركة اكتساح تيت في فيتنام بداية النهاية للوجود الأميركي فيها قد تكون طوفان الأقصى هي البداية لنهاية الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. عبر التاريخ تصل القوى الاستعمارية إلى نقطة انكسار تُمهّد لانهيارها.. الثورة الجزائرية مثالٌ واضح على ذلك حيث استطاعت جبهة التحرير الوطني في الجزائر أن تستنزف الجيش الفرنسي ما أدّى إلى إنهاء الاحتلال بعد ثماني سنوات من النضال. اليوم تواجه إسرائيل تحديًا مشابهًا حيث أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على زعزعة أمن إسرائيل وضرب قلب منظومتها الدفاعية. التداعيات التي خلفتها هذه العملية بما في ذلك نزوح المستوطنين وتصاعد الشعور بعدم الأمان تشير إلى أن إسرائيل لم تعد قادرة على تقديم نفسها كواحة أمنية. من الناحية الدعائية بدأت إسرائيل تواجه انهيارًا كبيرًا في سرديتها التقليدية وكما أشار إيلان بابيه المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية فإن فكرة أرض بلا شعب قد انهارت تمامًا وأصبح العالم أكثر وعيًا بالحقائق التاريخية. المقاومة الفلسطينية كشفت زيف هذه الدعاية وأدت إلى تزايد الانتقادات الدولية حيث تشهد مدن كبرى مثل: نيويورك ولندن وباريس مظاهرات شعبية واسعة تندد بالجرائم الإسرائيلية. إن فشل إسرائيل في الحفاظ على دعم الرأي العام العالمي يمهد الطريق لعزلتها المتزايدة كما أشار إبراهيم بورغ رئيس الكنيست الصهيوني السابق الذي يرى أن المشروع الصهيوني قد اقترب من نهايته. التحولات الديمغرافية والاجتماعية داخل إسرائيل تضيف طبقة جديدة من التحديات إذ إن إسرائيل – لاحظ ذلك المفكرون – لم تعد قادرة على توحيد مكوناتها المختلفة بل إنها تعاني من انقسامات داخلية حادة بين المعسكرين: العلماني والديني. الصراع الداخلي الذي ظهر قبل عملية طوفان الأقصى بسبب التعديلات القضائية قد يعاود الظهور ويزيد من هشاشة الدولة. ووفقًا للمؤرخين الإسرائيليين فإن هذا الانقسام الداخلي يعكس بداية انهيار المشروع الصهيوني حيث أصبحت إسرائيل أكثر انخراطًا في صراعات داخلية تهدد استقرارها. إلى جانب ذلك فإن هناك تحولًا كبيرًا في موقف الشباب اليهودي حول العالم حيث يزداد الدعم للقضية الفلسطينية على حساب المشروع الصهيوني. هذا التحول كما يشير إيلان بابيه يمثل أحد أهم العوامل التي قد تسهم في تآكل شرعية إسرائيل على المدى المتوسط فقد فشلت إسرائيل في تقديم نفسها كملاذ آمن لليهود ما دفع بعضهم للهجرة العكسية كما تصاعدت معدلات الهجرة إلى خارج إسرائيل منذ السابع من أكتوبر. رغم أن الدعم الأميركي لا يزال قائمًا فإن تزايد الأصوات المنتقدة داخل الولاياتالمتحدة والتغيرات في الرأي العام العالمي قد يؤديان إلى تقليص الدعم على المدى الطويل. من هنا فإن إسرائيل تواجه أزمة متعددة الأبعاد: عسكرية دبلوماسية واجتماعية تجعلها في موقف ضعيف لم تشهده من قبل. في الختام لا يمكننا الجزم بزوال إسرائيل في المدى قريب لكن عملية طوفان الأقصى قد فتحت بلا أدنى شك مرحلة جديدة في الصراع. وكما أظهرت تجارب التحرر السابقة فإن الاحتلالات تصل إلى نقطة انكسار تؤدي إلى تراجعها تدريجيًا. إذا استمرت المقاومة في تعزيز قدراتها ونجحت في انخراط أوسع لقوى الإسناد معها وإذا استمر التحول في الرأي العام العالمي ضد إسرائيل فإننا قد نشهد نهاية المشروع الصهيوني خلال الفترة القادمة تمامًا كما انهارت المشاريع الاستعمارية الأخرى عبر التاريخ.