برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان وحضوره، افتتحت بيبلوس موسم مهرجاناتها الصيفي بحفلةٍ غنائية جاءت تكريماً للعملاق وديع الصافي وعربون شكرٍ وامتنان لسنوات من العطاء أثمرت أجمل أعمال ستبقى من دون شك خالدةً في ذكرى الأجيال القادمة ليس في رحاب الوطن فحسب، بل في مختلف أصقاع العالم العربي وبلدان الاغتراب. »مرحبا يا أحبابي. أنا ما بعرف إحكي. بعرف غني وبس«، علّق الفنان المتواضع دوماً مفتتحاً الأمسية ومرحباً بالآلاف الذين تقاطروا من مختلف أنحاء لبنان لحضور الليلة الحدث التي تجمع الفنان المُكرَّم بنجمي الأغنية اللبنانية نجوى كرم ووائل كفوري. وبخلاف ما يدّعي، يجيد الصافي الكلام ببراعةٍ فائقة، بل لعلّه »ملك فنّ الخطابة« فهو يتقن »خفة الدم« تمامًا مثلما يبرع في إطراب مستمعيه. فهو، في حفلاته كافة، يصرّ على مخاطبة جمهوره ومداعبته ومحاورته تارةً بنكتة وطوراً بحكمٍ يستقيه غالباً من وقائع وطنية ومواقف أخلاقية أو بإطلاقه دعواتٍ حماسية كأن يرحب بالمغتربين اللبنانيين الذين توافدوا لحضور أمسيته ويطالبهم بالبقاء في ربوع الوطن بدلاً من التشرّد في بلاد الاغتراب: »بدنا ياكون ما طولوا الغيبة هونيك، لبنان بدو ياكون هون!«. وعلى رغم سنواته الثماني والثمانين، وكما عوّدنا دوماً، أطلّ الصافي بحضورٍ مميّز قريب إلى القلب، فالثمانون تنبض في حناياه دماء الشباب فهو يأبى إلا أن يرقص الدبكة على خشبة المسرح ويتمايل على أنغام العود ويصفّق بحرارةٍ للنجمين كفوري وكرم، وحين يطلق العنان لحنجرته يرتفع صوته الجهور في أعالي السماء فتخشع النجوم انبهاراً للرجل الذي أبت أوتاره الصوتية الاستسلام لفعل الزمن فصدح ببعض الأغنيات من دون اللجوء إلى تقنية ال»بلاي باك«، فأثلج قلوب الحاضرين وأطرب آذانهم وانتقل الجميع في لحظات وبمساعدة مشهدية قلعة جبيل وسحر المكان التاريخي إلى عصور العمالقة والفن الجميل. وغنى الصافي أغنيةً جديدة رائعة أهداها ل»جبليت« (جبيل باللغة الآرامية) فأطرب الجمهور صوتاً ومضموناً. وهكذا مضت الأمسية بأغنيات اقتُبس معظمها من ربيرتوار الصافي الوطني ولعلّ الشائبة الأساسية- إذا ما تجاهلنا ما عانيناه من إغلاق للطرقات لدواعٍ أمنية رئاسية ومن تأخير في بدء البرنامج- كانت في تلك الرغبة الملحة من الحاضرين النابعة من أنانية بشرية مفهومة، في مزيد من الأغنيات بصوت الصافي، فالنجمان، أي كرم وكفوري، وإن أجادا في أداء بعض أغنيات العملاق لم يقدرا على إشباع نهم الحاضرين كما يفعل الصافي، وقد عبّر كفوري عن خشيته من الوقوف أمام المارد، معلقاً بعد أدائه أغنية مع الصافي وقبل أن يؤدي أغنية »رح حلفك بالغصن يا عصفور«: »ما زلت تحت هول العملاق!«. تخلّلت الأمسية روبورتاجات قصيرة عن بدايات الفنان، مروراً بمختلف مراحل نجاحه المهني، وإضاءات على مرحلة تألقه مع صباح على مسرح مهرجانات بعلبك، ومشاركته في أكثر من أربعة أفلام غنائية ومسرحيات لا تحصى مع تمرير مقتطفات من الصحف التي رافقت مسيرته الفنية، بالإضافة إلى وصلات من الدبكة اللبنانية بين كلّ أغنية وأخرى.