نعم، هذا ليس مجرد تعبير ساخر، او تهكمي، وإنما هو الحقيقة التي صرنا نشاهدها يوميا، بعد أن بات حمل فنجان القهوة، و التجول به في كل مكان، لاسيما بين الشبان، جزءا لا يتجزأ من عاداتهم اليومية، بل وواحدا من أهم تفاصيل المظهر الخارجي، مثله مثل اللباس والحذاء ومثبت الشعر، شبان وكهول ومراهقون، جميعهم يحملون فناجين القهوة السوداء في أيديهم، ويسيرون بها في كل مكان، في الحافلات والشوارع وعلى الأرصفة وفي السيارات وحتى إلى داخل المنازل، وتتبعهم في كل مكان، وتظل معهم طيلة اليوم، إلى درجة أن البعض منهم يظل حاملا ذلك الفنجان الورقي من القهوة السوداء المركزة، طيلة اليوم، دون أن يمل منه، ودون أن يسأم من مذاقه، ودون أن يسبب له الأمر أي إزعاج كان. ولئن كان الأمر يتعلق بحرية الفرد، الشخصية، وما يريده، وما يشتهيه، فهذا لا يعني أبدا التعدي على حرية الآخرين مادام أن القاعدة تقول "تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين"، فبعضهم يترك ما يتبقى من فنجان القهوة تلك على أماكن الانتظار في محطات الحافلات، وبعضهم قد لا ينتبه فيلقيه دون قصد على ملابس الآخرين، وغيرها من المشاهد السلبية الكثيرة التي تتكرر في هذا المجال، فيما يجب التأكيد أنها عادة غير صحية بالمرة، إذا ما تحدثنا عن تأثير القهوة السوداء على الصحة العامة للإنسان، وعن المخاطر المترتبة عن عمليات تبادل ارتشاف تلك القهوة من طرف أشخاص عديدين، في الوقت نفسه ومن الفنجان نفسه، ما قد يجعل هؤلاء معرضين لمخاطر صحية ربما لا ينتبهون إليها أو يغفلون عنها ولا يعيرونها اهتماما، فاحتمالات انتقال مختلف الفيروسات، إن كان احدهم مصابا بالزكام أو الأنفلونزا، وكذا الجراثيم والميكروبات إن كان احدهم أيضا مدمنا على التبغ، يصبح كبيرا، ويهدد كافة الذين يتداولون على ارتشاف نفس الفنجان. وفي هذا الصدد تقول احدى السيدات ان هذه الظاهرة، باتات أمرا واقعا، وهي لا تشتكي منها كثيرا، مادام أن اقرب المقربين إليها كزوجها وأشقائها، يتصفون بها، وكأنهم لا يرضون أبدا بالقهوة التي يتم إعدادها في المنزل، ويقولون إنها تختلف اختلافا كليا وجذريا عن القهوة التي يقتنونها من الخارج، والغريب في الأمر، أن بعض عشاق القهوة هؤلاء، يستمتعون بمذاقها كلما طالت مدتها، وبردت أكثر، اذ أن منهم من يقتنيها في الصباح الباكر، ويتركه في سيارته أو في منزله، أو أثناء جلوسه مع رفقائه وأصدقائه ساعات طويلة، قد تمتد إلى ساعات متأخرة من المساء، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات، وتبقى المسالة أولا وقبل كل شيء مسألة أذواق، ولا يمكن لأي كان إجبار الآخر على تغيير مزاجه، وتغيير ما يحب شربه او أكله، مهما كان نوعه، فحسب المثل الفرنسي، فان الأذواق والألوان لا تناقش.