هي باحثة جامعية من تونس الشقيقة كلها حيوية وعنفوان، التقيتها على هامش مؤتمر دولي، شاعرة ومثقفة، ومع الظروف التي مرت بها حيث بقيت صامدة كان لي هذا الحوار، صدر لها مجموعة شعرية باللغة الفرنسية بعنوان (امرأة من هنا وامرأة من هناك)؟ لما سألتها عن سيرتها الذاتية قصد التعريف بها لدى القراء، أجابتني بعفوية وبدون تردد، سجّل، أنا عربيّة تونسيّة وقبل كل شيئ أنا مواطنة من مواطني العالم ولست بحاجة إلى بطاقة تعريف ولا إلى جواز سفر ولكنّها الحدود رسموها وقالوا لا تجتازوها إلاّ بإذن منّا. الاسم: هدى، اللقب: زكري، السّن: 32 سنة. المهنة: جامعية أمد طويل، قيل إنّ مطالبي صعبة المنال. أما عن اللّغة: تمنّيت لو كنت من متساكني برج بابل، أنطق بكل اللّغات، ولكنني أكتفي اليوم بلغة موليير فولتير وبُدْلاَر..، على كل حال، لا أظنّ أنّ سيرتي الذاتية في غاية من الأهمّية فأنا امرأة في طور التّكوين، لا أستقرّ على حال. »أخبار اليوم«: كيف كانت بدايتك مع الشعر؟ -- ورثت عن أمّي شغفها وولعها بالمطالعة، ومن آثار اِستعمار فرنسالتونس أنّها لم تكن تقرأ سوى الكتب المكتوبة باللّغة الفرنسية فسقيت من العين التي اِرتوت منها فكانت المنافسة بيننا حادّة في بعض الأحيان فإذا بمنزلنا حلبة مصارعة أدبيّة يلعب فيها معجم »روبار« وموسوعة »لاروس« دور الحكم. ثم جاء دور أبي، حيث كان يشجّع جلّ مبادراتي الأدبيّة والدّراسيّة، فهو الوحيد الذي آزرني حين قرّرت دراسة اللّغة العبريّة في باريس، وهو أيضا من عشّاق الشّعر والرّسم والموسيقى. »الأدب مأساة أو لا يكون« كما يقول المسعدي، وأظنّ أن محاولاتي الشّعرية والنّثريّة هي صيحة في وجه مأساتي الوجودية وفي وجه مآسي الإنسانية كلها، ولا سلاح لي لمقاومة الخضوع والخنوع سوى الكتابة. * ماهي الأسماء التي كان لها الأثر في أشعارك؟ وكم عدد الأعمال المنشورة؟ -- قبل الإجابة على هذا السّؤال، أودّ تقديم بعض التّوضيحات، أنا لا أعتبر نفسي شاعرة بل برعما أو نغفة في طور التّكوين. لم أنشر إلى حدّ الآن إلاّ ديوانا واحدا بعنوان »امرأة من هنا وامرأة من هناك«، كل الشّعر الذي نظمت كان تجربة »برجيّة« نرسيسيّة، كان شعري بمثابة علاج نفسيّ يستمدّ نوره من الميثولوجيا الإغريقية، من »أوليس« ومن »بنلوب«، من »برومثيوس« ومن »زوس«، كان شعري مغرقا في ماضي الآخرين حتى لا يخوض معركة الحاضر، كان شعري حافلا بالبدايات، بجلجمش وأنكيدو، بآدم وحوّاء، أمّا بالنّسبة للدّيوان الذي نشرت فهو بمثابة تحدّ لواقع فردي طال خموله وحان وقت إيقاظه هو طوفان وقطيعة من أجل »أنا« أفضل. واليوم وبعد نشر عدد من المقالات قرّرت الرّجوع إلى »الآقورا« قصد التّنديد بالظلم والاِستبداد،حتى يُضَمّ صوتي إلى آلا ف الأصوات المبحوحة الخافتة. * ماهي اهتماماتك خارج مجال الشعر؟ -- أنا من هواة الموسيقى والغناء وبشكل خاص الأغاني الملتزمة (الشيخ إمام مثلا)، كما أنّني أهتمّ بالمسرح. وأظنّ أنّ الغربة قد أثّرت بشكل كبير على حياتي وعلى اِهتماماتي، لأنّها شكّلت بالنّسبة لي مصارعة دائمة ضد الاغتراب، كما أنها نمّت في روحي الشعور بالآخر الذي لايشبهني، غربتي أخرجتني من طفولتي لتدفعني نحو عالم لا يرحم: عولمة وأمبريالية ترّهات وقشور مع قسط من التضامن ونفحة من الأمل أحيانا. * ما رأيك في من يقلل من أهمية الشعر الحر مقارنة بالشعر العمودي؟ -- الشّعر شكل ومعنى وأنا اِخترت المعنى دون إهمال للشكل، فليقلّل من شأن الشعر الحر من يشاء، لكل واحد استيتيقيته ومن أحب الشعر أحبه. * باختصار كيف كانت معاناتك مع قرار طردك من فرنسا؟ وهل أثر ذلك على كتابتك للشعر؟ -- ساركوزي قرّر طردي ولكنني صمدت »فلا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر«، كان المسار صعبا والمعاناة كبيرة ولكن تضامن الناس معي جعلني أتعدّى هذه العقبة بسلام، ولقد أثرت بهذه الظروف الصعبة التي مررت بها على كتاباتي فجعلتها مشحونة بريح ثورية تهب على المستحيل فتجعله ممكنا. * الآن وقد حصلت على وثائق الإقامة الشرعية؟ ما هو شعورك، وما هي مشاريعك المستقبلية؟ -- لقد حصلت فعلا على بطاقة إقامة سنوية ولكن ذلك لن يمنع نيكولا من طردي، فاليوم اِنتصاري جزئي لأن آلاف الطلاب لم يتحصلوا بعد على هذه البطاقة وهم محرومون من حق العلاج والعمل والسكن. أما عن مشاريعي فهي كثيرة، أريد مثلا إحياء شخصيات من القرون الوسطى، بنفض الغبار عنها وجعلها تعيش في القرن الواحد والعشرين في باريس، تصوّر ابن رشد متجولا في أزقة باريس، أو تصوره داحضا لآراء آلان فنكل كْراوْت، تصور جلجمش في متحف اللوفر باحثا على مسلّة حامورابي، وذلك في كتاب سأعنونه كالآتي: »راجعون«، لي بالطبع مشاريع أخرى سأحدّثك عنها في وقت لاحق. * إذا سمحت الظروف، هل في البرنامج زيارة إلى الجزائر؟ -- ولم لا، حالما تسمح ظروفي المادية، فسأقوم بزيارة إلى بلدنا الشقيق.