* أنا مثل من ألقي في اليم مكتوفا" نظم مؤخرا معهد الآداب واللغات بالمركز الجامعي غرداية الملتقى الوطني الأول حول جهاد وفكر الشيخ اطفيش امحمد بن يوسف (قطب الأئمة)، وعلى هامش هذا الملتقى العلمي التقت (أخبار اليوم) برئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزاق قسوم الذي شارك في الملتقى، وجمع شعب جمعية العلماء المتواجدة بولايات الجنوب بعاصمة ميزاب غرداية، حيث قدمنا له التهنئة بمناسبة تقلده منصب الإشراف على جمعية العلماء وسألناه حول جهود الجمعية وموقفها تجاه بعض القضايا الوطنية والدولية، فكانت معه هذه الدردشة· *** أخبار اليوم: حضرتم الملتقى الوطني لقطب الأئمة، فكيف تصفون أصداء هذا اللقاء؟ -- الدكتور قسوم: أولا أبادلكم التحية والتهنئة بمثلها، وأدعو الله أن يوفقنا جميعا لخدمة الجمعية، لأن جمعية العلماء ليست ملكا لي ولا لك، ولكنها ملك لهذا الوطن بكامله بل للأمة الإسلامية قاطبة، ولذلك مطلوب من الجميع أن يتعاون مع هذه الجمعية وأن يلتفوا حولها لتحقيق الأهداف التي نصبو إليها جميعا· بالنسبة للملتقى العلمي الهام الذي تفضلتم بالحديث عنه، والذي يسعدنا جميعا بالمشاركة فيه، إن هذا الملتقى يمثل الحدث العلمي البالغ الأهمية، لأنه يكشف اللثام عن عالم من علماء هذه الأمة وأحد أعلامها الأقطاب، كما وصف بأنه قطب العلم وقطب المعرفة في زمانه، ولا يزال إلى الآن يمثل قطب الإشعاع، من هنا فإن الإنسان لا يمكنه إلا أن يسعد بهذا اللقاء ويحمد الله على أنّ جامعاتنا بدأت تلتفت نحو كنوزها لتبحث عن الجواهر المدفونة وتعمل على أن توعي الجيل والشباب بما يمكن أن يملكوه من كنوز ثقافية معرفية، وفي مقدمة هؤلاء الشيخ اطفيش القطب، نحن نعتقد إذن أن الملتقى الوطني الأول للعناية بالشيخ اطفيش القطب إن هو إلا حلقة في العقد الثمين الذي يملكه هذا الوطن وتملكه هذه الثقافة، ومن هنا فإننا نأمل أن هذا الملتقى يكون الأول في سلسلة الحلقات التي ستتلوه والتي ستختص بالكشف عن باقي العلماء المغمورين الذين لم يتمكّنوا من أن نعرف بهم، ويكون ملتقى الشيخ اطفيش هو البداية والمنطلق نحو غد علمي أفضل إن شاء الله· *** أتى هذا الملتقى متأخرا بكثير من وفاة الشيخ اطفيش (الذكرى المئوية)، فما قولكم في هذا الأمر؟ -- أتفق معك تماما·· كان من الأولى أن نحتفل بمثل هذا المستوى القطب العلمي قبل هذا منذ فترة طويلة، وليس العيب أن نحتفل متأخرين ولكن العيب أن لا نحتفل، نحن نعتقد أنه ليست العبرة بأن لا نحتفل ولكن أن نحتفل مهما كان الوقت، إنما نحن نوجّه العناية والدعوة إلى القائمين على العلم والثقافة من جامعيين وكتّاب وأدباء وباحثين وطلاب إلى أن يستدركوا هذا النقص حتى يستطيعوا أن يهتموا كما هو مطلوب بباقي العلماء المغمورين، وأن لا يتم الاحتفال بعد مائة سنة من وفاة أي كاتب أو عالم، بل بالعكس ينبغي أن نهتم بكل عالم في بداية وفاته وحتى في بداية حياته، حتى نستطيع أن نوعي الجيل الجديد بما يملك من كنوز، وأن نعيده إلى تراثه الحقيقي، وأن نمكّنه من أن يسهم في الكشف عن هؤلاء العلماء الأفذاذ وهذا لربط الأجيال اللاحقة بالأجيال السابقة، وأن يكون هذا الجيل القادم خير خلف لخير سلف إن شاء الله· *** كيف تشعرون دكتور وقد حُمّلتم مسؤولية الإشراف على جمعية العلماء؟ -- حالتي تشبه حالة من وصفه الشاعر بأنه ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء، فأنا أشبه بهذا لأني أتحمل أثقل مسؤولية وهي مسؤولية أم الجمعيات التي هي جمعية العلماء، لكن دون زاد ودون إمكانيات، إنما ما يخفف عني هذه المسؤولية وما يدفعني إلى الأمل والتفاؤل هو الاعتماد على الوعي بأهمية الجمعية الذي أجده عند الشباب والنساء والشيوخ والكهول، وعند العامة والخاصة، وهذا هو الزاد الذي أتزود به للوصول إلى تحقيق الأهداف، لأن الشيخ عبد الحميد بن باديس وصحبه عندما أسسوا الجمعية كانوا في مثل وضعي لم يكن هناك مناخ مناسب ولا بيئة معرفية، ولم يكن هناك ما يشجعهم، ولكن كانت ثقتهم وإيمانهم بالله أولا، وإيمانهم بوطنهم وإمكانياته هي التي جعلتهم يستسهلون الصعاب ويقدمون على ما هو أصعب فنجحوا والحمد لله، وشقوا لنا طريق الأمل، وبالتالي نحن على آثارهم مقتدون· *** أشرتم إلى ترتيب البيت الداخلي لجمعية العلماء، فماذا تقصدون بكلامكم هذا؟ -- كل من يدخل بيتا جديدا لابد وأن يغير فيه بعض الأشياء، وينظم حياته من جديد وفق المتطلبات الحديثة، لأن جمعية العلماء التي كانت سنة1931 عندما تأسست ليست هي جمعية العلماء في 2011، لأنه هناك تقدم علمي، تكنولوجي، ومجتمعي، وبالتالي يجب أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر، ومن بين التنظيمات أننا نعمل على تفعيل شعب الجمعية على مستوى ولايات الوطن، ونبين لها أنه هناك مسؤوليات جديدة تلقى على عاتقها وفي مقدمتها العناية بلسان الجمعية، جريدة البصائر، التي ستشهد تجديدا من حيث شكلها ومضمونها وأقلامها وطاقمها، وهذا هو بداية التنظيم· *** ما هي آفاق جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟ -- آفاق الجمعية محدودة لا ممدودة، ومن هذه الآفاق أننا نعمل على أن تكون الجمعية جمعية الجميع وموجودة في كل ميادين حياة الأمة بثقافتها واقتصادها، بسياستها وعلمها وتكنولوجيتها وتنظيماتها، ولكن ميزة جمعية العلماء أنها لا تتحزب ولكنها تكون مع كل الأحزاب التي تقاسمها الثوابت الوطنية، فإننا ندعو كل هيئة ومنظمة وحزب يملك مقوما وطنيا أن يكون حول الجمعية وأن يتعاون معها دون التدخل في شؤونه الخاصة ودون منافسته على المطامح السياسية التي هي خاصة به، نحن إذن نعمل على أن تكون الجمعية هي جمعية كل الشعب الجزائرية بكافة فئاته وخاصة الشباب الجامعي، الفتيات، النساء، الطلاب، والباحثين فعليهم أن يكونوا ملتفين حول الجمعية لأنها الثابت للثوابت والحامية لها، وبدون ثوابت الجمعية التي آمنت بها وهي الوحدة الوطنية واللغة العربية والإسلام كعقيدة لن تقوم للجزائر قائمة، لأن الثوابت هي الأركان الثلاثة التي تقوم عليها دعائم المجتمع ولا يمكن لهذا الأخير النهوض دون إسلام ولغة ووحدة وطنية· *** هل ساهمت تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية في إضفاء قيمة نوعية للجزائر ولجمعية العلماء؟ -- كل ما يخدم الثقافة في كل الميادين، وأقصد الثقافة الصحيحة والمنبثقة من ينبوع وأصالة الشعب الجزائري، فإنه يخدم الجزائر وجمعية العلماء على السواء، ولذلك فإن كون تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية هذا في حد ذاته حدث بالغ الأهمية، فنحن نساهم في تنظيمه بصفتنا مشتركين في اللجنة التنظيمية لإعداد اللجان والمسابقات الثقافية والملتقيات المختلفة، إذن نحن ساهمنا في تنظيمها ووضع أسسها والإعداد لها، ونعتقد أن هذا في حد ذاته إشعاع علمي للجزائر على العالم وعلى ثوابت الأمة· *** ما موقف جمعية العلماء من مسألة التمثيل النسوي في المجالس المنتخبة والتي أثارت جدلا في الجزائر؟ -- نحن نعتقد أن المرأة هي شقيقة الرجل، ولا يمكن أن نحدد نسبة التمثيل النسوي لأن الإسلام وضع على قدم المساواة المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات (من عمل عملا صالحا من ذكر وأنثى فلنحيينه حياة طيبة)، إذا كانت هناك كفاءات عند النسوة تؤهلهن لأن يتبوأن مكانة علمية أو ثقافية أو اجتماعية، نحن لا نحصر عليها ونقول لها (ينبغي أن تقفي عند 30 بالمائة أو عند50 بالمائة)، فإذا كانت طبيعتها لا تؤهلها لنسبة معينة فلماذا ألزمها ب 30 بالمائة؟، وبالتالي نحن مع إعطاء المرأة حقوقها وما يتناسب وطبيعة أنوثتها، ومع طبيعتها كأم وزوجة، ومع طبيعتها البدنية، ومع بيئتها الاجتماعية، وإذا كانت هناك منافسة فلتكن، نحن نقول بأن الجامعة الآن أصبحت النسبة الغالبية فيها بنات وهن ناجحات، هل آتي لمعاقبة البنت على الولد؟، أنا لست من دعاة أننا نسجنها داخل نسبة معينة ولكن أفسح لها المجال في نطاق ثوابتنا وقيمنا ومبادئنا، فإذا تأهلت في هذا النطاق لأي منصب، تتولاه بدون أية مشكلة· *** كيف ترى قيمة العالم في الدولة الجزائرية؟ -- العالم في الدولة الجزائرية هو الذي يثبت وجوده، يعني مطلوب من العالم أن يثبت وجوده وأن يعمل على هذا الإثبات، وليس من أي جهة كانت أن تبثت العالم بأنه موجود أو مفقود، فالمكانة تؤخذ ولا تمنح، فأي عالم أو مثقف ينبغي أن يعمل ويناضل من أجل إثبات *****إنيته***** - كما يقول مولود قاسم - ووجوده وذاتيته، ولكن بالعمل الشريف والمنافسة الطيبة دون تسلق أو تملق ولا أي شيء، لأن العالم ينبغي أن يكون واضحا في معالمه وشخصيته وكذا أهدافه، ثم بعد ذلك ليكن ما يكن لأن الخط سيكون واضحا والأهداف ستكون نبيلة· **** هل من كلمة نسدل بها ستار حوارنا معك دكتور عبد الرزاق؟ -- إذا كانت لي من نصيحة فأوجهها للشباب، وإنني أقول ما قال محمد العيد إلى العلم إن رمت النجاح إلى العلم، ولكن العلم كما نفهمه نحن هو العلم المتوج بالثوابت الصحيحة والقيم الإسلامية وبالأصالة العميقة، وأن يكون جيلنا وشبابنا من خدمة العلم أتباع مبادئ لا أتباع أشخاص، لأن الأشخاص يزولون والمبادئ تبقى، نحن ندعوهم لأن يكونوا مع العلم، ومع الذين يخدمون العلم، ومع مبادئ جمعية العلماء لأن قسوم يزول والجزائر باقية·