العلماء هم بصر وبصيرة الأمم، بهم ترقى الحضارات، وتزدهر الحياة الاجتماعية والثقافية والدنية في أحلك الظروف وأصعبها، لأنهم هم مفتاح المغلق، وضياء المظلم، ودليل الضال، ومن هؤلاء العلماء الذين عمل المجلس الأعلى للغة العربية على التعريف بهم وإبراز الدور الريادي الذي قاموا به في سبيل الأمة قطب الأئمة أطفيش، حيث صدر عن المجلس كتاب خاص بهذا العلامة تحت عنوان: ''لصالح الجماعة والوطن'' مؤخرا. وأنت تتصفح سِيّر علماء الجزائر، تجد نفسك أمام خصلتين تميزهما العلم والعمل، ولأجل أن تكتملا الخصلتان، لابد أن يمر العالم بالمراحل التي يتساوى فيها الجهاد بالعمل وترجح الكفة للعمل على الجهاد في الطلب ومكابدة المشاق، إضاف إلى الأخلاق السامية التي تتزين بها شخصية العالم العامل في أكثر من شخصية ومنها شخصية الشيخ امحمد بن يوسف أطفيش، فهل أوفته كلمات وسطور وأوراق هذا الكتاب حقه أم أنها كانت سباقة لفتح نافذة نطل من خلالها على هذه الواحة العلمية ونستظل بظلها وغدقها. يقول رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، الدكتور محمد العربي ولد خليفة، في الكلمة الافتتاحية لليوم الدراسي المخصص لهذا العلامة : ''نخصص هذه السطور لأحد أعلام الجزائر قطب الأئمة أمحمد بن يوسف أطفيش تقديرا وعرفانا لرجل موسوعي وهب حياته كاملة للعلم والتعليم والتقرب من الله سبحانه وتعالى بالتقوى والاستقامة وخدمة الجماعة''. ويضيف رئيس المجلس في كلمته التبيينية حول هذه الشخصية العلمية الجزائرية: ''إن العلامة الموسوعي أطفيش، وهو من أئمة الفقه الإباضي في المغرب والمشرق العربيين، من كبار المجتهدين والمتضلّع في أصول العقيدة من القرآن والسنة، قد ناهض التعصّب للرأي والمذهب، ودعا لتقبل وجهة نظر المخالف''. أما حفيده محمد بن محمد بن امحمد أطفيش، فقد استعرض في كلمته المواهب التي صبغها الله على جده، منها استظهاره لكتاب الله في التاسعة من عمره، وجلس مدرسا في الخامسة عشر، ووضع أولى لبنات تأليفه في السادسة عشر، وحارب الجهل وجاهد الاستعمار بسلاح العلم وكلمة الحق. وختم حفيد الشيخ كلمته مخاطبا حضور اليوم الدراسي الخاص بالإمام أطفيش بالقول: ''إن من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أراد هما معا فعليه بالعلم''. أما الدكتور محمد عيسى وموسى، فقد تناول في موضوع بحثه سيرة ومسار الإمام أطفيش، ومن جملة الخصال التي سجلها من سيرة هذه الشخصية أنه: صارم، حر، متربص بالمستدمر، رافض للمظالم، محارب للبدع، يحث على الاجتهاد. أما الأستاذ عمر داودي، فقد اقتبس ومضات من حياة القطب أطفيش واعبتره من الطراز البشري الرفيع أستاذا مجتهدا في فنون الشريعة الاسلامية، ورمزا للتحدي والجرأة والصمود. أما الاستاذ عمار طالبي، فقد وصف الشيخ أطفيش بسعة العلم والتحلي بالأخلاق الاسلامية والسلوك القويم، وأنه كان مفسرا للقرآن الكريم، وفقيها بمعنى الكلمة، متحكما في اللغة العربية وآدابها. وقد تم تقسيم الكتاب إلى ستة أقسام وملحقين. منهج التفسير عند القطب أطفيش، الشيخ أطفيش مفسرا، محمد أطفيش وكتابه الكافي في التصريف، البحث العقدي ومنهجه عند الشيخ أطفيش، القطبية عند القطب أطفيش، مواقف القطب أطفيش ضد الاستعمار الفرنسي. كما تم التعريف في ظهر الغلاف بالإمام امحمد أطفيش الذي ولد سنة 1821 ببلدية غرداية وتوفي سنة 1914م. الكتاب من إصدارات المجلس الأعلى للغة العربية من القطع العادي، ويتوزع على 172 صفحة.